سأتحدث إليكم هذه المرة لا بصفتي الشخصية بل بصفتي الحزبية السياسية ، وسأعبرُ لكم عن رأي كل الليبرالين الديمقراطيين في العراق الذين يهمهم إستقرار العراق وأمنه وتقدمه وعدم ضياعه ،
وكما سأعبر عن روح الشعب الذي يرغب بالعيش الكريم دون محرضات ودون إفتعال للأزمات ، وكلنا يعلم إن هذه المطالب والشعارات والتظاهرات التي تحدث ببعض المحافظات إنما هي خليط بين مطالب خدمية مشروعة وبين توجهات سياسية متطرفة حادة ومخالفة للقانون والدستور ، لهذا نقول : إن في هذه الأزمة الحالية لا يجب المزج بين المطالب الشعبية الحقة وبين الإرهاصات الغير مبررة .
فالرغبة في تغيير نظام الحكم أو طريقة الحكم في العراق لا بد أن تخضع لموازين قانونية ودستورية وليس هو رغبة أو طموح أو عدم رضا وحسب ، ففي هذه الأزمة الجديدة سمعنا خطاباً فئوياً وخطاباً طائفياً تحريضياً ونفساً مذهبياً وهذا كله يخلق أزمة ولا يصنع حلاً لمشكلة أو لمشكلات بل هو تأجيج لنار الفتنة والقلق وعدم الإستقرار ، وكلنا يعلم إن العراق ومنذ التحرير لم يهدأ ولم يهنئ له بال ، بل عاش الصراع والقتل والجريمة و القلق عاش التزاحم والتدافع السلبي ولهذا فقد العراق وشعبه الكثير من المصداقية وفقد الرهان عليه ليكون داعماً ومؤسساً للنظام الديمقراطي في المنطقة ، ولم يكن الصراع فيه من أجل البناء و التقدم والتطور بل هو صراع وقلق دوافعه طائفية ومذهبية معروفة ، ولهذا كثُر الفساد وكثُر النهب وتفنن السُراق فتعطلت الحياة فيه ولم ينجح له مشروع تنموي طموح في كل المحافظات والبلدات ، ويؤسفني أن أقول : إنه لم نجد إلاّ القليل من بداخله حسٌ وطني يعلو فوق هذا المزاج الطائفي المقيت .
وبدى لنا وكأن العراقي لايحلو له المُقام ولا يهنئ له العيش إلاّ بظل حكومة فاشية دكتاتورية ، وبدى لنا ويكأن الديمقراطية عند بعض القوم هي فوضى ولا نظام وإفساد في عقلية الناس ومزاجهم ، أو إنها من يُباعد بينهم وبين وطنيتهم في ظل ثقافة الخوف الطائفي من الآخر .
وكنا نحن معشر الليبراليين الديمقراطيين ننادي وببراءة وحُسن نية بوجوب الإلتزام بالقانون والنظام ، وكنا دوماً نوفر الفرصة لمن يريد لكي يتقبل بعضنا البعض الآخر ، نازعين عن أنفسنا وعن غيرنا مفهوم الأحقية التاريخية والأحقية القهرية ، منادين بلزوم التوافق على الوطن الواحد وعلى حاجات الناس الضرورية والطبيعية ، مُشيعين بين الكافة معنى إحترام الديمقراطية كخيار وكثقافة وكحياة لمن يريد ان يتنافس في الخير والعمل الصالح ، كنا هكذا ننصح الشركاء وندلي بدلونا حين يُتاح لنا ذلك ، ولم ندعي إننا الحق ودوننا الباطل معبرين عن ثقافتنا وعن إيماننا وعن شعورنا بالوطن وكيف يجب ان يكون ؟ ، واليوم وفي ظل هذا التدافع والحراب الطائفي تبدو حاجة العراقيين للمشروع الليبرالي الديمقراطي ماسة وضرورية وضاغطة ، فالشعب هذا المغلوب على أمره أصابه التباعد الوطني وصار عبارة عن جزر مفككة ولهذا فنحن قلقون على مصيره وعلى مستقبله وعلى وجوده ووحدته ، فهناك ثمة مايؤرقنا في هذه الإتجاه حقاً فالتقسيم حسب الأسس الطائفية يُعمل عليه من جهات وأطراف محلية وخارجية ، وهذا التقسيم الإكراهي يبدو واضحاً وملموساً ولكي يكون ممكناً فلابد من أن يعيش الوطن ذلك الصراع الدامي الحاد ، والذي سيذهب فيه العراق إلى غير رجعة وتذهب معه أحلامنا وأحلام كل العراقيين ، إن جيلاً من العراقيين سيفقد في ذلك الصراع هويته ويفقد إنتماءه وستتبدل فيه ثقافة معنى الوطن لتحل محلها ثقافة طائفية ومذهبية سوداء ، وفي ذلك ومعه لن ينجو أحد ولن يكون في مأمن من هذا الطوفان المخيف المرعب ، ونحن نعلم طبيعة المزاج العراقي وتطرفه وعاطفيته ولهذا فمن يضرب على عصا المظاهرات والإحتجاجات من دون حساب ومن يسير في هذا الركب إنما يدق المسامير في نعش العراق ، صحيح إن هناك مطالب مشروعة وحقه في هذا التدافع لكن الصحيح إن هذه المطالب تذهب وسط الريح ، فتتبدل الموازين والقيم ولهذا نقول : - أعرفوا الحق تعرفوا أهله لا يعرف الحق بالرجال - ..
وأقول : لمن في قلبه حبٌ حقيقي للعراق أن يبتعد عن هذا الصراخ وأن يحترم القانون ، فالمرأة كما الرجل في القانون وفي الشريعة سواء في العقاب وفي الثواب ، وكلنا يدري إن كثيراً من نساء العراق قد غُرر بهن تحت حجج وهمية ، بل وإن البعض منهن قد فجرن أنفسهن كإنتحاريات ، ومن أراد الحق وسعى له فعليه أن يطالب بتطبيق القانون بحقهن من غير تنازل فالحق لايجزء كما إن العدل لا يجزء ، ومن ثبت بالدليل القطعي إشتراكها في أي عمل إرهابي أو جريمة بحق الشعب فيجب تطبيق القانون عليها وبصرامة وبحزم ، وهذا الإجراء وهذا الحكم ليس للردع فحسب بل هو القانون والشرع ، والمرأة التي تنتمي إلى منظمات إرهابية أو تمارس الإرهاب أو تنشر الفكر الإرهابي مجرمة بحسب القانون والشرع ، ولهذا فيجب ان ينالها العقاب أسوة بالرجل من غير فرق .
ثم إن الأخ رئيس الحكومة غير مسؤول عن الإجراءات القضائية وماتصدره المحاكم وليس من حقه التدخل في شؤون السلطة القضائية ، هو بحسب الدستور منفذ للقانون وليس هو القانون ، ومن يرغب بتدخل السلطة التنفيذية بشؤون القضاء إنما هو دفع و إغراء للدكتاتورية متعمد ، ومن يريد العيش في دولة ديمقراطية فيجب ان يؤمن بان الحل والربط في المسائل القضائية والجنائية هو بيد المحاكم وليس بيد رئيس الوزراء ، ومن يختلف مع رئيس الوزراء في شيء فيجب أن يحترم هذا الإختلاف في ظل القانون وليس بالفوضى والمؤامرات والمكائد ، هذه هي الديمقراطية لمن يريد العيش في ظلالها ...
ثم لماذا لايتوجه الشعب للبناء بدل المهاترات وصنع المشكلات ؟ لماذا لايعمل العراقي على صُنع عراقه المتقدم الممكن فيه الحياة ؟ لماذا يعتبر البعض كون الحاكم شيعياً فتلك هي الطامة الكبرى ؟ لماذا لا نؤمن بخيارات الشعب ونحترم رأي الأكثرية ؟ لماذا لا نعمل من أجل ترسيخ روح المواطنة بدل التنافس على المناصب والكسب الحرام ؟
أنا لا أقول إن رئيس الحكومة رجل معصوم ، ولم أقل أطيعوا الرجل في كل حال ، بل أقول : لماذا توضع كل العراقيل بوجهه من يوم توليه المنصب وإلى الآن ؟ .
أنا لا أظن إن الأمر متعلق بشخصه بل بهذا النوع من الديمقراطية ، أو بهذا السلوك السياسي الجديد ، مشكلات العراق تُحل حين يؤمن العراقي بمستقبله الذي يبنيه بجهده وعرقه ، وحين يؤمن بأن الديمقراطية هي خياره النهائي ، وحين يخرج من دائرة القلق والتنافس الطائفي المزاجي النتن ، وحين يتعلم إن الإستفزاز شيء قبيح لا من خلال الممارسة ولا من خلال الإيمان بشيء ما ، إستفزاز الآخر ممنوع في عبادته وفيما يؤمن به ، فالتعايش ليس كلام إنشاء أو رغبة تسطر بل هو ممارسة وعمل وثقافة يومية ، ومن هنا فلايجوز جعل إيمان أي طرف ما هو إستفزاز للطرف الآخر .
إن الإيمان بالوحدة الوطنية والوحدة الدينية يجب ان ينبع من قناعة ومن وعي ومن ثقافة رصينة ، وهنا أشير إلى دور الحكومة وإلى دور الإعلام النزيه في ترسيخ تلك القيم والتقليل من حدة التنافس والنزاع ، وبث روح المحبة و التقليل من الإندفاع والجهد العاطفي الذي يضر في العادة ولا يفيد ، كما أرجوا من أخواني السياسين أن يترفعوا بلغتهم وبخطابهم وأن لا يعلقوا آمالاً كباراً على هذا التدافع وعلى هذا المزاج القلق وأن لايعيشوا على هذه الظاهرة ، فهي التي سرعان ماتخبوا وتزول والتاريخ خير شاهد ودليل ، وأما الباقيات الصالحات فهي الوطن وهي المواطن