لم يحقق مؤتمر فيينا أي تقدم بالنسبة لمصير الرئيس بشار الأسد والفترة الانتقالية باستثناء القبول ببقاء الرئيس الأسد لفترة 6 اشهر هي الفترة الانتقالية التي ستجري فيها انتخابات نيابية ووقف اطلاق نار لكن هذا الاتفاق الهش هو اتفاق بعيد جدا ولا يصلح لان يكون قاعدة للتفاهم في سوريا.
واضح ان الدول التي جاءت الى مؤتمر فيينا هي دول شعرت ان سوريا على حافة الانهيار، فالاقتصاد السوري شبه منهار وتحت خط الفقر والليرة السورية خسرت من قيمتها اكثر من 20 مرة من القيمة الأساسية، كذلك قطاع النفط وحده خسر خلال 4 سنوات ونصف 50 مليار دولار وخسر موسم القطن 12 مليار دولار وخسر قطاع الحبوب وتجارة الحبوب في سوريا 18 مليار دولار، اما الصناعة في سوريا فقد تم ضربها نهائيا ونقلت المصانع اعمالها الى تركيا وأصبحت تعمل هناك.
الفريق السعودي يريد ان يرحل الرئيس بشار الأسد فورا عن الحكم، وهنا جاوبه الرئيس الإيراني : «بأي حق تتكلم انت عن سوريا وتقرر مصيرها، وهل لكم الحق في تقرير مصير الرئيس بشار الأسد ام ان الشعب السوري هو الذي يقرر»؟ فقال ان الانتخابات النيابية والرئاسية هي التي تقرر من يأتي رئيسا للجمهورية في سوريا، فأجاب لافروف جبير : «من ينتخب ملك السعودية الشعب، وهل هنالك انتخابات نيابية في السعودية لتطلب منا التحدث عن انتخابات نيابية ورئاسية في سوريا مع انها تحصل ولو شكليا»؟ وسكت الوزير السعودي جبير بعد رد الوزير الروسي القاسي ونقل تقريرا عن هذه المشادة التي حصلت بينه وبين وزير خارجية روسيا الى الملك سلمان الذي أصيب بحالة من الغضب نتيجة الموقف الروسي، لكن السعودية لا تستطيع ان تقطع الخيوط مع روسيا، فهي تعرف ان حلف روسيا اذا استمر مع ايران فان ايران ستصبح اكبر قوة في المنطقة ذلك ان مساحة ايران هي مساحة قارة كاملة ففيها مناطق 30 درجة تحت الصفر و30 درجة فوق الصفر وايران تمتد من حدود باكستان الى حدود العراق وهي قارة بكل معنى الكلمة دولة كبيرة بمساحتها وشعبها ثم ان كل سكان الخليج لا يزيد عددهم عن 50 مليون مع الأجانب، بينما سكان ايران يصل عددهم الى 80 مليون نسمة وكلهم ايرانيون وكلهم ذات عصبية آلية متعلقة ببلدها وتقاتل كعنصر بشري ولا تتراجع مثل الخليج، وقد رأينا السعودية في حرب اليمن كيف انها لم تستطع التقدم بل استطاع اليمنيون والحوثيون الدخول الى الأراضي السعودية الا ان التحالف العربي الكبير مع الفي جندي من السنغال والفي جندي من السودان و5 الاف جندي من باكستان أدى الى التقدم على الحوثيين ولكن حتى الان لم يحصل الانتصار النهائي لان العاصمة صنعاء ما زالت بأيدي الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح.
وجهة النظر الأميركية تقول انها متفقة مع روسيا، لكن واقع الحال ليس كذلك، فاذا كانت روسيا قد أرسلت 28 طائرة مقاتلة لمساندة الجيش السوري فان اميركا قررت ارسال قوات برية الى سوريا هي قوات الدلتا كي تقاتل في سوريا الى جانب المنظمات الأربعة وهي إرهابية وتكفيرية وهذه المنظمات الأربع هي جيش الفتح، جيش الإسلام، احرار الشام، وجبهة النصرة، وهذه المنظمات الأربع يتركز عليها القصف الروسي كذلك يتركز على داعش ولكن القوات الروسية تريد في مرحلة أولى فك الحصار عن العواصم والمدن الكبرى في سوريا ففي دمشق تطوقها النصرة وليس داعش وفي حمص تطوق مدينة حمص قوات داعش انما النصرة وجيش الإسلام هما الاقوى اما في الغوطة الشرقية التي تبعد قليلا عن دمشق وعدد سكانها نصف مليون نسمة فان جيش الإسلام هو الذي يسيطر على الغوطة الشرقية، كذلك في جبهة درعا والقنيطرة فان قوات جيش النصرة وجيش الإسلام والفتح هم الذين يسيطرون اما في الشمال الشرقي في منطقة جسر الشغور واريحا وادلب فان جبهة النصرة هي التي تسيطر وليس داعش ولذلك قرر الطيران الروسي التركيز على المنظمات الأربع لضربها كي تكون الجبهات امام الجيش العربي السوري مفتوحة فجاءت اميركا لتأتي بقوات برية وترمي أسلحة بالمظلات للمنظمات الأربع التكفيرية والإرهابية التي تقاتل نظام بشار الاسد وكأن اميركا من جهة تعلن انها متفقة مع روسيا ومن جهة أخرى تمارس سياسة مختلفة على الأرض هي سياسة دعم المنظمات التكفيرية والإرهابية التي تقاتل الرئيس بشار الأسد.
في مؤتمر فيينا حصل الخلاف الحقيقي السعودي - الإيراني. المندوب السعودي قال ان ايران تحتل العراق وتحتل سوريا ولها نفوذ كبير في لبنان وتسيطر عليه بواسطة حزب الله، فرد المندوب الإيراني بان ايران تدعم الدول التي تقف في وجه إسرائيل واذا كانت السعودية تريد التطبيع مع إسرائيل وتدعم الدول التي اقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل فهذه ليست مشكلة ايران، ثم ان ايران تؤدي دورا عاديا في العراق كذلك بالنسبة للنظام السوري هي قادرة على ارسال 200 الف جندي عبر العراق الى سوريا من الباسيج أي الحرس الثوري وذلك لضرب كل العناصر التكفيرية والارهابية ومع ذلك لم تفعل ايران وتركت الامر لروسيا كي تتحرك وفق رسالة جاءت من الرئيس بشار الأسد الى القيادة الروسية يطلب فيها التدخل لان النظام على شفير الانهيار .
وعندما رأت روسيا ان سوريا على حافة الانهيار تدخلت عسكريا بقوات برية وبين روسيا وسوريا تاريخ قديم من التعاون العسكري والدفاعي والاستراتيجي ولذلك قال المندوب الإيراني نحن لا نتدخل بقوة الدول العربية، بل تريد السعودية بالبترو دولار ان تشتري الدول العربية وان تسيطر عليها وهي ضالعة في المخطط الصهيوني الاميركي - الاسرائيلي، وهنا انتفض وزير خارجية السعودية وقال له : «لا اسمح لك ان تتهم السعودية بالدخول في المخطط الصهيوني». فأجابه المندوب الإيراني : «انا لا أتكلم ولا اطلب اذنا منك تقول لي لا اسمح لك من طلب الاذن منك لكي أقول ما أقوله أقول انكم في المخطط الصهيوني تضربون كل القوى العربية التي تقف في وجه إسرائيل انما ايران قد ضحت ودعمت المقاومة في جنوب لبنان ودعمت حماس ودعمت العراق فقي وحدته وقدمت له الأسلحة واعادت بناء جيشه وأعادت العراق دولة قوية بما كان متاحاً بسبب الحرب الأميركية عليه، المهم ان الخلاف الإيراني - السعودي سيطر على مؤتمر فيينا وان قضية ترحيل الأسد كانت الجزء الاساسي من المشكلة فقد طرح كيري ان يبقى الأسد 6 اشهر ثم يرحل فردت روسيا قائلة انها ترفض هذا المبدأ وأيدتها ايران في الموقف وقالت نحن لا نقبل ذهاب الرئيس بشار الأسد، موقف روسيا وايران الداعم للرئيس بشار الاسد عطل الاجتماع لناحية التركيز الأوروبي على رحيل الرئيس بشار الأسد وايدت الدول الأوروبية موقفه لكن روسيا عادت وأكدت ان الانحاد الروسي لا يقبل بأي شكل من الاشكال ذهاب الرئيس بشار الأسد الا بانتخابات رئاسية حقيقية، والشعب السوري يقرر، عندئذ طرحت اميركا ان ينتخب الشعب السوري الذي هو في المهجر وخارج سوريا في الانتخابات الرئاسية، وقد تتغير النتائج لان الذين هم خارج سوريا هم ضد الرئيس بشار الأسد وان تجري انتخابات في سوريا تحت رقابة دولية تشرف عليها الأمم المتحدة كي يتأكدوا من النتائج.
على هذا الأساس، توقف النقاش الأميركي - الروسي دون توافق على مصير الرئيس بشار الأسد، اما الرئيس الأسد فكان يتابع ما يجري في فيينا من خلال دول صديقة وهو يقول انا لن اترك قصر الشعب حتى لو بقيت وحدي اقاتل برشاشي ومهما حصل ومهما طلبت الدول وغيرها، لكن الغائب الأساسي عن مؤتمر فيينا الذي يجري بحث وضعه هو الرجل المريض أي سوريا فسوريا اليوم هي الرجل المريض وكان يجب ان تحضر المؤتمر وان يحضر الوزير وليد المعلم ويبدي رأيه لكن السعودية رفضت حضور مؤتمر فيينا اذا حضرت سوريا، ونتيجة الفيتو السعودي وكي تحضر السعودية طلبت موسكو من سوريا ان توافق على عدم الحضور الى المؤتمر، واتصل الرئيس بوتين شخصيا بالرئيس بشار الأسد ليبلغه طلب موسكو عدم حضور سوريا مؤتمر فيينا فوافق الرئيس بشار الأسد مرغما من اجل مسايرة رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين.
بنتيجة الامر الواقع انتهى مؤتمر فيينا الى خلاف حول مصير الأسد وتأجل الاجتماع 10 أيام ليحصل اجتماع مقبل يتم فيه البحث لكن الخلاف الأساسي سيبقى موجودا، روسيا وايران لا تقبلان رحيل الرئيس بشار الأسد انما اميركا والسعودية وقطر ودول أوروبا الغربية تريد ترحيله، والرئيس بشار الأسد لا يقبل أن يرحل حتى لو قاتل وحده في قصر الشعب، والى المؤتمر المقبل ومعرفة ما سيحصل، ننتظر النتائج.
عن الديار