النظرية آداة تحليل لتفسير الواقع والتنبؤ بالمستقبل، وقد تعددت النظريات التي تحاول تفسير واقع العلاقات الدولية ما بين الواقعية والليبرالية والماركسية والنقدية وغيرها من النظريات. كما رفض بعض المفكرين مثل ناعوم تشومسكي لوجود نظرية في العلاقات الدولية باعتبار أن في العلاقات الدولية ظروف تاريخية شديدة الاختلاف والتعقيد يصعب تطبيق النظريات عليها بشكل نمطي.
يرجع تعدد نظريات العلاقات الدولية إلى الاختلاف حول ما يجب أن يدرسه هذا العلم الجديد الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى وبعد انفصاله عن الدراسات الإنسانية الأخرى مثل التاريخ والقانون والفلسفة والاقتصاد والسياسة. فقد ذهب البعض إلى أن العلاقات الدولية يجب أن تدرس العلاقات بين الدول وصراعها من أجل القوة والأمن، أو دراسة الروابط الاقتصادية المتنامية العابرة للقوميات والاعتماد الدولي المتبادل والمتزايد، أو نظام التبعية والسيطرة العالمي، أو العولمة.
ويقسم بعض المنظرين نظريات العلاقات الدولية إلى نظريات مفسرة ونظريات منشأة. حيث تسعى النظريات المفسرة إلى فهم السياسات الدولية عن طريق فهم الفاعلين والعمليات والمواقف. بينما ترى النظريات المنشأة أن تحليل الأشكال المختلفة للنظر إلى العلاقات الدولية لا تعكس العالم كالمرآة ولكن تساعد في تشكيل هذا العالم.
النظرية الليبرالية
يمكن اعتبار النظرية الليبرالية من النظريات المنشأة التي لا تكتفي بتفسير والعمل على فهم واقع العلاقات الدولية فحسب ولكنها تعمل أيضا على تشكيل واقع دولي جديد أكثر سلماً واقل حروباً. فالنظرية الليبرالية كما أنها تنطلق من منظور يحمل القيم الليبرالية العقلانية والفردانية والمبادئ الدستوري والديمقراطية والقيود على سلطة الدولة، فإنها ترى أيضا أن هذه القيم إذا انتشرت داخل الدول فستصبح قادرة على إنشاء وضع دولي جديد يسوده السلام، كما أن رأسمالية السوق تشجع على رفاهية الجميع من خلال توزيع أكفئ للموارد النادرة. وهو ما يُعبر عنه بمقولة “الديمقراطيات لا تتحارب”. أي أن عن طريق الديمقراطية والتجارة الحرة يمكن تحقيق السلام العالمي والقضاء على الحروب.
الديمقراطية
فوفقاً للنظرية الليبرالية، يتميز قرار الحرب في الديمقراطيات بالصعوبة الشديدة حيث ينبغى أن يمر بعدة مراحل عبر مؤسسات الدولة وينبغى كذلك أن يحظى بقبول الرأي العام ودعم المواطنين، وذلك على عكس الوضع في الديكتاتوريات حيث يخضع قرار الحرب لرغبة ومصالح الطاغية ومن يحيطون به، ولذلك قد تذهب الدولة الديكتاتورية إلى الحرب لأي سبب غير موضوعي وفي كثير من الأحيان تكون الحرب لمعالجة أزمة الشرعية التي يعاني منها نظام الحكم. فالنظرية الليبرالية تنطلق من الداخل إلى الخارج أي أن تغيير الواقع الدولي ينبغي أن يبدأ من تغيير نظم الحكم الداخلية لتكون أكثر ديمقراطية وليبرالية. فتحقيق السلام ليس شيء مستحيل كما ترى النظرية الواقعية التي تجعل الصراع والحرب هو أساس العلاقات الدولية، بل أن السلام هو أساس العلاقات دولية وذلك على عكس النظرية الواقعية التي ترى في السلام وضع استثنائي بين الحروب.
كذلك وفقاً لهذه النظرية يؤدي انتشار قيم الليبرالية إلى نفور عام من الحرب، فمع تغير الثقافة وانتشار ثقافة التسامح وقبول الأخر والتعايش وحقوق الإنسان يصبح هناك رفض شعبي للحرب باعتبارها لا أخلاقية وسلوك همجي، كما حدث من تغير في القيم العالمية أدى في النهاية إلى رفض العبودية ومن ثم إلغاءها. فيمكن القضاء على ظاهرة الحرب كما تم القضاء على ظاهرة العبودية.
التجارة الحرة
وفقاً لأصحاب هذه النظرية فان روح التجارة الحرة وروح الحرب لا يتفقان. فحركة التجارة تقتضي وجود طرق آمنة تنتقل عبرها هذه التجارة. كما أن التجارة الحرة تعمل على توسيع الاتصالات وترفع مستوى التفاهم بين شعوب العالم وتشجع الصداقة والتفاهم الدولي.
كما أن التجارة الحرة التي تقوم على مفهوم الميزة النسبية، حيث تتخصص كل دولة في إنتاج وتصدير السلع والخدمات التي تتمتع فيها بميزة نسبية مقارنة بالدول الأخرى وتقوم باستيراد السلع والخدمات التي لا تتمتع فيها بالميزة النسبية، يؤدي إلى خلق نوع من الاعتماد المتبادل بين الدول وتشابك للمصالح يجعل من تكلفة الحرب الاقتصادية شديدة الارتفاع مما يكبح جماح الدول عن خوض الحروب ويجعلها أكثر رغبة في الحوار وحل المشكلات بالطرق الدبلوماسية والتفاهم المشترك للوصول لحلول يربح فيها جميع الأطراف.
فالنظرية الليبرالية ببساطة تسعى لتأسيس علاقات دولية بين الدول تقوم على السلام العالمي وليس الحرب، وذلك عن طريق نشر الديمقراطية وقيم الليبرالية في الداخل والتوسع في التجارة الحرة بين الدول في الخارج، فتعمل قيم الليبرالية والسوق الحر على زيادة التفاهم والتواصل بين شعوب العالم ما يحقق السلام والأمن والمنفعة للجميع.