وهو النظام الذي يهدف إلي إظهار الحقيقة وإحقاق الحق ونشر العدل ودحر الظلم وإشاعة الإنصاف، وفي كل ذلك ارتباط وثيق الصلة بمنظومة حقوق الانسان بمعناها الواسع. خلفية تاريخية: إن الحديث عن (النظام القانوني في العراق) يجرّنا حتماً إلي إستعراض الميزة الفريدة لبلاد مابين النهرين ميزة الإرث الحضاري الغزير، والسبق التاريخي المشهود، لهذه البلاد التي كانت مهبط الأنبياء، إذ هي المكان الذي حط فيه أبو البشر (آدم)، وولد أبو الأنبياء إبراهيم في جنوبها، وعاش وبعث فيها أنبياء كثيرون مازالت قبورهم موزعة في مختلف مناطق العراق. وهذه البلاد شهدت إبتكار الكتابة لأول مرة في التاريخ، وولادة أولي الشرائع القانونية في العالم مثل شرائع أورنمو (2365-2357ق م) وقانون لبت عشتار (1934-1923 ق م) وقانون أشنونا، وأخيراً قانون حمورابي (الذي حكم بابل مابين 1792 - 1750 ق. م). فحمورابي تمكن من توحيد البلاد من دويلات منقسمة تتنازع السلطة. التطور الدستوري في العراق- الدساتير العراقية: المعروف أن الدستور بقواعده القانونية ينشئ المؤسسات ويحدد الاختصاصات وبوجه عام يقيم النظام السياسي في الدولة , ومن المعلوم أن النظام القانوني في الدولة يتكون من مجموعة من القواعد القانونية تندرج حسب مكانة الجهة التي أصدرتها وحسب طبيعة الإجراءات والأشكال التي صدرت بها , وحيث أن الدستور هو الذي ينشئ النظام القانوني فأن قواعده تحتل المكانة العليا في هذا النظام ولا يجوز مخالفة هذه القواعد سواء أكان ذلك بعمل قانوني أو عمل مادي , وتتدرج القواعد القانونية حيث تأتي القوانين العادية بالمرتبة بعد الدستور وتليها القرارات التنظيمية (اللوائح)، ثم القرارات الإدارية الفردية إلي المنشورات والتعليمات التي تصورها الوحدات الإدارية الصغري. وهذه المكانة لقواعد الدستور هو ما اصطلح عليه الفقهاء (بالسمو)، وقد يكون هذا السمو شكليا او موضوعيا فالسمو الشكلي تتمتع به كافة القواعد التي اشتمل عليها الدستور. أما السمو الموضوعي فيأتي من كون القاعدة القانونية ذات طابع دستوري أي من كونها تتناول موضوع الحكم في الدولة. ولما كانت القواعد الدستورية تتمتع بميزة السمو هذه فأن ذلك لا يعني عدم إمكانية تعديلها. فليس هناك دستور يبقي جامدا دون تعديل إلي ما لا نهاية، ألا أن التعديل يلزم أن يكون وضعه وفق الأصول الدستورية التي ينص عليها الدستور نفسه , وذلك في الأحوال والظروف العادية، أما في الظروف غير العادية كحالة الكوارث والانقلابات فالوضع مختلف حيث سنكون أمام وضع سياسي جديد يترتب عليه دستور جديد حسب توجيهات وأفكار الجهة التي أحدثت التغيير. بعد المناداة بفيصل الأول ملكا علي العراق، كان الهاجس الأول للعراقيين بناء عراق ديمقراطي موحد يجمع العراقيين علي قلب واحد، في ظرف صعب جدا، يتمثل في كون العراق بلد عشائري والحل يكمن في وضع دستور يستوعب هذا التعدد والتنوع، ويجعل من العراقيين نسيجا متماسكا, ولقد مرَّ (مبدأ الفصل بين السلطات) عبر الدساتير العراقية بمراحل زمنية منذ الإحتلال البريطاني بعدة مراحل ومحطات بارزة نجملها في الآتي: 1- دستور عام 1925: ارسي هذا الدستور نظاما ملكيا ديمقراطيا وراثيا، علي غرار النظام الأنكليزي، وأسس نظاما برلمانيا قائما علي التوازن بين السلطتين التشريعية والتفيذية يكون رئيس البلاد فيه مصوناً غير مسؤول يسود ولا يحكم إلا بواسطة وزراءه ومجلسين أحدهما للنواب يأتي بطريق الأقتراع العام المباشر. وآخر للأعيان يأتي بطريقة التعيين، يكونان سوية مايطلق عليه (مجلس الأمة) الذي يتولي السلطة التشريعية بوضع القوانين وتقديمها وإلغائها.(مادة 18)، كما ان رئاسة الوزارة مسؤولة عن إدارة الشؤون التي تقوم بها وزاراتها ويمكن للمجلس أن يطرح الثقة بالوزارة بأكملها أو بأحد أعضائها فإذا لم تحصل ثقة المجلس كان عليها أن تستقيل أو يستقيل الوزير وفي مقابل ذلك تملك الوزارة بمجموعها سلطة حل المجلس إذا إستفحل الخلاف بين الوزارة والمجلس (مواد65و66)، وفي التطبيق كانت كفة الميزان دوما لصالح الوزارة دائما ولم تظهر في الحياة النيابية في العراق كما أراد لها واضعو الدستور فلم ينشأ برلمان قوي بل أن البرلمان كان صدي لما تصرح به الحكومة. 2- دستور 27 تموز 1958: لم تنشأ في العراق حركة حزبية ذات قواعد جماهيرية علي الصعيد الرسمي أو الشعبي، فألأحزاب التي أنشئت إستمدت وجودها وقوتها من أشخاص مؤسسيها وليس من جماهير يمكن ان يتمخض عنها كتل برلمانية أو علي الأقل تستطيع أن تحرك الشارع السياسي أو تمتلك خطاباً سياسياً علي النحو المألوف في بلدان الغرب وأغلب من كانوا يصلون إلي عضوية مجلس النواب من رجال الأحزاب كانوا يصلون بأوصافهم الشخصية وتأثيرهم المجتمعي وليس بإنتمائهم الحزبي. دأبت الحكومة علي العمل إلي وصول الأشخاص إلي عضوية مجليس النواب عن طريقها ومن بين رجالها بأية وسيلة ممكنة (تزوير - تزكية) فأصبح المجلس يمرر القوانين والقرارات التي تريدها الحكومة. كان مجلس الأعيان، وهو أحد قطبي مجلس الأمة، يتشكل بطريقة التعيين وليس الإنتخاب وكانت الحكومة تتفرد بتعيين أعضائها من بين رجالها، فالحياة البرلمانية إذا كانت شكلية فكان من نتائج تلك الشكلية أن مبدأ الفصل بين السلطات حبرا علي ورق. جاء دستور 1958 بعد إنقلاب 14 تموز الذي أطاح بالنظام الملكي وبدستور 1925، وأقام بدلاً عنه نظاماً جمهورياً وشرع قانوناً أطلق عليه (الدستور المؤقت)، وبقدر تعلق الأمر بنشاط السلطات المختلفة فقد اناط الدستور كلا من العمليتين التشريعية والتنفيذية بمجلس الوزراء علي أن تخضع القوانين لتصديق (مجلس السيادة) رغم أن المادة 23 أشارت إلي أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في خدماتهم لغير القانون. وأهم مايلاحظ عليه غياب مبدأ الفصل بين السلطات حيث إجتمعت السلطتان التنفيذية والتشريعية في مجلس الوزراء، وأكثر من ذلك فإن الدستور عدَّ كل القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ومجلس السيادة لها قوة القانون بكل ماتعنيه هذه الكلمة. 3- دستور 4 نيسان 1963: علي أثر الحركة الإنقلابية 8 شباط أصدر الإنقلابيون ( قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة) حُصِرت فيه الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وبعضا من الإختصاصات القضائية بيد (المجلس الوطني لقيادة الثورة) فلا وجود يذكر لمبدأ الفصل بين السلطات، بالرغم من إشارته إلي (جماعية القيادة)، وبأنه نظام ديمقراطي أو له سمة من سماته. 4- قانون 22 نيسان 1963: أوكل هذا القانون مهمة سن القوانين إلي مجلس الوزراء (مادة وأن تعرض مشروعات القوانين علي المجلس الوطني لقيادة الثورة، للتصديق عليها من قبله ورئيس الجمهورية، وهذا يشير الي عدم وجود فصل بين السلطات. 5- دستور 29 نيسان 1964: شرع هذا الدستور في زمن الجمهورية الثانية (جمهورية عبدالسلام عارف) بعد إنقلاب 18 تشرين الثاني 1963، حاول فيه العودة بالبلاد إلي الأوضاع التي تحقق الأستقرار علي نحو يحفظ لرئيس الجمهورية قوته، ويرسي نظاما نيابيا وتضمن الدستور: رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة. سلطة تشريعية متمثلة في مجلس الأمة المنتخب, سلطة تنفيذية تتألف من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يعفيهم من منتاصبهم إذا تطلب الأمر، إلي جانب سلطة قضائية مستقلة لاسلطان لقضائها وحكمها عليهم إلا للقانون. يمكن القول أن هذا الدستور أرسي نظاما ما يقوم علي فصل بين السلطات علي نحو متوازن ومتعاون علي غرار النظام البرلماني التقليدي مع وجود صلاحيات لرئيس الجمهورية تجعل هذا النظام وسطا بين النظام الرئاسي المعتمد علي قوة رئيس الدولة وبين السلطة التشريعية التي تقرر أن تنفرد بعملية التشريع، لكن واقع الأمر أظهر لنا أن رئيس الجمهورية بقي محتفظا بقوته وإنفراده بالسلطة، ولم ير مجلس الأمة النور ولم تجر أية إنتخابات وبقي الأمر حتي سقوط النظام بإنقلاب 17 تموز 1968 الذي أتي بالبعثيين للحكم من جديد. 6- دستور أيلول 1968: صيغ هذا الدستور علي عجل بعد انقلاب 17 تموز 1968 الذي إنبثق عنه تشكيل (مجلس قيادة الثورة) الذي جمع في يديه السلطتين: التشريعية والتفيذية، مع الإعتراف بوجود سلطة قضائية مستقلة، وهكذا فإنه لم يكن أي وجود لمبدأ الفصل بين السلطات والديمقراطية التي أشار إليها الدستور المذكور، ولم يدم العمل بهذا الدستور طويلا فسرعان ماحل محله دستور 1970. 7- دستور تموز 1970 المؤقت: جاء الدستور في أعقاب إتفاق الحكم الذاتي للكرد، والإعتراف لهم بحقوقهم القومية، ورغم أن الدستور تضمن السعي لتحقيق حياة ديمقراطية نيابية تعيد السلطة الي يد الشعب، بإعتباره مصدر السلطات، لكن واقع الحال كان غير ماكتب في هذا الدستور إذ سرعان ماسخرت أجهزة الدولة ومؤسساتها ومواردها لخدمة شخص واحد وحزب واحد، لهذا الشخص فقط أوامره وقراراته التي لها قوة القانون. ولم تكن هناك سلطة بالمعني الدستوري غير سلطة الحاكم الفرد. لقد مارس مجلس قيادة الثورة المنبثق عن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم السلطة التنفيذية والتشريعية العليا في العراق. حيث أسس المجلس الوطني العراقي سنة 1980 من أجل تقاسم الوظائف التشريعية معه. وكان الولاء لمبادئ حزب البعث والالتزام بثورة 1968 شرط للترشيح لعضوية المجلس الوطني، ولا بد أيضا من موافقة الهيئة الانتخابية التي شكلها مجلس قيادة الثورة علي كل مرشح. وسمحت الحكومة العراقية سنة 1980 بانتخابات لاختيار مجلس تشريعي كردي مؤلف من 50 عضوا، وجرت آخر انتخابات للمجلس الوطني في مارس 2000 حيث انتخب 220 عضوا لمدة أربع سنوات، بينما عين رئيس الجمهورية الثلاثين عضوا المتبقين بمرسوم رئاسي ليمثلوا المحافظات الشمالية الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية. أما عن نظام انعقاد المجلس ، فقد كان المجلس الوطني يعقد دورتين عاديتين في كل سنة، وتفتتح الدورتان وتختتمان بقرار من مجلس قيادة الثورة، ويمكن لرئيس الجمهورية دعوة المجلس الوطني إلي دورة استثنائية. ويحدد "قانون المجلس الوطني" تشكيل المجلس وعضويته وقواعد عمله وصلاحياته ، حيث يتألف المجلس الوطني من ممثلين عن مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبصفته أرفع مؤسسة في الدولة، فكان يمكن لمجلس قيادة الثورة القيام بمهام تشريعية بالتعاون مع المجلس الوطني أو من دونه، ويصدق مجلس قيادة الثورة علي القوانين بأغلبية أصوات أعضائه. وكان له الحق في إصدر القوانين أو مراسيم لها قوة القانون، ويصدر قواعد تطبيق القوانين الصادرة عنه. ويرأس مجلس قيادة الثورة رئيس الجمهورية الذي ينتخب من بين أعضاء المجلس بأكثرية ثلثي الأصوات، ويمارس مجلس قيادة الثورة جميع سلطاته بأصوات أكثرية ثلثي أعضائه. وأصبح أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث منذ سنة 1977 أعضاء أيضا في مجلس قيادة الثورة، كما يتمتع أعضاء مجلس قيادة الثورة بحصانة كاملة. وباستثناء رئيس الجمهورية، يمكن لمجلس قيادة الثورة عزل أي عضو من أعضاء المجلس الوطني وأي وزير وأي نائب لرئيس الجمهورية. كما أن أعضاء المجلس الوطني محصنين من الملاحقة القضائية. وعن نظام عمل المجلس فيمكن القول أن المجلس الوطني كان ينظر في مشاريع القوانين المقترحة من قبل مجلس قيادة الثورة خلال 15 يوما من عرضها عليه، فإذا وافق علي مشروع القانون يرفع إلي رئيس الجمهورية لإصداره. ولكن إذا رفض المجلس الوطني مشروع القانون أو عدله يعاد إلي مجلس قيادة الثورة، فإذا صدق مجلس قيادة الثورة علي التعديل يرفع مشروع القانون إلي رئيس الجمهورية لإصداره. وإذا أصر مجلس قيادة الثورة علي وجهة نظره بعد القراءة الثانية لمشروع القانون يعيده إلي المجلس الوطني لمراجعته في اجتماع مشترك للمجلسين. ويتخذ القرار النهائي بأكثرية الثلثين. علي المجلس الوطني أيضا أن يدرس مشاريع القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية.