نؤمن بل نعتقد: إن هناك ثمة إرتباط بين اللليبرالية الديمقراطية وبين القيم السماوية، وهذا الإرتباط تؤسسه قيم فلسفية وعلاقة موضوعية وجدلية تربط بينهما، هذه العلاقة الطبيعية والفلسفية تظهر كما في المعنى الذي تنشده الليبرالية الديمقراطية للحياة، وكذا في المعنى الذي نعرفه عنها وفي سعيها لجعل الإنسان وفكره في حالة تطور دائم ومستمر، وقولنا هذا منظور إليه من وجهة نظر معرفية خالصة، وهو نفسه المعنى الذي سنلتقي به وبذلك المذهب القائل عن رحلة الفكر نحو الرقي والكمال، طبعاً هذا إن قلنا إن هناك ثمة كمال في الكون،
ولهذا لم يكن صدفة أن نعنون لمقالنا هذا تحت بند تلك الجدلية التي توحي لنا دوماً بذلك الترابط الموضوعي بين الأثنين، فإذا كانت الكتب السماوية مثلاً تبشر أو تدفع بمعتنقيها للقبول بفكرة النعيم الأخروي، فإن الليبرالية الديمقراطية هي الأخرى تصر على ذلك النعيم للإنسان بصيغة البنى للمعلوم، وشرط ذلك مرتبط إن تمسك الإنسان بقيمها وقواعدها بالفعل، فإنه تبعاً لذلك سيحقق تلك الرغبة والسلامة والهدوء والثقة بالمستقبل في نهاية رحلته مع الحياة، ولا يجب أن يظن البعض فينا أو بإننا ننحو بالليبرالية الديمقراطية منحاً تكون فيه ديناً أو فكراً متماهياً أو مشتقاً من الدين، لكننا نريد أن نرد في الواقع تلك الدعوى يأتي ذلك من خلال تبيان الطبيعة الموضوعية لليبرالية الديمقراطية، وكذا من خلال إيماننا بماتوفره للإنسان حين تجعله حاكماً لإرادته مالكاً لحياته ومصيره ومستقبله، وهذا نابع من كون ماتطلبه وما تسعى له لا يتم من خلال اللاأدرية أو الطوباوية بل من خلال المعرفة العلمية القادرة على تحقيق التوازن بين الحاجات والواقع، والتحقيق ليس مجرد فكرة بل هو تسخير لقوى الطبيعة من خلال العلم حين تكون الأهداف واضحة، وبذلك تكون هي العامل الحاسم في تحقيق الرقي والتقدم المنشود الذي يحقق السعادة والخير العام، وربما يقول قائل: إن ذلك منكم طموح أو نظرة مثالية بعيدة المنال والتحقيق، ونقول: في طبعها لم تكن الليبرالية الديمقراطية مثالية في نزوعاتها وفي فهمها للحياة بصورها وأزمنتها الثلاث، لأنها تعمل في الواقع لتجسيد ماتؤمن به وتنادي إليه لتلبي من خلال ذلك العمل طموحات الإنسان وأمانيه وأحلامه في الحياة الحرة الكريمة، والسعي في هذا الطريق هو كمن ينشد النعيم للإنسان وإذا كان مستهل الكلام الذي بدأنا به حول هذه الضميمه، فإننا لا نكاد نبتعد عن ذلك المنحى الذي تصوره هيجل عن غاية التطور في الفكر الإنساني وإرتباط ذلك بالحرية، وبما إن الليبرالية الديمقراطية هي مركز ومحور الحرية بل منها جاء الإشتقاق اللغوي والمعنوي، لذلك تكون - الليبرالية الديمقراطية - هي الأقدر بوصفها نظام للحياة على تحقيق هذا القدر المطلوب من الحرية، وهذا عين ما عناه منتسيكيو في روح الشرائع حين ربط بين نزاهة القانون وقدرته حين يرتبط ذلك بحرية القائمين ونزاهتهم، يقول آدم سميث : إن التطور في حياة البشر لازمه الحرية، بل هو محكوم بها فهي القادرة بفضل طبيعتها لتحدد لحياة الإنسان مايرضي طموحه ونظره نحو المستقبل، أي هي القادرة على جعل الإنسان يحقق ما يطلبه وما يريده في حياته، ومن هنا كنا مُصرين على ذلك التلازم معتبرين بصيغة الحياة الدورية القائمة على الولادة والموت، وبين تلك اللحظتين تتفجر الاحداث ويستمر الزمن في دورته التي نلتقيها كل يوم .
إن الليبرالية الديمقراطية هي الصورة الأكمل للحياة وهي الروح الأمثل للقانون وللسياسة وللإقتصاد وللإجتماع وللثقافة، وهي المئآل الطبيعي المرتجى لكل المجتمعات في رحلة الكفاح والبحث عن التوازن والعيش الطبيعي، ومجتمعاتنا العربية والإسلامية أحوج ما تكون إلى الليبرالية الديمقراطية وهي تكد في سعيها طلباً للإستقرار والحياة السعيدة، وظني الغالب إنها ستنال ما ترجوا وإن طال السعي لكنها في نهاية المطاف ستبلغ هدفها المنشود هذا، وكلامي هذا لا يعبر عن إرتجال أو تمني بل هي الحقيقة التي تعضدها تجربة كل الدول التي تقدمت ونضجت بفعل - الليبرالية الديمقراطية - .
ان الليبرالية الديمقراطية هي عندنا وكما هي بالفعل صورة الحياة الممكن العيش فيها لأنها تلك الضرورة التي لاتنفك عن السعادة والعيش المحترم للإنسان ...