بالرغم من أن هناك قوانين ثابتة تعامل بها المرأة منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن حيث أن هذه القوانين وضعت في الربع الأول من القرن العشرين و بصفة خاصة القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية فإن المشرع أخذ بأكثر الآراء الفقهية تزمتا وتعنتا وتضيقا لمساحة ما تمتعت به المرأة من حقوق في ظل النظام القضائي القديم قبل القرن التاسع عشر…
و نظرة سريعة إلي وضع امرأة بالنسبة لقانون الميراث عند الأمم السابقة تعيننا على فهم الوضع الحالي لها…
كانت الملكية المطلقة في زمن الفراعنة للفراعنة فقط إلي أن جاء أحد الملوك فوضع قواعد للميراث وكان أرشد أولاد المورث يرثه في كل شيء بينما كان الابن البكر يحل محل أبيه في الميراث عند الكلدانيين والسريان والآشوريين و الفنيقيين وإذا لم يوجد البكر قام مقامه أرشد الذكور ثم أصبح جميع الأولاد متساويين في الأرث لا فرق بين ذكر وأنثى. وكانت الزوجية تعتبر في قواعد التوريث عند قدماء المصريين فالزوجة ترث من زوجها و الزوج يرث من زوجته و كان حق الأرث يشمل الزوجين والفروع والأصول والأخوة و الأخوات.
اليونان:
كان الميراث عند اليونان يتم عن طريق الوصية و إذا وقع النزاع فإن القضاء هو الذي يبت بصحة الوصية. ثم جعل اليونان الميراث لأكبر أبناء الأسرة إلي أن جاء المشرع الأغريقي صولون في أواخر القرن السادس قبل الميلاد فقسم التركة بين أبناء المتوفى الذكور، و إذا لم يترك المورث أبناء فإن التركة تعطى لأقرب عصباته.
الرومان: إن أسباب الميراث عند الرومان اثنان فقط و هما: القرابة و ولاء العتاقة أما القرابة فتشمل الفروع و الأصول و الحواشي و يثبت نسب الفروع بالزواج الصحيح أو بالزنا أو بالتبني، و الفرع يستقل بالتركة ذكرا كان أم أنثى و من أي درجة كان.. و إذا استحقت التركة للفروع و توفي أحدهم، و كان له أولاد فإن أولاده يحلون محل أبيهم و ينقسم الفروع الميراث بالتساوي لا فرق بين الذكر و الأنثى.
و الأصول يرثون عند عدم وجود الفروع و في حالة عدم وجود فروع أو أصول فإن التركة تستحق للحواشي و هم الأخوة و الأخوات للأب أو الأم و أيضا بالتساوي بين الذكر و الأنثى.
اليهود:
كان اليهود يعتقدون أن الأنسان حر في ماله يتصرف فيه كما يشاء بطريق الوصية فله أن يحرم من الميراث من يشاء من ذريته و أقاربه و له أن يوصي به كله لمن يشاء و لو كان أجنبيا و المرأة لا ترث عندهم سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا أو أختا ما دام يوجد للمتوفي قريب من الذكور و قواعد الميراث عند اليهود تقوم على أربعة أسباب و هي: البنوة و الأبوة و الأخوة و العمومة و لذا فإن الزوجة لا ترث من تركة زوجها إذا توفى قبلها و هو يرثها إذا توفيت قبله و ميراث الأب لا يكون إلا لأبنائه الذكور فقط و ليس للبنات الأحق النفقة من التركة حتى سن البلوغ و الولد الذي يضرب أباه أو أمه ضربا مدميا لا يرث منها و يرث الولد من الزنا كسائر أخوته الشرعيين.
العرب في الجاهلية:
كان للميراث عند العرب في الجاهلية قواعد ثلاث:
الميراث بالنسب:كان العرب في الجاهلية لا يقسمون الميراث إلا الذين يقاتلون في الحروب فلا يرث الأولاد الصغار و لا النساء و لا الجواري و إنما يرث من قاتل علي الفرس وحاز الغنيمة.
الميراث بالتبني: كان الرجل في الجاهلية يتبنى ولد غيره فينسب له و يرثه و يكون للولد بالتبني كل الحقوق فهو يتساوى مع الابن الصلبي.
الميراث بالحلف: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك ترثني وارثك و تطلب بي و اطلب بك و كان هؤلاء الحلفاء يرثون السدس ثم يأخذ الورثة الباقي حتى نزل قوله تعالى:”و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض”.
الميراث في الإسلام:
جاء التشريع الإسلامي في الميراث على سبيل التدرج فأبقى الناس أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية ثم شرع الإرث بالهجرة فكان المهاجر في المدينة إذا مات و ليس له قريبه النسبي في الميته أسباب الوفاة فله أن يوصي الوالدين و الأقربين بما يشاء. ثم أبطل الإسلام قصر الاستحقاق على الرجال البالغين دون النساء و الأطفال ثم نزلت آيات المواريث الأخيرة فبينت ترتيب المستحقين بيانا واضحا على وجه العدل و المصلحة فأبطلت قواعد الميراث التي كان عليها العرب الجاهلية و نسخ مكان عليه العمل في صدر الإسلام من التوريث بالمؤاخاة و الهجرة و فصلت حصص جميع الورثة المستحقين تفصيلا دقيقا. و يلاحظ أن الإسلام استدرك كثير من السلبيات الأنظمة الأرثية السابقة فجعل لكل من الأولاد نصيبا في التركة و جعل للأبوين نصيبا مع وجود أبناء للميت خلافا للقانون الروماني و جعل للأخوة نصيبا سواء كانوا أشقاء لأب أو لأم و جعل للزوجة نصيبا في ميراث زوجها خلافا للشريعة اليهودية كما جعل للزوج نصيبا في ميراث زوجته و لم تميز الشريعة الإسلامية بين الابن البكر و سائر أخوته بل سوي بينهم جميعا و جعلت للذكر مثل حظ الانثيين خلافا للنظام الروماني و للقوانين الحديثة و مرد ذلك أن الذكر يكلف بالإنفاق دون اخوته البنات و ابطلت الشريعة الإسلامية التبني و ابطلت كل حق ارثي ينتج عنه كما حرمت الزنا و اعتبرت الزواج هو السبب الوحيد الصحيح لثبوت النسب.
و قد تميزت الشريعة الإسلامية بقدر كبير من التنوع و المرونة و الاتساق مع ظروف الحياة و المجتمع في كل عصر و أوان في حدودالقواعد الفقهية المستندة إلي القرآن و السنة و قد افسحت مجالا رحبا للمنهج العقلي بمختلف أدواته عن قياس و استنباط و استقراء إلي غير ذلك من أدوات و منهجية كانت ركائز الفقه الإسلامي.
وحينما جاء الإسلام بتقسيم الميراث إنما كان ذلك تبعا لتقسيم المسئولية و التي كانت تقع على عاتق الرجل في كثير من الأمور فكانت الآيه الكريمة “للذكر مثل حظ الانثيين” الآيه 11 سورة النساء و رغم ذلك فإن الأنصبة في الميراث متغيرة فهناك حالات ترث النساء النصف كما في الآ يه الكريمة:” و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس” الآية 12 سورة النساء أي أن الأخ و الأخت متساوين في الميراث للمتوفي الذي ليس له والد و لا ولد كما أن هناك حالة ترث فيها الأم أكثر في الأب و ذلك في الآيه الكريمة: فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له أخوة فلأمه السدس الآيه 11 من سورة النساء.
و قانون الأرث و النفقة في الإسلام ليسا منفصلين وإن أحدهما يكمل الآخر فالحكم الشرعي الذي يفرض للذكر مثل حظ الانثيين هو نفسه الذي يرتب التزامات على الرجل قد تفوق هذا الأمتياز من خلال الزام الرجل بالنفقة على الزوجة و الأولاد و إعفاء الأم منها أي حتي من الإنفاق على نفسها..
و على ذلك فإن ما نراه من متغيرات إقتصادية استلزمت متغيرات إجتماعية.. بحيث أنه لم يعد في نفوس بعض الرجال ما يلزمه دينه وخلقه وقيمه بالإنفاق على من يتولى مسئوليتهم والأحكام القضائية نفسها تجد نفسها أمام كم من التحايل و التجاهل يجعلها لا تلزم المنفق بالنفقة الحقيقية التي يستحقها أصحابها و محاكم الأحوال الشخصية تنوء بالقصص التي يتهرب فيها أصحاب المسؤلية المعينون بالإنفاق على من يقومون بمسئوليتهم ناهيك أصلا عن أن هناك بونا شاسعا بين مبلغ الفقه الملزمة و بين الإنفاق الفعلي و بهذا يقع على المرأة المعيلة ظلم بين هذا غير الحالات التي تقوم فيها فتيات صغيرات بالإنفاق على أنفسهن في وجود الأب و الأخ أما لضيق ذات اليد أو بالتهرب من المسئولية.. أما عن الزوجات العاملات فحدث و لا حرج بالإسلام الذي انصف المرأة بأن أوجد لها ذمة مالية منفصلة.. اجبرها واقع الحياة الفعلي على ضياع هذا الحق فأصبحت تعمل خارج المنزل و داخله حتي أصبح هذا الأمر حقا مكتسبا للرجل الذي تهمش دور مسئوليتة داخل المنزل فزاد العبء على المرأة.
و حقوق المرأة في الإسلام تعود إلي المبادىء الأصولية و الحقوق الأساسية الذي لا يمكن المساس بها باعتبارها حقا للإنسان سواء كان أنثى أم ذكر و هذا هو ما أكده القرآن مرارا و تكرارا و معاملة المرأة في القرآن تأتي كونها إنسان له أدميته التي كفلها الإسلام لذا كانت مساواة المرأة بالرجل في التكاليف و في الثوابت و العقاب و هو أصل في الشريعة أما الميراث فهي عرض يجعلنا ننظر إلي فتح الباب أمام المرأة المنفقة بأن تتساوي في حقوق الميراث مع الرجل و خصوصا و أن الإسلام لم يمنع ذلك في الأحوال المشابهة كما اسلفنا.. و كما أن هناك مذاهب متشددة في إطلاق الحكم فهناك أيضا مذاهب أكثر يسرا و الرسول الكريم ما خير بين أمرين الإ اختار أيسرهما فهناك مذهب الشيعة الأمامية و هو أحد المذاهب الفقهية جعل للمرأة نصيبا في الميراث مساو للرجل و ذلك يعد أقرب للمتغيرات الإقتصادية الحديثة.