بسرعة البرق تم اقرار مؤتمر واشنطن وصدور بيان تاريخي عن مجلس الامن، زار جون كيري وزير خارجية اميركا موسكو وتباحث مع الرئيس فلاديمير بوتين وكان الخلاف الوحيد هو مصير الرئيس بشار الاسد واشنطن تطالب برحيله وموسكو تصر على بقائه فكانت النتيجة ان وافقت واشنطن على بقاء الاسد عند طلب روسيا. وتقرر انعقاد مؤتمر في 18 و19 كانون الاول في واشنطن بين كل الاطراف التي اجتمعت في مؤتمر فيينا – 2، وتم البحث في خارطة طريق تمهيدا لتقديم بيان الى مجلس الامن يحظى بالاجماع، ليقره مجلس الامن ويبدأ على اساسه الموفد الدولي ديمستورا الى سوريا لتنفيذه والبدء بالاتصال مع السلطة ومع المعارضة ومع الاحزاب المسلحة.
لم يصل مؤتمر واشنطن الى وضع كل البنود التي يريدها لكن اقر الاساسي منها، واولا تثبيت بقاء الرئيس بشار الاسد لحين حصول انتخابات شعبية في سوريا على مستوى رئاسة الجمهورية، وقبل ذلك تحقيق وقف اطلاق النار في سوريا، ومع تحقيق وقف اطلاق النار يجب شن حرب شعواء على تنظيم داعش وجبهة النصرة لضربهما لاعتبارهما منظمتين ارهابيتين.
ثم يأتي بعد ضرب داعش وجبهة النصرة وقف اطلاق النار في كل الاراضي السورية، ويتم تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة الاطراف، من المعارضة ومن السلطة، وتدخلها قوى مسلحة لا يرضى النظام بدخولها ولكن روسيا ستفرض ذلك على حكم الرئيس بشار الاسد، مقابل ان تفرض روسيا على المعارضة بقاء الرئيس بشار الاسد في الحكم طوال هذه الفترة حتى انتخابات الرئاسة عندما يتقرر موعدها.
وتشكيل الحكومة الوطنية ستكون مهمة عسيرة لان الاطراف ترفض ان تأخذ الا حقائب اساسية، وهنا الخلاف الكبير بين النظام والمعارضة، ووزارتي الدفاع والداخلية لا يقبل النظام بالتخلي عنهما، فيما المعارضة تريد اما وزارة الدفاع او وزارة الداخلية.
وبالنتيجة كما تم الاتفاق على بيان في مجلس الامن بالاجماع سيتم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تلعب فيها دور الولايات المتحدة وروسيا اللتين اتفقتا تماما على حل الازمة السورية، ثم يبدأ موضوع الاصلاحات الدستورية، والاصلاحات الدستورية هي المرحلة الانتقالية التي تريد المعارضة ان يكون النظام في سوريا نظام برلماني لا رئاسي كما هو الامن، بينما السلطة تريد ان يبقى النظام رئاسي وهذا غير وارد لدى واشنطن وموسكو فهم يريدون نظاما برلمانيا ويكون رئيس الجمهورية هو الحكم تماما مثل اتفاق الطائف في لبنان لكن مع ابقاء صلاحيات اكثر لرئيس الجمهورية. والنظام البرلماني يجعل تداول السلطة بين الاحزاب والاطراف كلها، بدلا من جعل النظام رئاسي يخلق مشكلة ان شخصا واحدا هو الرئيس يقرر كل الامور، بل يريدون موسكو وواشنطن ان تكون السلطة مراقبة تحت اطار مجلس الشعب، وان تكون قرارات الحكومة مستقلة يتم اتخاذها داخل مجلس الوزراء ثم تعرض على مجلس الشعب كي يوافق عليها وبعدها تذهب للتوقيع من رئيس الجمهورية وهو له حق الرفض او القبول ولكن ضمن مهلة معينة زمنية اذا قام برد القوانين الى مجلس النواب فعلى مجلس النواب تأييد القانون بنسبة الثلثين وعندها يصبح رئيس الجمهورية ملزما بتوقيع القانون.
وبعد الاصلاحات الدستورية، يجري عرضها على استفتاء شعبي في سوريا، فاذا اقرها الشعب تصبح هي دستور سوريا، ويبقى طوال هذه الفترة الرئيس الاسد في سدة الحكم، اما الى سنة 2021 تاريخ انتهاء ولايته اما الى انتخابات رئاسية مبكرة، والرئيس الاسد يعتبر ان الشعبية السورية هي معه، وروسيا تقول الشعب السوري يختار رئيسه، وقد وافقت الولايات المتحدة مع روسيا على هذا الشأن ولذلك نحن سنرى بداية حل في سوريا ولكن بطيء وطويل، وليس الامر بالسرعة التي يعتقد فيها البعض فهنالك حروب ستجري مع داعش وهنالك حروب داخلية بين اطراف مسلحة للسيطرة على مناطق، وهنالك تحرك الجيش العربي السوري لكن في نهاية الامر سيتم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار تفرضه موسكو وواشنطن سوية.
وهذا الامر سيأخذ سنة كاملة، وبعدها سنة 2017 تبدأ الحلول السياسية في سوريا، لكن العنوان الاساسي الذي توصل اليه الرئيس بوتين والرئيس اوباما هو ان الحل في سوريا هو حل سياسي وليس عسكري فالحل العسكري الذي ارادوا فيه اسقاط الرئيس بشار الاسد انتهى ولم يعد واردا وثبت الرئيس الاسد في سدة الرئاسة، كذلك فان الحسم العسكري بواسطة الجيش السوري لم يستطع اسكات الميليشيات المسلحة والتكفيريين والارهابيين والقوى المسلحة المعارضة للرئيس بشار الاسد وسيطرت على حوالي 70 في المئة من الاراسي السورية، ولذلك وصلوا في النتيجة الى الحل السياسي وهذا هو عنوان مؤتمر واشنطن وهذا هو مضمون القرار الصادر عن مجلس الامن، ليل امس بشأن خارطة الطريق لحل الازمة السورية.
اليمن
واذا كان التفاهم الاميركي – الروسي قد جعل الحل السياسي اساساً لانهاء الازمة السورية، فانه في ذات الوقت، اوصل الازمة الامنية الى الحل السياسي فلا السعودية استطاعت الانتصار على الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح ولا الحوثيون وعلي عبد الله صالح استطاع الانتصار على السعودية وجيش التحالف الخليجي العربي. وبالتالي، جعلت موسكو وواشنطن ايضا اليمنيين والسعودية وايران وغيرها تعود الى طاولة مفاوضات وتبحث عن حل سياسي، ويجري التقدم جيدا في ملف الحل السياسي في اليمن وان لم يكن بعد قد توصلوا الى بنود مشتركة الا انهم سلموا بالامر الواقع وهو ان الحل السياسي هو الاساس والقوة لن تفيد ولو كان كل يوم هنالك خرق لوقف اطلاق النار في اليمن، فوقف اطلاق النار في اليمن لم يحن اوانه بعد، لكنه آت على الطريق والحل السياسي سيكون باشراك الحوثيين الذين هم 30 في المئة من الشعب اليمني واشراك جماعة علي عبد الله صالح في الحكومة، واشراك السلطة برئاسة عبد الهادي في الحكومة ايضا بنسبة هامة، وعندها يذهب اليمن الى الحل السايسي عبر المفاوضات التي تشرف عليها الامم المتحدة انما تديرها جيدا موسكو وواشنطن الذين لهم قدرة قوية على تجيير الامور من يد ايران والسعودية لصالح الحل السياسي في اليمن. واذ ذاك تكون اليمن قد دخلت مرحلة الحل السياسي ويكون الحوثيون قد اوقفوا حربهم ويكون القرار 2216 سيتم تنفيذه ليس كما يريد الرئيس اليمني بل بالتفاهم على ان تبقى قوات الحوثيين والسلطة حيث هي وعندما تتألف وحدة وطنية يتم الحل، عندها يعود وحدة الجيش اليمني وتنفيذ القرار 2216 بالتفاهم والهدوء بينهما.
ليبيا
اكبر مفعول للتفاهم الاميركي – الروسي ظهر في ليبيا، فقد وقّعت الاطراف في السخيرات اتفاقا لحل نهائي في ليبيا، يضمن سحب السلاح من الميليشيات، السلاح الثقيل، ويبعد السلاح الخفيف 35 كيلومترا خارج طرابلس الغرب وتقوم الحكومة باختيار الشرطة والقوى المسلحة للحفاظ على الامن في العاصمة طرابلس وسيمتد الى بنغازي والى بقية الاراضي الليبية. والجميع وقعوا على الاتفاق واصبح نافذا واحتفلوا امس باتفاق جديد لليبيا الجديدة. والجميع يعرف ان ليبيا غنية جدا بالنفط، ولذلك فان ليبيا بعد ايجاد الحل السياسي ستكون دولة مصدّرة للنفط وستستطيع رد ديونها وعجزها وستستفيد اوروبا وروسيا واميركا من مشاريع في ليبيا استثمارية في كل المجالات، ذلك ان عدد الشعب الليبي قليل ومساحة ليبيا كبيرة جدا، ومن هنا فان الحل السياسي تم اعتماده في ليبيا واذا كانت بداية الربيع العربي كانت بداية دموية تعتمد على الحرب والقتال والذبح، والرصاص فان الان مرحلة نهاية الربيع العربي الدموي قد انتهت الى عنوان اسمه الحل السياسي، وسحب الاسلحة وجلوس الاطراف على طاولة المفاوضات، والوصول الى اتفاقات مشتركة كما وصلت الاتفاقات في ليبيا بين كل الاطراف.
هكذا الاتفاق الاميركي – الروسي الاوروبي اوصل الربيع العربي الى الحل السياسي ولكن بخسائر كبرى جدا وتعتبر خسائر العالم العربي نتيجة ما يسمى الربيع العربي والتي ساهمت باذكائه لاسرائيل وانعاشه اسرائيل بالاتفاق مع قطر وتركيا انما اوصلت خسارة في العالم العربي الى 8 الاف مليار دولار، وهي اكبر خسارة في التاريخ لم يحصل مثلها الا في الحرب العالمية الثانية. وسيكون على الدول العربية والنفطية وغيرها ان تسعى طوال عشرين سنة الى بيع النفط لسد العجز واعادة الاعمار، واخذ الديون من اجل الاعمار من المصارف الدولية ورهن النفط والثروات الوطنية لمصارف اجنبية.
العراق
في العراق لا يبدو حل للازمة حاليا، ويبدو ان تركيا طامعة في السيطرة على الموصل والنينوى وصلاح الدين والسيطرة عليهم وتقوية اهل السنة فيهم، لفترة معينة، في وجه المد الشيعي من الحشد الشعبي لانها انشأت الحشد الوطني وهي تريد ضرب الاتراك في شمال سوريا من خلال قطع طريقهم الى العراق وفي ذات الوقت، تريد تقوية السنّة في العراق ليقفوا في وجه مشروع الجيش العراقي الذي اكثريته شيعة والحشد الشعبي الذي اكثريته شيعة، لكن تركيا طبعا لا تدخل من اجل وحدة العراق ومن اجل توازن السنّة والشيعة بل تدخل طمعا بالارض العراقية وبفرض شروطها في التسوية في العراق خاصة لجهة النفط، وتريد حصة في تحويل النفط من العراق عن طريق تركيا الى البحر. وتريد ان يكون لها حصة كبرى في الاستثمارات وفي الكهرباء والمياه والسدود والصناعة في العراق، تحت عنوان حماية اهل السنّة. وتركيا لن تخرج في الوقت القريب من العراق، رغم ان الرئيس الاميركي باراك اوباما طلب من تركيا سحب قواتها من العراق وهي حتى الان لا تجيب على هذا الطلب بل تستمر في احتلال الاراضي العراقية والجيش العراقي غير قادر على ازاحة الجيش التركي والحشد الشعبي غير قادر ايضا، الا اذا دخلت قوات ايرانية ضخمة من الحرس الثوري الى العراق واشتبكت مع القوات التركية وعندها تصبح الحرب اقليمية بين ايران وتركيا وهذا امر مستبعد لن تسمح به واشنطن وموسكو ولا اوروبا.
تبقى القضية العراقية تحت محور الحل السياسي لكن مع ضرب داعش تنتهي قصة كبيرة من الازمة العراقية واوروبا واميركا وموسكو مصممين على ضرب داعش في العراق وسنشهد معركة عنيفة في العراق ضد داعش خاصة في الموصل، حيث تنتشر داعش بين الاحياء والبيوت والمدينة كلها، والموصل مدينة كبرى جدا، لكن الجيش العراقي مع القصف الجوي الذي سيحصل مع قوات برية سيتم جلبها من دول عربية بالنتيجة ستنتهي داعش في العراق، وجبهة النصرة غير موجودة في العراق لذلك الحرب ستكون على تنظيم داعش ولن تنتهي هذه الحرب سنة 2016 بل ستستمر حتى 2017.
لكن من المؤكد ان الحرب ضد داعش ستستمر دوليا الى حين انهاء تنظيم داعش وعندها يكون امام العراق فرصة لحل سياسي شرط ان يتنازل قليلا الشيعة لصالح السنّة ويشركونهم في الحكم وفي الجيش وفي الادارات العامة ويكون في توازن سنّي – شيعي واذ ذاك يكون العراق قد بدأ طريق الحل السياسي الفعلي لانهاء ازمته.