قرأت للأستاذ الدكتور الجليل / محمود خيال أستاذى وقُدوتى بالحياة
مقاله بعنوان ” وصايا خاصة بالنساء فى خطبة الوداع “..
للوهلة الأولى توقفت أمام العنوان لعدة أسباب:
السبب الأول: هو أننا لم يسبق لنا التدقيق فى هذة الخطبة مطلقاً
السبب الثانى: عندما تذكر هذة الخطبة يُذكر فقط جزء منها فى صلاة الجمعة من كل أسبوع ولم يقع على مَسَامِعنا باقى النص أو بمعنى أدق لن نلتفت إليه من حيث التفسير والتحليل…
السبب الثالث: الخطبة كلماتها العربية غير مفهومة ونحن كالعادة نقرأ أو نحفظ بدون بحث وتنقيب وفهم للمعانى مثلها مثل أغلب كلمات القراّن
الأستاذ الدكتور / محمود خيال لم يتحدث نهائياً فى المقاله برأي شخصي وإنما فقط وضع أمامنا بكل أمانة ووضوح الخطبة بمعانيها المحتملة وتفاسيرها فى اللغة العربية وهذا مجهود رائع يَنُم عن حِس أَدبى هائل يستحق الثَناء والتقدير كعادة دكتور خيال..
فسر لنا كل كلمة وكل معنى نَصَت عليه الخُطبة باللغة العربية وترك لنا حرية التعقل لكل كلمة.. وحرية الرأي المُطلَق..
دعونا نبدأ ونُبحر بين سُطور ” نَص ” خُطبة الوداع…!
” حجة الوداع ” هو الإسم الذى أطلق على أخر حجة قام بها الرسول عليه السلام قبل ان يتوفاه الله…
وتذكر لنا كتب التاريخ والسيرة النبوية نص الخطبة التى ألقاها الرسول فى تلك الحجة… ولعل من أكثر ما يبرزه الكُتاب المُحدثون من هذه الخطبة، المقولة الشهيرة: ” وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا ابداً.. ولكن بالعودة الى النص الكامل للخطبة نجدها ذاخرة بالنصائح الغالية فى عدة مجالات ولعل من ابرزها فيما نحن بصدده، ذلك الجزء المتعلق بمعاملة الرجال لنسائهم..
خاصة وإن مفاهيم وابعاد العلاقة بين المرأة والرجل قد شابها الكثير من الخلط وعدم الوضوح فى المجتمعات الحديثة..
وتجدر الإشارة الى أن النص الذى نحن بصدده منقول بالكامل كما ورد فى احد أشهر واوثق المراجع فى هذا المجال وهو كتاب ” السيرة النبوية لإبن هشام ” ويؤخذ فى الإعتبار أن المؤلف – ابن هشام – قد توفى فى مصر فى عام 213 هجرية، أى أنه قام بالتسجيل وكتابة ما ورد إليه من أخبار ظلت فى صدور الناس ومتداولة على ألسنتهم على مدى حوالى مائتى عام، وهو ما لا يقلل، بل يزيد من قيمة ما قام به من جهد وعمل…
يقول النص:…
” أما بعد: أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقاً، ولَهُن عَليكُم حَقاً، لَكُم عليهِن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهِن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عَوان ( أى أسري) لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما أخذتموهن لأنفسهن شيئاً وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، وأستحللتم فروجهن بكلمات اللة..”
ونظراً للأهمية البالغة للكلام المنسوب للرسول، حيث منه تستمد السنة احد اهم مقوماتها، فلابد من بذل كل الجهد للفهم الصحيح المقصود من الخُطبة ولابد..
بداية من فهم معانى الألفاظ بكل دقة، خاصة وأن الكثير من الكلمات المستعملة يحمل أكثر من معني وكذا ينبغي التنويه إلى أهمية الربط بين المعاني المُستفادة والمناخ الإجتماعي العام الذي كان سائداً فى ذلك الأوان تلك البقعة الجغرافية من العالم، مع أخذ نمط العلاقات المتعددة بين الرجل والمرأة فى عين الإعتبار..
غَنى عن التوضيح ان الخطاب كان خطابا ذُكوريا أي انه كان موجهاً الى الرجال فى المقام الأول وذلك رغم استعمال كلمة ” أيها الناس ” فى البداية، إلا انه يليها مباشرة المخاطبة الصريحة للرجال بقوله: ” لكم علي نسائكم حقاً ولهن عليكم حقاً “
فاما مخاطبة الحاضرين باستعمال لفظ ” الناس” فإنه يحمل فى طياته معانٍ كثيرة، منها مثلا أن الخطاب كان موجها إلى البشر جميعاً – على اختلاف الوانهم وحضاراتهم ومعتقداتهم – وذلك من خلال المجموعة الصغيرة نسبياً والتى شرفت بحضور هذة الخطبة، الإحتمال الأخر أن الحديث كان موجها إليهم كَمُمَثلين للمُجتمع المَحَلى بالمدينة ومكة نظرا لمعرفة الرسول بهم ودرايته بأسلوب حياتهم ونمط تفكيرهم، ثم هناك الإحتمال الضعيف من أنه كان يتحدث إلى الحاضرين فقط دون الألتفات إلى الغائبين عن الخطبة سواء كانوا من سكان وسط الجزيرة العربية أو غيرهم من سكان الأرض..
وفى جميع الأحوال ونظراً لإحتمال وجود بعض الأفراد من غير المسلمين والمؤمنين ضمن مجموعة الحاضرين، فيكون الكلام فى هذه الأمور وغيرها كثير مما سيأتى ذكره تستدعي التأمل والتفكير لكل من شاء صحة الفهم وصحة الأقتناع
يستطرد الخطاب ليوضح أولا حقوق الرجال ” فهذا لا يتضح مباشرة من الخطاب، فقد تعنى النساء الذين يحق ويجوز للرجل ممارسة العملية الجنسية معهم مثل الزوجة ( أو الجارية ) وملك اليمين.. هذا مع ملاحظة ان بعض الأراء تذهب إلى مفهوم اشمل وأعم بحيث تضم كل الإناث البالغات بما فيهم ( الأم والإبنة إلخ )
الواقعات بدرجة او أخرى تحت حكم الرجل وسيطرته ومسؤليته..
ويوضح الخطاب ان على ” النساء” ان ” لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ”
وهنا يحتاج الأمر وقفة تأمل وتفكير..! تأتى أولاً كلمة الوطء، وهى شائعة فى اللغة العربية بأكثر من معنى، فمنها معنى الإرتكاز والدهس والضغط خاصة بالقدم أثناء السير مثل ما جاء فى البيت المشهور لإبى العلاء المعري:
” خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد “
والمعنى الشائع الثانى هو وطء النساء بمعنى قيام الرجل بفعل الممارسة الجنسية الكاملة مع إحدى النساء.. واللفظ قاصر على الممارسات الذكورية، فلا يجوز استعماله للتعبير عن تصرفات المرأة الجنسية مع الرجل.. المرأة فى ايران
وأما اللفظ الأخر المستعمل فهو ” فرشكم ” وقد أختلفت الأراء فى معنى الفرش، فالبعض يفسرها بمعنى السرير أو المكان المخصص والمجهز للنوم فى حين يذهب البعض الأخر إلى أن معناها ” أثاث البيت ” وخاصة ما يستعمل منه للجلوس مثل الحصيرة أو الكرسي أو ” كنبة ” أو بعض الوسائد التى تلقى على الأرض للجلوس أو النوم عليها…
يترتب على ذلك إثارة العديد من التساؤلات الهامة وكم غير بسيط من الإحتمالات ومُكمَن الخطورة هنا يتضح من تباين التفاسير واختلافها، فإذا كان المقصود بالفرش هو السرير فيكون المعنى على شئ من الغرابه، خاصة وأنه متلازم مع كلمة الوطء ( الممارسة الجنسية ) وعلية يصبح المفهوم العام أن من حق الرجال نهي المرأة المقصودة عن ممارسة الجنس الكامل مع من لا يرتضيه الرجل ولا يرغب فيه… وبالإسقاط المباشر فيكون من حق النساء ممارسة الجنس مع أى من الرجال الذين يرتضيهم رجالهن ( أزواجهن )..!!!
ورغم ما فى هذا المعنى من حُجة لُغوية، إلا أن الثقافة السائدة بوجه عام ترفض الأخذ بِه..
المعنى الأخر يتلخص فى أن على النساء مُراعاة عدم اتاحة أيا كان مما يستعملونه فى البيت من فرش سيان ما إذا كان مخصصا للجلوس أو النوم، لمن يكرهه الرجل من رجال أخرين ( مع إغفال ذكر من يكرهه الرجال من نساء أُخريات )
وبمعنى أخر أنه لا يجوز للنساء استضافة الذكور الذين لا يرغب الرجل فى زيارتهم!
جدير بالذكر، أنه لا يجوز الفصل بين مضمون مفهوم الألفاظ وبين الفترة الزمنية والعصر الذى استعملت فيه… ونمط الثقافة السائدة أنذاك ( من أكثر من ألف وأربعة مائة عام )، مع مراعاة اختلاف توصيف وتصنيف مجتمع المدينة ومكة ونظرته إلى شتى أشكال الممارسات الجنسية حيث يلاحظ أن المجتمع كان على درجة عالية نسبيا من الأنفتاح والحرية.. وعلى ذلك يكون لكلا المفهومين السابقين ما يساندهما بدرجة ما أو أخرى…
وعلى أيه حال فمع متابعة سياق الجملة نجد ” وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة..”
والفَاحِشة والفَحش والفَحشَاء بصفة عامة هو القول أو الفعل المكروه والغير مقبول أخلاقياً أو أدبياً حسب النمط الأخلاقي السائد فى مجتمع ما وفى عصر معين.
ونجد أن كلمة الفَحش..ومشتقاتها قد اُستُعمِلت فى ذلك الحين للتعبير عن شريحة عريضة من الأقوال والأفعال والتى يكفى للدلالة على إتساعها أن ينظر الإنسان إلى ردود الأفعال إزاء اقترافها، فقد تراوحت ردود الفعل ما بين مجرد التجاهل والأستنكار الى أشكال متفاوته من الردود الكلامية وعلى استعمال الضرب والعنف البدنى احيانا، وإلى القتل أحياناً أخرى…!
فالكلمة إذا فِضفَاضة المَعنى، هُلامية المَضموُن، ولكل مستمع أو قارئ أن يتصور ما يشاء مما قد يندرج تحت هذا اللفظ، خَاصة وأن المَسألة مَسألة نسبية إلى أبعد الحُدود……، فالكَذِب مَثلاً يُعتبر فَاحِشة على وجه العُموم، ولكنه قد يسمح به بل يكون مرغوباً فيه إجتماعياً وسياسياً خاصة إذا أرتبط بإصلاح الكيان الأسرى أو الإجتماعى..ولا يعتبر من الفواحش فى تلك الحالات…
أما كلمة ” مُبَيَنَة ” فتحمل معنى الوضوح الشديد وقوة الفعل…
وقد أرتبط أستعمال تعبير الـ فَاحِشة المُبينة فى أكثر المَوَاقف بالفِعل الجِنسي الغير سوي ( أى مُمَارَسة الجنس مع رَجُل غَير مُتزوج )…
خاصة إذا تعلق الأمر بتصرفات المرأة….!
فهل المقصود من النص الذى نحن بِصَدَده، أن دخول رجل غير مرغوب فيه من قبل الـ رجل ( الـــ زوج ) إلى المنزل يعتبر ” فَاحِشة مُبَيَنَة ” ؟؟؟!
قد يتبادر إلى الذِهن للوَهلة الأولى أن هذا التصور صحيح على اطلاقه، ولكن..
مع شئ من التروي يتضح احتمال خطأ المعنى المقصود، فإذا افترضنا على سبيل المثال أن والد الزوجة أو أخوها على علاقة غير طيبة مع الرجل فيجوز أعتبار دخولهما البيت تصرفاً غير لائق نسبياً مما قد يستوجب تنبيه الزوجة ولفت نظرها ولكن يصعب أعتبار هذا التصرف مطابقاً لمفهوم الـــ ” فَاحِشة مُبَيَنَة “…!!
أما إذا كان هذا هو المقصود فِعلاً، فإنه يتمشى مع العقوبة المنصوص عليها فى باقى النص من هجر فى المضاجع ( غير مُحدد المُدة ) والضرب الهين وهى عقوبة أبعد ما تكون عن عقوبة الزنا والممارسة الجنسية الغير مشروعة، حيث يستطرد النص هكذا ” فَإِن فَعَلنَ، فإن الله قد أذِنَ لَكُم اَن تَهجُروهُنَ فِى المَضَاجِع و تَضرِبوهُنَ ضَرباً غَير مُبرِح…””
العقاب المنصوص عليه والمأذون به من الله هو الهجر الجنسي والضرب الخفيف مما يشير إشارة قوية إلى أن معنى ومفهوم الـ فاحشة المبينة كما استعملت فى هذا المكان لم يكن بالشدة المتبادرة إلى الذهن بما تحتمله من معنى الممارسة الجنسية الغير مشروعة…
الأحتمال الأخر هو أن يكون القصد الترفق بالنساء والزوجات حتى فى حالة ممارستهن الجنس مع طرف أخر غير مرغوب فيه، وقد يدعم هذا الإتجاه ما كان معروفا عن تلك الأيام من منظور اجتماعي إلى مثل تلك الممارسات.
والأن… إليكم نص خطبة الرسول فى حجة الوداع:
قال ابن اسحاق: ثم مضى رسول الله “صلعم ” فأرى الناس مناسكم وأعلمهم سنن حججهم، وخطب الناس خطبته التى بين فيها ما بين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، أسمعوا قولي، فأنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبداً، أيها الناس إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كان عنده أمانه فليؤدها إلى من أئتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله، وإن كل دم كان فى الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعه بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً فى بنى ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية أما بعد: أيها الناس، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذة أبداً، ولكنه أن يطمع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم، فأحذروه على دينكم، أيها الناس إن النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئون عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله.. وإن الزمان قد أستدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان، أما بعد: أيها الناس.. فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع، أو تضربوهن ضرباً غير مبرح,,
فإن أنتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وأستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئاً وأنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، وأستحللتم فروجهن بكلمات الله فأعقلوا أيها الناس قولى، فإنى قد بلغت وقد تركت فيكم ما إن أعتصمتم به فلن تضلوا أبداً..، أمر بيناً كتاب الله وسنة نبيه، أيها الناس أسمعوا قولى أعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمون أخوة، فلا يحل لأمرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم، واللهم هل بلغت؟
فذكر لى الناس قالوا: اللهم نعم…فقال الرسول (ص): اللهم أشهد…
المرجع: كتاب السيرة النبوية لـ إبن هشام، دار المنار بالقاهرة 1993 م، المجلد الثانى، صفحة 438… ( تمت )
وتعليقى البسيط يتلخص فى نقطتين…
الأولى: هل يُعقل هذا الكلام الخاص بالنساء خاصة بعد تفسيرة التى لا يعرف عنه شئ.. ؟؟!
الثانية: لقد ذَكر حُقوق الرِجال على النساء.. أين إذاً حُقوق النِساء على الرجال!؟
ليس لدى تعليق أخر.. فقط أَترُك لَكُم التَحليِل والتَأمُل والتَعليِق والإنطِبَاع عن مَا وُضِع بَين أيديكم اليَوم بَنَصِهِ وَمُفرداتِه…!
أَشكُـــــــــــــــــر مُتـــــــــــَابَعَتِكُم!