هذه ثرثرة سأستعير اللفظ فيها من الراحل العظيم نجيب محفوظ ، وسأبيح لنفسي الكلام والقول عن اشياء وقضايا في معنى أخر ومكان اخر ، وساحة الكلام سيكون هناك في بلاد الرافدين تلك البلاد التي قيل إنها لم تشبع من الموت ، وهنا سأحيي بطريقتي شعب الرافدين وقد مارس قبل ايام فيها حقه الدستوري في - الإنتخابات – فأليه التحية من القلب وله الشكر صادقاً ، نعم في الإنتخابات العراقية كدأب شعوبنا العربية والإسلامية نخرج من طابع الجدية والإلتزام والمنهج لنتنافح ولنشهر أسلحتنا بوجه بعضا البعض وكلنا يرفع شعار حق ويريد به باطل .
في هذه المعمعه الإنتخابية كنت مراقباً بدرجة وشاهداً بدرجة - أسمع وأرى - خروقات مهزلة ذوي الشعارات الكبيرة والنافخين بالبوق على صدى التغيير من غير هدى ، وكنت أراقب رئيس الوزراء في ردات فعله على تلكم الهجمة الشعواء ، فرأيته حكيماً شجاعاً صابراً متجاوزاً على الخروقات الأخلاقية للخُطب الطنانه التي عبرت حدود المتعارف عليه من أدب المتخالفين في الديمقراطية ، ولقد كنت أقول لقريبين مني وإلى أصدقاء : إن خيراً للعراق أولاً أن يكافح الإرهاب بشجاعة ومن غير تردد ومن غير إلتواء ، وبنظرة حيادية غير منحازة لم أجد من بين وجوه القوم الذين شاهدتهم من به عزم وعزيمة وقوة وشكيمة أو ممن يُحسن التصرف ولا يميل كل الميل ، نعم رأيت في رئيس الوزراء الإرادة الوطنية على ذلك في كل أشكالها وتلاوينها ، ولذلك أنا أردد الكلام هنا على الملأ ومن جديد ، ومن بعد ان وضعت الإنتخابات أوزآرها وتبين لنا إرادة العراق وماذا يريدون في الكيف وفي النوع ، أقول لرئيس الوزراء : تمسك بمفهوم - الأغلبية السياسية - وأجعلها خيار المرحلة وشعارها وهدفها للتخلص من عفن المحاصصة البغيض ومن تنازع القيل والقال ، ودع في ذلك من لا يريد المشاركة مع الأغلبية لخانة المعارضة ، وهذا هو شأن الديمقراطيات في العالم المتمدن ، والأغلبية السياسية ليست بدعاً ولذلك نريد لها أن تكون قانوناً وسنة ونهج حياة ، ولنرفض من الآن المحاصصة الطائفية والطائفية السياسية ولنرفض الحشر القهري والجمع المتخالف والمتناقض والذي لا يؤدي إلى خير ، بل إلى تبعثر وتشتت وفقدان إتزان .
إنتخابات شعب الرافدين قد كشفت عن طبيعة وهوية المُراد ، في الأمن ورفض الطائفية وبناء الدولة دولة القانون - الدولة المدنية - التي يكون فيها الحق للعدل والحرية والسلام وللعيش الرغيد ، هذا مايريده الشعب وتلك هي فلسفة الإنتخابات وإرادتها في بناء وتأسيس الدولة المدنية الحرة التي تُباعد بين الدولة ورجال الدين المتخلفين ، في المرحلة المقبلة لا وجود لأنصاف الحلول ولا مكان فيها لمن لا يفصح عن أهدافه بشكل واضح جلي وبعيد عن الزوايا والأقبية المظلمة وكلام أهل النفاق .
لقد كان العراقيون جادين وهم يدلون بأصواتهم ، إنهم يستهدفون التغيير لا في الشكل بل في نمط السلوك السياسي والنظام السياسي ، وفي تغيير للوزراء ليكونوا عمليين لا يتحركون وفق ما تمليه عليهم طوائفهم بل ما تريده منهم الإرادة الوطنية و المصلحة الوطنية ، ولذلك نريد في كل خطوة في المستقبل أن تكون مختلفة ومغايرة لما سبق ، إن المهمة شاقة بكل تأكيد وتتطلب مزيداً من النزاهة والشرف وحسن النوايا والخوف من المسؤولية والخوف من المحاسبة ، ونحن نعرف أن ذلك يتطلب حسماً في التعاطي وسبق في إتخاذ القرارات والخطوات ، كما نعرف أن الثقة قد فقدت في البعض ممن كانوا في الواجهة ، ولذلك يريد الشعب التغيير ويريد ان يرى تضحياته ودماءه قد وجدت من يقدرها ، يريد الشعب تعليماً وطنياً نزيهاً يستمد روحه من عمق ومن قيم وقوة الأمة العراقية ومن حاجاتها وتطلعها لمستقبل مشرق ومتجدد ، كما يريد لجيشه وقواه الأمنية أن تكون مُبادرة تلاحق وتقتلع كل ما يُعكر صفو الحياة والأمل والمستقبل ، ويريد الشعب أن تتجدد ثقافته وتتطور ويسمح فيها للمبدعين برفد الحياة بما ينفع الناس ، لُيعزز فيهم روح العمل والمشاركة والبناء وعدم التخريب ، ويريد الشعب أن تكون الثقافة وسيلة لتنشيط القيم الأخلاقية قيم البناء والأعمار والمشاركة .
صحيح ان الطائفية قد باعدت بين شرائح الشعب وقسمته وجزئته وجعلته في وطنه غريباً مما أضعف فيه روحه الوطنية و مساهمته في العمل الوطني ، ولهذا يريد الشعب القضاء على قوى الإرهاب من غير مساومة أو تردد ، يريد الشعب أن يرى قيم العدل و الحرية والسلام سائدة وحاكمة في كل زاوية من زوايا حياته وعمله ، فهذه القيم هي غاية الإنتخابات ومقصودها الأول وضرورتها لهم كضرورة الأكل والشرب ، إن الشعب يريد تغيير في مسار وخطاب التربية السياسية ، لتكون الداعم له في تأصيل قيمه الإجتماعية والروحية تنمو معه وتكبر في ظل الدعم والتوجيه والإرشاد من قبل المسؤولين ، وقضية الوطن لا يجب ان تخضع للهياج ولا للتهريج ولا للمناكفة ، فالفرق بين الطاعة مع الإيمان والحب هي غير الإستسلام والإنقياد والخنوع ، وكل هذا لا بد ان تؤوسسه التربية الوطنية والعمل الصالح لتجعل من كل فرد من أفراد المجتمع راعياً ومسؤولاً عن رعيته ، ولانريد التعميم ولذلك نقول : إن بعض الشركاء السياسين قد أنحرف بعضهم وقد ضعف بعضهم وقلت عزيمت البعض ، وصار هم البعض البحث عن الوظائف و المناصب ، وكل هذا كان نتيجة لخطأ في تفكيرهم وقصر في نظرهم ، ومن يكون كذلك حاله فلايصلح ان يكون مع التغيير الغاية والوسيلة .