هذا السؤال يواجهنا في كل مرة ، وفي كل مرة يكون جوابنا عليه بالدعوة إلى إعادة النظر في تاريخ - وقعة كربلاء - ، والدعوة منا دائماً لتصحيح ماورد من أخبار وروايات مزيفة علقت بالوقعة جراء فعل معروف النوايا والأهداف ، ولهذا نقول دائماً : إن من بين كل الأحداث والوقائع التاريخية تبدو لنا - وقعة كربلاء - من أكثرها حيوية و قيمة وإنسجاما مع حياة الشعوب والأمم المحبة للعدل والحرية والسلام ، ونعلم جيداً أن ليس هناك ثمة وقعة أثرت في حياة الناس كما هي وقعة كربلاء ، ذلك لما تحمل في طياتها الكثير من القضايا والهموم والمشكلات الإنسانية التي يتداخل فيها العقلي مع الروحي كتداخل المعرفي مع العاطفي .
هذا السؤال يواجهنا في كل مرة ، وفي كل مرة يكون جوابنا عليه بالدعوة إلى إعادة النظر في تاريخ - وقعة كربلاء - ، والدعوة منا دائماً لتصحيح ماورد من أخبار وروايات مزيفة علقت بالوقعة جراء فعل معروف النوايا والأهداف ، ولهذا نقول دائماً : إن من بين كل الأحداث والوقائع التاريخية تبدو لنا - وقعة كربلاء - من أكثرها حيوية و قيمة وإنسجاما مع حياة الشعوب والأمم المحبة للعدل والحرية والسلام ، ونعلم جيداً أن ليس هناك ثمة وقعة أثرت في حياة الناس كما هي وقعة كربلاء ، ذلك لما تحمل في طياتها الكثير من القضايا والهموم والمشكلات الإنسانية التي يتداخل فيها العقلي مع الروحي كتداخل المعرفي مع العاطفي .
نعم هي كذلك أعني هي كل هذا وزيادة ، و لكن الذي نريد متابعته في جوابنا على سؤالنا المتقدم ، هو ليس هذه الحبكة من القصص والأخبار التي يفتعلها البعض على نحو بكائي وعاطفي ، لكنما هي تلك القيمة الحضارية التي حاولت الوقعة إيصالها إلينا وتعريفنا بها ، مع إعترافنا بأن ماوصل إلينا منها نادر ومشوب بكثير من الإشكاليات التاريخية والروائية .
ونعيد الإعتراف بان الوقعة قد أصابها الكثير من الوهن والتحريف والتزييف المتعمد ، الذي قام به وفعله كهنة وأنصاف متعلمين ومهرجين جهلة ، أولئك الذين نسجوا من حولها الخرافات والوهم والتسطيح والتجهيل وأشاعوها بين الناس على أمل أن تدر عليهم بعض من فتات هذه الدنيا الزائلة ، وهم يعلمون أن ذلك يضر بقيم الوقعة وأهدافها النبيلة والعظيمة ، وكلنا يعلم ما قام به رجال دين ووضاعين وساسة نفعيين ومرتزقة من دس وتشويه متعمد ، لتغيير سجل هذه الوقعة العظيمة و هؤلاء المشار إليهم نشروا بين الناس أخبار كاذبة وقصص وهمية وإعتقادات باطلة ، عن الإمام الحسين وعن أهدافه وعن سر تحركه ، مستفيدين بقدر ما من علاقة الناس بأهل البيت ، ولهذا عمدوا على الترويج لهذا الزيف و لكل ما يعمل علة تشتيت العقل ودفعه للتنافر والبغضاء والكراهية المقصودة ، وتناوب على هذا الدور كما قلنا مهرجون جهلة وفئات فاسدة وفاشلة قد لفظها التاريخ والزمن ، ولم يجدوا ما يعتاشون عليه سوى هذا الطريق فعملوا عن عمد لتجهيل الناس وخداعهم كما يفعلون في كل مرة أيام عاشوراء ومابعدها .
ان بعض المرتزقة من رجال دين يجدون في - وقعة كربلاء - ملاذاً آمناً ، يبثون من خلالها سمومهم وكذبهم الفاضح ، وكلنا يعلم كم كانت صريحة مقولة الإمام عليه السلام حينما قال : - إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي .... - ، ومفهوم الإصلاح الذي يعنيه ويقصده هو في الحكم و في الدولة [ أعني الإصلاح السياسي الإجتماعي والإقتصادي ] ، ومعلوم بالضرورة إن أول مبادئ الإصلاح المقصود :
1 - هو في إقامة العدل الإجتماعي الذي لا يكون إلاَّ بوجود حكومة صالحة .
يقودنا هذا للإعلان بان الإمام الحسين عليه السلام لم يتحرك لكي يعلم الناس الصلاة أو الصيام أو سائر العبادات ، ولم يتحرك لكي يدعوا الناس للدخول في دين الإسلام بالسيف ، بل جاء ليقيم العدل وينشر السلام والحرية ، كان يريد ان يكون حاكماً عادلاً للناس كافة ، فإقامة العدالة الإجتماعية وحماية الناس من الظلم والإستبداد والدكتاتورية هو الهدف الأسمى الذي تحرك من أجله الإمام .
2 - وفي السياق نفسه يجب رفض قول جماعة المهرجين من أهل المنابر ، أولئك الذين يزعمون بان الإمام لم يبايع يزيد لأنه كان شارباً للخمر !!!! .
فهذا القول ساذج وسخيف ولا ينتمي إلى فكر الإمام وترديده على المنابر دليل جهل بتاريخية قيام الإمام ، نعم إن ما يريده الإمام من إقامة الحكم العادل يتلخص بالمعنى التالي :
أ - التوزيع العادل للثروة وردم الهوة بين الطبقات والفئات المجتمعية ، إذ لا يصح أن تعيش فئة من الأغنياء وباقي الناس يموتون فقرا وفاقة .
ب - تبني مشروع الدفاع عن المظلومين وحمايتهم من التعدي والعنف والإكراه ، وفي ذلك لا يجب التفريق أو النظر من خلال الولاء أو الإنتماء الديني والعرقي .
ج - إلغاء الإمتيازات التي سنتها دولة الظلم الأموي ، وإلغاء نظام حاكمية القبيلة أو العشيرة ، أعني رفض الإنتماء والولاء الضيق للعشيرة والقبيلة والدعوة للإندماج في الكيان العام للدولة .
د - إلغاء نظام ولاية العهد الذي أعتمده معاوية ، وإستبدال ذلك بنظام الإختيار الشعبي للحاكم ، فالحاكم الحقيقي هو من يختاره الناس .
إذ الحكم في الإسلام شورى بين الناس هكذا يقول الله في أمرهم شورى بينهم ، ولم يعتمد التنصيب الذي وفد للمسلمين من خلال الجاهلية ومن خلال الموالي الذين دخلوا في الإسلام عنوة .
من هنا نستطيع القول ومن غير مواربة ان قيامة الإمام الحسين إنما كانت من أجل إقامة الحكم العادل ، وإعادة الحكم لمن يستحقه والإمام كان أولى الناس في ذلك ، ولهذا أمن بدعوات أهل العراق وتحرك من أجل إنقاذهم من ظلم الدولة الأموية ، وعليه فقيامة الإمام قيامة سياسية إجتماعية إقتصادية بإمتياز ، هكذا يجب أن نفهم وقعة كربلاء من خلال القراءة التاريخية والمعرفية الرصينة وليس عبر التهريج الذي يعتمده الجهلة من رجال الدين لغاية في أنفسهم ، غاية مفضوحة وسيئة بكل المقاييس .
وللحسين منا سلاماً ...
راغب الركابي