شب حريق الفساد في وزارة الصناعة بتاريخ الثامن عشر من شهر سبتمبر 2016 لإحراق وثائق سرقة ثمنمائة وعشرين مليون دولار تمت سرقتها من قبل عائلة واحدة تعمل في الوزارة، ضحوا بأرواح الناس من أجل إحراق وثائق العقد، وكل وثائق العقود الفاسدة، وهرعت سيارات الأطفاء وبذل الأطفائيون جهوداً مضنية لإطفاء الحريق،
وسط درجات الحرارة المرتفعة في بغداد ووسط شوارع مزدحمة، تحول دون وصولهم المبنى لحين يأتي الحريق على كافة المستندات. وقبل حريق وزارة الصناعة إندلع حريق في وزارة الخارجية بعد سقوط النظام الأرعن والغبي. وفي عام 2009 إندلع حريق كبير في وزارة العدل، وتم تفجير امانة العاصمة، ومرة ثانية أحرقت وزارة العدل في العام 2011 في طابق الأرشيف والمستندات، وحرائق أخرى في المدن العراقية ومقرات الدولة. لا أحد يكترث طبعاً، فالكل مرتاح، لأن الكل متورط وعليه مستمسكات ومستندات تدينه في كونه مشترك في عمليات الفساد. فالفساد سمة العراق المعاصر. وحين يصل رجال الأطفاء، ينقصهم الماء الكافي لإخماد الحرائق بسبب شحة المياه والنقص الحاصل في مياه دجلة والفرات والشاطئ والأهوار بعد أن أقامت تركيا سدوداً جديدة يستغرق غمرها بالمياه ثلاث سنوات، ستضطر لتخفيض منسوب المياه المقرر للأنهر العراقية وفق الإتفاقات الدولية، فإن إطفاء الحريق والحالة هذه يستغرق وقتاً غير عادي لحين تأتي النار على كافة الوثائق ورجال الأطفاء غير مدانين بهذه الحقيقة أنما هم يعملون المستحيل، وتشويهم النار شياً طوال حياتهم في عراق ما قبل التغيير وما بعد التغيير. وحين يمضي بهم العمر ويحالون على المعاش التقاعدي وهم منهكون، تكون الخزائن فارغة يفرغها المفسدون ومن يرعاهم ويباركهم، وسوف لا يجدون ما يسد رمقهم بعد كل تلك المعاناة من نار الفساد في وزارات الفساد، ولو إنتهت مهمتهم في الحياة وسافرت أرواحهم للسماء فإنهم لا يمكثون في الجنة حتى يوماً واحداً، فيتمردون على التعليمات ويبادرون في محاولة لإطفاء نار جهنم التي تحرق فقراء العراق، ولا تصلي مفسديه، وهي غير حرائق الوزارات، فقد جاء في سورة الغاشية "تصلى ناراً حامية، تسقى من عين آتية، ليس لهم طعام من ضريع" والعين الآتية أي الشديدة الحرارة والضريع هو خبيث الطعام الذي إذا يبس لا تقربه الدابة. وجاء في سورة "الهمزة" نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، أنها عليهم موصدة، في عمد ممددة" كل هذه النيران وغيرها جاهزة لإستقبال المتمردين على قرارات أولي الأمر، وأولي الأمر هم الحاكمون الفاسقو ن الفاسدون ورجالات مخابراتهم ووعاظ السلاطين، وسوف يدخل النار كل نزلاء السجون السياسية طوال هذه الحقب الرديئة ويقدر عددهم بالملايين وكثيرون منهم ماتوا في السجون وتحت التعذيب. لاشك بأن رجال الأطفاء سوف ترف قلوبهم الطيبة وسوف يحاولون أطفاء الحرائق التي أعدها عبيد الله في الآخرة بعد أن أعدوها في سجون ومعتقلات بلدانهم. سوف يحاول رجال الأطفاء إخماد النيران المشتعلة في سموات الله ولكن دون جدوى!
الا ترون معي أنها مهزلة؟! الا تدركون معنى الخوف المرغم طوال أكثر من ألف وأربعمائة عام، خوف يقرأ في الجوامع ودور العبادة وتهديد في الفضائيات الدينية، والمواطن البسيط مرعوب وخائف ويعود خائفاً لبيته ويصلي قبل أن يمارس الحب مع زوجته ويذهب إلى عمله وهو يعد مائة حبة وحبة من مسبحته ويتمتم بترديد هذه الأيات حتى لا ينساها، فيما الفاسدون يشعلون الحرائق في وطنه من أجل إتلاف الوثائق مضحين بارواح الناس في الوزرات. وفي كل يوم في كل ساعة وفي كل دقيقة يتم إكتشاف فساد وفاسدين في مؤسسات الدولة العراقية، والدولة بمجموعها تنهب المال ويشعلون الحرائق بمباركة دينية، فالمؤسسة الدينية هي التي طالبت الفقراء بإنتخاب هؤلاء وهي، أي المؤسسة الدينية، مسؤولة بشكل مباشر وليس غير مباشر عن كل الحرائق المشتعلة في الوطن. وكل وعاظ السلاطين مع السلاطين سوف ينعمون في أرائك الدنيا، فهم يعرفون أن لا نجارين في الآخرة يصنعون لهم الآرائك، فالأرائك والخمور وحور العين كلها في جنة الحياة، ورجال الأطفاء سيبقون وبضمائر حية يطفئون حرائق العراق المشتعلة دوماً، ولا يدخلون الجنة لأن حكايتها ليست سوى محض إفتراء!
* سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا