هذه الايام تمت إزاحت محمد مرسي بعد سنة من الحكم العبثي والفوضى
وفقدان الإرادة والمشروع ، وفي هذه المناسبة يحلو الكلام كونه يمثل لي
شعور خاص كنت أراهن عليه مع نفسي ومع أصدقاء ،
، وهو أنني لا أتصور أن تقع
مصر بما تمتلك من تراث وحضارة وقيم وثقافة لتكون أسيرة لحكم فوضوي يعود
بها إلى القرون المنقبضة ، لهذا كانت ثورة مصر تمرداً على الحالة وعلى
التسويف وعلى الخداع كان تمرداً شعبياً يُحاكي ذات التمرد نفسه يوم 25
يناير ، لهذا كان فعل شباب وشابات مصر ورجاله ونساءه يُجسم تلك الإرادة
التي تفوق الوصف ، كما أثبت لنا الشبان والشابات المصريون والمصريات إن
إرادة الشعوب لاتقهر ، حين تسعى وتعمل وتريد الحرية والعدل والسلام شعب
مصر لم ينتفض من أجل تقريب هذا على ذاك إنما إراد تحويل الرؤية لتكون
واضحة شفافة غير منحازة ، وليقل إنه مع الحرية ومع الإنسان الغير مُحزب
الإنسان بما هو من غير إضافات وزوائد ، وفي هذه بالذات عبر شعب مصر عن
عميق وعيه وشعوره بالحياة المنفتحة التي يرغب بها ويريد ، كما عبر عن
توقه للنظام الليبرالي الديمقراطي الذي يعيش فيه قوياً مُعافى وفي عمله
هذا حرر الإرادة العربية ووجه البوصلة في الإتجاه الصحيح ونبذ عن وعي
الدين السياسي الذي تتحكم فيه الفرقية والطائفية والإنحباس الفكري
والمعرفي ، لقد جسد شعب مصر في تمرده ونهضته الصلة العميقة بين الحرية
والإنسان بشكل لايدع فيه مجال للإجتهاد والتفكير ، وأعطى للشعوب العربية
الأخرى السبيل الذي فيه تحيا وتعيش الحياة حرة كريمة ، يعيشه بالنور دون
الأقبية والتآمر وحسابات المشايخ ورجال الدين المزيفين ، كما جسد من غير
شك كيف يجب ان تكون الأهداف واضحة وجلية ، وهذا ما شعرت به وشعر به
كل إنسان عربي حريص على مستقبله ومستقبل أجياله ، ولكي لا أبدوا وكأني
أعمم الأشياء تمنيت على شعبنا في تونس أن يعمل الشيء ذاته لتكون محطتا
الربيع العربي محطتين بصدق لهذا المعنى ، لكنني ضد التوجهات التي تتحرك
في العراق بلدي لأنها تنطلق من أرضية طائفية محضة ، كذلك صرت لا أويد
مايجري في سوريا لأنه أصبح مع الأيام حرب قذرة ، ولقد وردت إلينا رسائل
من أحرار العرب تطلب منا تبيان ذلك وتوضيحة لكي لا يلتبس الحال ، فالعرب
مدعوون جميعاً للتخلص من الدين السياسي لأنه يفرق لا يوحد ، والناس
بحاجة للوحدة كما تُعمر وتبني وتنهض ، وحركة الأخوان في مصر وفي سائر
البلاد العربية حركة عنصرية فئوية ضيقة وأهدافها خطرة على حاضر الإنسان
العربي ومستقبله ، لقد شكا لنا الأخوة في مصر حالهم وحال المهزلة
الأزلية التي أصطنعها الأخوان مهزلة التجزئة والدسيسة والتخوين والتكفير
، إن كلمتنا لشعب مصر واحدة لم تتغير منذ اليوم الأول الذي دنس فيه
الأخوان مقام الرئاسة المصرية عبر الأكاذيب والوعود إننا لا نعرف
للأخوان دافعاً غير دافع النهم والجشع وحب السلطان ، ولا نعرف لهم صفة
غير صفة العدوان والإجرام ، ولم نصدق في يوم من الأيام كلامهم عن
العدالة والحرية لأننا نعرف إنهم مدفوعون بالمكر ، ولا يمكن أن
يكونوا أكثر غيرة على المصريين من غيرتهم وشهوتهم للسلطة ، لقد كشف
شعب مصر طبيعتهم وزيفهم وخداعهم ، وقال هذا الشعب كلمته من غير تأويل
يوم 30 يونيو فلنكن صرحاء في تعريفهم وتعريف العالم بهم .
لهذا نقول إن تجربة شعب مصر كانت في العودة لمبادئ وقيم الليبرالية
الديمقراطية قيم العدل والحرية والسلام ، وهي تجربة واعية لا يمكن إن
تتساهل في قضايا وقيم الحرية ولن تسكت على التجاوزات والخروقات التي
أحدثها الأخوان في عقل وجسد الشعب المصري ، قد يتذرع أعوان الأخوان
القلائل وبعض الإفراد والفئات المخدوعة بحججهم للدفاع عن الحرية، وخوف
عن الإسلام وجوابنا في ذلك واضح : إن حرية مصر هي المصدر والضمان لحرية
معظم الشعوب العربية وهي التي تعطيهم الدافع للتخلص من الطغيان والدين
السياسي ، يأتي هذا عبر تحرير ثروتهم وعقولهم ومصيرهم ومواهبهم وقدراتهم
من الإستلاب والتضييع ، ولكي يكون ذلك ممكناً كان يجب على شعب مصر إتخاذ
المبادرة والسعي من أجل التقدم خطوة بإتجاه تحرير الشعوب والعقول العربية
، إن تحرير مصر يعني تحرير العرب لما لمصر من موقع نفسي وتربوي في شعور
ومشاعر العرب جميعاً ، لهذا عبر شعب مصر بشكل عملي في حركته تلك عن كل
هذه المشاعر والأحاسيس ، وهو في ذلك يعود بالعقل العربي نحو الليبرالية
الديمقراطية ونحو القانون والنظام ، وواجب علينا تشجعيهم والوقوف معهم
ونصرتهم في كل المحافل الدولية والشعبية ، ولنزيل من البعض عُقدة الضرب
على التمرد على الديمقراطية كما يحلو لبعض المتصيدين والظانين بشعب مصر ،
من القلب تحية لهم ولكل حر غيور .