الموال العراقي جارح، جارح، لتخاله بكاء القمر!
كنا قد استندنا الى رأي «انتروبولوجي» يعيد الايقاع الحزين في الموال العراقي الى نهر دجلة الذي يفيض في تموز فيقضي على المحاصيل، ويولول الفلاحون. خلافا للنيل الذي يفيض في اذار حاملا الطمى، والخير، والفرح، ويزغرد الفلاحون...
هنا بلد مارس اللعبة البرلمانية قبل 300 عام من الميلاد. ظهرت فيه شرائع حمورابي، ومضى فيه هاجس الخلود الى اقاصي التراجيديا( ملحمة جلجامش)، لا بل ان الالواح السومرية تجعلك تشعر ان ميكانزم الخليقة في التوراة انما اخذ عن ميكانزم الخليقة في هذه الالواح، حتى ان مرثية إرميا تكاد تتطابق مع المرثيات الكبرى لدى السومريين...
وقيل مثلما الفلسفة الاغريقية، بحمولتها الثقيلة، جعلت اليونانيين في هذا الزمان يتحولون الى طهاة او الى راقصين، التاريخ في العراق، بحمولته الثقيلة، جعل من كل عراقي ديكتاتور او ضحية للديكتاتور...
هناك في المجتمعات العربية من يستخدم اسماء لاشخاص مثل فولاذ، وهو اسم شقيق المعمارية العبقرية زها حديد، او جبار، او صدام، او قعقاع؟
قال لنا عبد الوهاب البياتي «بالرغم من كل تلك الرقة التي تراها في العراقي، وهو الذي يشبه الماء العذب، لا بد ان تجد في السياسي شيئا من الحجاج بن يوسف الثقفي، او شيئا من ابو العباس السفاح، او شيئا من صدام حسين».
ذات يوم قيّض لي ان التقي في دمشق برجل دين شيعي بارز، ومعارض للنظام في بغداد. بعد نحو ساعة من الحديث سئلت عن رأيي، قلت «صدام، وعلى رأسه عمامة». باستطاعتك القول هولاكو وعلى رأسه عمامة...
هذا بلد هارون الرشيد والمأمون. لا ضيافة مثل الضيافة في العراق، وحيث اللهجة الجميلة، وحيث الضريح الضائع لابي الطيب الذي لولا بعض الهفوات الشخصية لتحول من المتنبي الى النبي، وهذا بلد العلماء الذين اذهلوا الخبراء الفرنسيين في استنباطهم لبعض المعادلات النووية. حماقة الساسة في بلاد الرافدين هي التي دمرت كل شيء. العراق حطام، العراقيون حطام...
سنّة وشيعة، عرب واكراد، متواطئون ضد بلد كان يمكن ان يكون يابان الشرق الاوسط، فإذا به صومال الشرق الاوسط الان يتمزقون. القنوات التلفزيونية الكبرى تنفخ في الابواق. كلام معيب لذلك المذيع الذي حاول الضغط علنا على نائب سني في مجلس النواب العراقي ليقول ان المستهدف هو السني سليم الجبوري. النائب ردد اكثر من مرة ان النواب السنّة هم من طالبوا بعزله، ولا علاقة للمسألة بالمذهبية. اصرّ المذيع حتى الرمق الاخير...
لا تنسوا ان تنظيم الدولة الاسلامية ظهر في العراق قبل ان يتمدد نحو بلاد الشام. ابراهيم البدري تحول الى «ابي بكر البغدادي»، ونصّب نفسه خليفة. من يستطيع ان يفهم ماذا يريد مقتدى الصدر؟
العراق غارق في الفساد، فساد قلّ نظيره. حيدر العبادي لم يحقق شيئا سوى انه حل محل نوري المالكي. ولكن هل هذا الوقت المثالي لتفجير الوضع سياسيا، فيما القوات المسلحة تخوض الحرب ضد» داعش»، وفيما الاميركيون يلعبون بهلوانيا في السماء كما على الارض؟
مسعود البرزاني هادىء الان. وضع على الرف الاستفتاء على الانفصال. هل لان الازمة المالية داخل كردستان في اسوأ احوالها ام لان ما يصيب العرب من تبعثر يصيب الكرد ايضا، ام انه يراهن على ساعة الانفجار الكبرى. تأتيه الدولة الكردية، ومعها كركوك وحقول كركوك، على طبق من الفضة؟
وراء الضؤ يحكى عن اتصال من هنري كيسنجر ولطالما عبث بالمسألة الكردية، بالبرزاني ناصحا بالانتظار ليس فقط لان اللعبة اكبر منه بكثير، وانما لان الشرق الاوسط يتجه الى انفجار في الخرائط.
العبادي يؤكد انه بالرغم من تعقيدات الساجة العراقية، ان على مستوى السلطة او على مستوى القاعدة، تراجع منسوب الفساد الى حد ما، ومالت البلاد الى نوع من الاستقرار. لماذا، اذاً، يضطلع مقتدى الصدر بدور الخنجر في الظهر؟ انصاره يقولون «كفانا التنقل بين حفرة واخرى»...
نسأل شخصيات عراقية عن الوضع، وعن الاحتمالات. الاجابات اكثر من ضبابية. شخصية شيعية بارزة وتقول لنا «كما لو ان الصدر يلعب لعبة البغدادي».
شخصية اخرى قالت لنا ان وراء الاكمة ما وراءها، ومنذ ازاحة المالكي واحلال العبادي محله. ثمة من يريد الرجل الثالث. من هو؟ وهل صحيح ان العراق يقترب من الانقلاب العسكري بغطاء اميركي؟
سقوط سياسي بالكامل. هل تسمعون قهقهات الخليفة. متى يسقط العراق؟ في الغرف البعيدة حديث عن خارطة جديدة تعيد بلاد ما بين النهرين الى ما قبل قرار ونستون تشرشل توحيد ولايات بغداد والبصرة والموصل في دولة واحدة ولاغراض نفطية...
الموال العراقي جارح، الحقيقة العراقية ايضا!