عندما يُذكر الاستبداد غالبا ما ينصرف ذهننا إلى الاستبداد السياسي، والحاكم الإله والحاكم المتحدث باسم الجماهير. ومن النادر أن يلتفت أحدنا إلى الاستبداد الأهم الذي يعيق أي تقدم أو تطور ويعيد أي أمه إلى عصور الظلام الإنساني.
يمثل الاستبداد الفكري أخطر أنواع الاستبداد من عدة نواحي. فعلى عكس الاستبداد السياسي الذي تمارسه جهة واحدة هي السلطة السياسية، يمارس الاستبداد الفكري ثلاث جهات على الأقل. فبالإضافة إلى السلطة السياسية التي تخاف من الفكر والمفكرين حتى لا يكونوا الشرارة التي تطلق الثورة ضدهم، يمارس رجال الدين اشد أنواع الاستبداد الفكري. فكما يخاف الحكام على عروشهم السياسية، يخاف رجال الدين على عروشهم الدينية التي تمنحهم سلطة معنوية على الأفراد تجعلهم يسيرون خلفهم مثل القطعان المستأنسة وما يترتب على ذلك من مصالح مادية واجتماعية وفي كثير من الأحيان سياسية، ولذلك يرفض رجال الدين أي أفكار جديدة تساهم في تطور المجتمع وعقلنته، تنشر المنهج العلمي في التفكير وتكون العقل النقدي الذي بالتأكيد سيصطدم مع مقولات رجال الدين الذين مازالوا ينهلون من ثقافة القرون الوسطي ولا يدركون أن الزمان قد تغير وأن مشكلات الحياة قد تعقدت وان ما كان صالحا من 10 قرون لن يصلح الآن.
كما يمارس المجتمع استبداد فكري كبير خاصة على الشباب الذي يكون بطبيعته متمردا، متطلعا إلى حياة أفضل، منفتحا على العالم وما يموج به من أفكار. ففي مجتمع تربى على الخوف من الطبيعي أن يصبح الخوف من التغيير أحد أركان هذا المجتمع، شعاره “اللى تعرفه أحسن من اللى متعرفهوش” وتجد كلام دائم عن الزمن الجميل وأن أمس أفضل من اليوم، واليوم أفضل من غدا، لتعبر عن رؤية ماضوية مدمرة. من الطبيعي أن يحارب مثل هذا المجتمع أي أفكار جديدة وأن يستشعر الخطر من أي تغيير، فيكون مصير المجتمع التخلف والمزيد من التخلف.
هذا هو الاستبداد الأخطر الذي يجب على كل مفكر ومثقف ومحب لهذا البلد أن يعمل على مقاومته بنشر كل ما هو جديد في عالم الأفكار، لتتصارع هذا الأفكار بدون عنف أو تكفير أو تخوين ويبقى في النهاية ما هو أصلح للإنسان وما هو أنفع للوطن، أما إذا ظللنا متمسكين بالأفكار الميتة فلن يكون مصيرنا إلا الموت.