مع عدم استبعاد الرد العسكري الروسي على تركيا بعد اسقاط الطائرة سوخوي 24 الروسية ، الا ان القيام بعمل عسكري ليس واردا حاليا، فروسيا اوقفت مشروع الغاز من روسيا الى تركيا، وهي تعمل على محاربة تركيا اقتصاديا، وحجم التبادل الاقتصادي بين روسيا وتركيا 200 مليار دولار سنة 2014، والسوق الروسية المكونة من 350 مليون نسمة هي اكبر سوق لتركيا لبيع بضائعها،
وقد قررت روسيا في البدء وضع لائحة بأصناف ممنوع دخولها الى روسيا، لكن حاليا روسيا تدرس اقتراحا بمنع كل البضائع التركية من الدخول الى روسيا، وهي ضربة قاصمة لظهر الاقتصاد التركي، فتركيا ستخسر تصديراً بقيمة 170 مليار دولار الى روسيا، كان يستفيد منهما الاقتصاد التركي والصناعة التركية، والتجارة التركية، لكن روسيا ردّت بعنف عبر قطع مشروع الغاز السائل الى تركيا وعبر تركيا الى اوروبا، وثانيا الان ترد بقطع ومنع كل البضائع التركية من الدخول الى روسيا، واذا تم اتخاذ القرار خلال اليومين المقبلين وهذا هو الارجح فان تركيا ستعاني من ازمة اقتصادية، وسيخسر ناتجها القومي بنسبة 12 في المئة وهو ما يشكل تقريباً بطالة عمل بحوالى 450 الف عامل تركي سيتوقفون عن ايجاد فرص عمل لان البضائع التي ينتجونها لن تذهب بعد الان الى روسيا.
اما بالنسبة الى تصدير البضائع التركية الى اوروبا فاوروبا الشرقية من رومانيا الى اوكرانيا فهي تغزو الاسواق الاوروبية والاميركية واسواق الشرق الاوسط التي كانت تستفيد منها تركيا مثل العراق توقفت وكذلك سوريا توقفت وحتى لبنان توقف عن الاستيراد كثيرا من تركيا، والذي يذهب الى اسطمبول يجد المحلات فارغة وليس هنالك من مشترين للبضائع التركية، والجمود الاقتصادي بدأ يهز تركيا، وهذا خلق ازمة بين رئاسة اركان الجيش التركي وبين الرئيس اردوغان ذلك انه للحقيقة انه في لحظة اسقاط طائرة سوخوي 24 فان الذي اتخذ القرار هو رئيس اركان الجيش التركي وليس الرئيس اردوغان لان الرئيس اردوغان لم يكن يرد على الهاتف وكانت السرعة مطلوبة، فاتصل قائد سلاح الجوي التركي برئيس الاركان وابلغه ان طائرتين روسيتين تخرقان اجواء تركيا على الحدود مع سوريا، فرد رئيس الاركان لحظة واجاوبك، فحاول الاتصال بالرئيس اردوغان فلم يرد عليه الرئيس اردوغان، فاعطى الامر باسقاط الطائرة الروسية سوخوي - 24 وقتل قائدها نتيجة اطلاق المعارضة النار عليه وهو يهبط بمظلته.
والان بعد الازمة التي حصلت قام الرئيس اردوغان بدعم الجيش التركي ولم يتنصل من المسؤولية ولم يحمل المسؤولية كرئيس اركان الجيش التركي بل تحمل الموقف وقال هذا موقف تركيا من اسقاط الطائرة الروسية وكان بامكانه القول ان القرار عسكري وهنالك خطأ لكن العصبية القومية التركية والعنجهية التركية منعتا اردوغان من التنازل، الا ان هنالك خلافاً بين رئيس الاركان التركي والرئيس اردوغان حول القرار باسقاط الطائرة والرئيس اردوغان كان يتمنى عدم اسقاط الطائرة الروسية لان بطيرانها قرب الحدود لم تكن تشكل خطراً على السكان الاتراك فليس هنالك مدن تركية للخوف من سقوط قنبلة او صاروخ من الطائرات الروسية كذلك ليس هنالك قواعد عسكرية تركية هامة بالغة السرية اذا طارت فوقها طائرة روسية يمكنها تصوير القاعدة التركية السرية. ولذلك وجه الرئيس اردوغان اللوم الى رئيس الاركان التركي، وهنالك انفصام داخل الاركان التركية، منهم من يلوم احد كبار ضباط رئيس الاركان لاعطائه القرار باسقاط الطائرة الروسية ويعتبره قرارا متهورا ومنهم من يتضامن مع رئيس الاركان التركي، على ان يكون الجيش التركي مثل الحزمة، وطالما رئيس الاركان اخذ القرار فلا يجب توجيه اللوم اليه.
الذي جعل روسيا لا تنتقم عسكريا هو انها عرفت من المخابرات ان الرئيس اردوغان لم يعط الامر باسقاط الطائرة الروسية ولو لم تعرف روسيا من مخابراتها ان الرئيس اردوغان لم يعط الامر باسقاط الطائرة لكانت ردت عسكريا، لكنها ترد بالتدرج اقتصاديا على تركيا، ومنع استيراد البضائع التركية اذا صدر قرار بذلك، فان تركيا ستصاب بأزمة اقتصادية حادة لن تستطيع السوق الاوروبية التعويض عليها. ولذلك تلقت تركيا مليار دولار كبدل عن اللاجئين السوريين على اراضيها كي تمنعهم من السفر الى دول اوروبا لكن اين قيمة مليار دولار من 170 مليار دولار قيم السلع التي كانت روسيا تستوردها له من تركيا، وليس هنالك في الافق اي مجال للحل، ذلك ان الرئيس بوتين اعلن انه مع الحكومة الحالية والحكم الحالي في تركيا لا مجال للمصالحة، والشرط الاول الذي يضعه بوتين هو اعتذار تركيا من روسيا، وهذا ما رفضته تركيا علنا، ثم ان دفع الاضرار لا قيمة له لكن روسيا تريد ان تدفع تركيا بدل الاضرار، اي التعويض على روسيا بالنسبة الى سقوط الطائرة ولمقتل قائدها، لكن تركيا ايضا ترفض ذلك، وتقول ان الخطأ ارتكبته الطائرة الروسية بخرقها الاجواء التركية، وروسيا تؤكد ان الطائرة الروسية كانت فوق سوريا، الدليل على ذلك ان الصندوق الاسود الذي تحمله الطائرة وجدوه في الاراضي السورية، وحصل عليه الجيش السوري وسلمه الى روسيا، كذلك فان مظلة الطيار قائد الطائرة واغراضه وحطام الطائرة موجودة في الاراضي السورية، فكيف تكون في الاجواء التركية وتتناثر في الاراضي السورية. وكيف تكون فوق الاراضي التركية ويهبط الطيار الثاني فوق الاراضي السورية، وتقوم وحدات خاصة سورية ووحدات بحرية سورية بانقاذه على الاراضي السورية، لذلك فان روسيا لم تسكت عن الموضوع وعطلت مشروعا بـ 37 مليار دولار من الغاز السائل لتوريده الى اوروبا عبر تركيا وتستفيد تركيا منها بنسبة كبيرة، كذلك ستقطع روسيا دخول كل البضائع التركية اليها، لتبلغ روسيا تركيا انها تدريجيا سوف تجعلها تخسر وتندم، واذا احتاجت روسيا الى عمل عسكري فهي جاهزة الى ذلك، وبالفعل، فان الرئيس بوتين قال ان الطائرات التركية كانت تخرق الاجواء السورية، واذا كان لديها الشجاعة الان فلتكرر خرقها للاجواء السورية. لكن بعد قيام الطيران الاسرائيلي باغتيال الشهيد سمير القنطار ظهر في وسائل الاعلام اين هي منظومة الدفاع اس - 400، التي تحافظ على الاجواء السورية في وجه الطائرات الاسرائيلية، لذلك قرر الرئيس بوتين الاتصال هاتفيا برئيس وزراء العدو نتنياهو ليبلغه ان قيام الغارات الاسرائيلية فوق منطقة جرامانا في ضواحي دمشق هو امر احرج روسيا جدا، لان روسيا مسؤولة عن الاجواء السورية، واذا كانت اسرائيل تريد الاغارة فيمكنها الاغارة في درعا في جنوب سوريا وفي منطقة الجولان المتنازع عليها او المنزوعة السلاح، ووعد نتنياهو بأن لا يكرر الغارات على دمشق الا في الحالات الطارئة، لكن الرئيس بوتين تمنى على نتنياهو ان لا تقوم اسرائيل بأي غارة فوق دمشق والمنطقة لان روسيا ستكون محرجة جدا تجاه هذا الامر.
ان العلاقات التركية - الروسية تذهب نحو الاسوأ وان العلاقات الروسية - الايرانية تذهب نحو الافضل، وامس وقعت روسيا مع ايران اتفاقا بانشاء مفاعلين نوويين قيمتهما 4 مليارات دولار من اصل 20 مفاعلاً نووياً قد تبنيها روسيا او دول اخرى في ايران، من الان وحتى عام 2020، كما ان روسيا باعت ايران اسلحة حتى الان بقيمة 7 مليارات دولار وهي ستعطي ايران اسلحة بقيمة 20 مليار دولار ولكن على اساس سندات ائتمان اي ان ايران تدفعها على مدى 20 سنة اقساطا تلو اقساط وليست دفعة واحدة.
وهكذا تنمو العلاقة الروسية - الايرانية على حساب العلاقة الروسية التركية التي كانت ممتازة، لكن الان سنرى مزيداً من التدهور في العلاقة بين تركيا وروسيا رغم ان اوغلو رئيس وزراء تركيا يراهن انه في شهر اذار المقبل 2016 ستتحسن العلاقة بين تركيا وروسيا وتنتهي المشكلة.
عن الديار