هذا السؤال يطرحه جُل أو معظم العراقيين على أنفسهم ، وهم يعنون بالفائدة القيمة الموضوعية والحقيقية التي تحققها أو تجلبها هذه القمة للعراق ولشعبه .
ونحن نقول : ومن وحي تجارب التاريخ العربي القريب و المعاصر ، إن العرب لم يجتمعوا في الغالب على خير !! ، وفي الغالب أيضاً يكون دائماً إجتماعهم إما ردة فعل أو بفعل فاعل ، وفي الحالين لا ثمرة نتلمسها أو يمكن الإشارة إليها من إجتماعاتهم تلك الطويلة العريضة .
لكن الذي أدهشني ما يفعله إعلام الدولة اليوم وما يقوم به من تهليل وتسبيح بحمد العرب وقمتهم ، يذكرني هذا الإعلام بإعلام النظام السابق وكيف كان يزمر ويطبل ، والحق أقول : إن هذا الإعلام كغيره إعلام مخادع ومزيف وكاذب ، لأنه يُسوق الوهم ويتعمد تسفيه أحلام الناس وآمالهم ، و هو يعلم إن العرب في حياتهم المعاصرة لا يحلوا ولا يربطوا في كل قضاياهم الصغيرة منها والكبيرة ، وكل الذي يفعله هذا الإعلام هو النفخ بالكير وتضخيم صورة الحاكم وترهيب الناس به ومنه .
والعرب شطار جداً في تكالب بعضهم على بعض وتآمر بعضهم على بعض ، وهم ليسوا واحدا حتى يُقال عنهم عرباً في اللفظ وفي المعنى ، فهناك عرب الجزيرة والخليج هؤلاء المترفين الأغنياء ، وهناك عرب الشآم ومصر وشمال أفريقيا الفقراء المهمومين المنتهكين ، وهناك من لا حول لهم ولا قوة في الحواشي والأطراف ، لكنهم دخلوا الجامعة على أمل الحصول على بعض الفتات الذي قد يتصدق به ذوي الطول والقوة .
وعرب الجزيرة والخليج لا تربطهم بالأخرين رابط فهم في واد والأخرين في واد ، لهم مجلسهم الخاص وعلاقاتهم خاصة ورياضتهم خاصة هم بعيدين ومفارقين ، ولا يهمهم من أمر العرب غير الشجب والتنديد والإستنكار ، هذا حالهم الذي يعرفه الجميع ، ومثل هؤلاء لا يُطلبون بالشدائد والملمات ولا يُستغاث بهم لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرة ، بل هم في الأحيان الكثيرة الأداة التي تحمي الظالم وأعوانه .
وعرب الشآم ومصر وشمال أفريقيا هؤلاء التعساء عبر التاريخ ، هم صدى للآخر منفذين لأمره كيفما رغب وأراد ، ولهذا لن يتخذوا موقفاً يمكنه المساعدة من غير الرجوع إلى أولي الأمر وهم كثير ، لذلك فصوتهم صدى لغيرهم في كل المراحل ، وأما الأخرين فالله يكون في العون ، مشاكلهم ومعاناتهم وبؤوسهم وقلة حيلتهم ، لا تؤهلهم لئن يكونوا أنصار للحق أو عزوةً عند الضيق .
من هنا أقول : لماذا هذا اللهاث وراء هذا السراب الكاذب ؟ ومن أجل من هذا الإصرار على عقد القمة وتحميل العراق كل أوزآرها وتبعاتها ؟ والقمة وعلى هذا النحو وبهذه الكيفية وفي ظل واقع عربي مجهول وغير معروف لا تحقق شيئا ، القمة في ظل هذا الواقع ليست الحلم الذي من اجله يُحبس الشعب العراقي ، هذه القمة ستسبب للعراق الشعب والدوله جملة مشاكل وتعقيدات ، منها مثلاً :
1 – الإرباك الأمني : عبر هذا التجييش والتعطيل وحبس الأنفاس ومنع التجوال في بغداد وحظر الطيران ، وتعطيل الدوام في الدوائر والمؤوسسات ، وسحب القوات من مناطق عملها ، والعراق بلد معتل لم يتعافى بعد من مشاكله الأمنية ، وكل تلكم الإجراءات ستكون عباءً مضافاً يُثقل كاهل الشعب والدولة .
2 - الإرباك المالي : من خلال الهدر للمال العام وتبديد ثروات الشعب ، من أجل حماية أو في سبيل تلبية حاجات الوفود الرسمية ، وكلنا يعلم مدى الحاجة والعوز التي يعيشها الشعب في خدماته ووسائل معيشته ، والعراق وشعبه بحاجة إلى هذا المال في ترميم وإعادة بناء ما دمرته قوى الإرهاب والفتنة .
3 – الإرباك السياسي : في الحديث عن الأحقية الدستورية ومن بمقدوره أن يكون رئيساً للقمة ، و بلادنا عجيبة وغريبة في السياسة والقانون ، فنحن يفترض أن نكون بلد برلماني ، والسلطة التفيذية فيه بيد رئيس الوزراء هو الحاكم وهو المدير ، وأما رئيس الجمهورية فهو منصب تشريفي بروتوكولي لا غير ، والنظام البرلماني لا يختلف فيه العراق عن كل بلاد الله التي تتخذ من هذا النموذج شكلاً وممارسة في الحكم ، لكن ولاة الأمر في العراق لايقبلون بذلك ويصرون على ان يكون الرئيس رئيساً للقمة ، ورئيس الوزراء مجرد رئيس وفد في مهمة ثانوية يمكن لوزير الخارجية الإنابة عنه فيها .
قمة بغداد سترهق كاهل العراقيين على كل الصُعد ، فالإجراءات الأمنية في حماية الوفود ستلحق الضرر النفسي والميداني باهالي بغداد ، ذلك لأن منع التجوال والحركة وإخضاع المدينة إلى الأحكام العرفية تعسف ومصادرة للحريات وقمع علني ، كل هذا من أجل حماية الوفود ورؤوسائها ، الذين ماكانوا يوماً مع العراق وشعبه في كل محنه وآلآمه ، ولن يكونوا كذلك في قادم الأيام .
ثم على من يُعول ساسة العراق ؟ على حكام الجزيرة والخليج فظني القوي الغالب : إن هؤلاء لن يأتوا إلى بغداد وإن جاء منهم من أحد فمن الرُتب المتدنية ، فلاملوك السعودية ولا حكام الإمارات ولاسلطان عمان ولا حاكم قطر ولا ملك البحرين ، وربما حتى ولا أمير الكويت مع كل ما قُدم له من تنازلات وصكوك بيع ، وأما مصر فليس فيها رئيس فهي معذورة ، وفيها صراع بين الأخوان والسلفيين على السلطة وصراع بين المسلمين والأقباط على الهوية ، فهي بلد مرفوع عنه القلم ، وليبيا كما ترون حالها وحال رجالها بين متمرد وعاصي ولا يعرف رأسها من رجلها ، واليمن بلد القات والتغيير الديمقراطي العتيد ، وأما أمير المؤمنين ملك المغرب فلن يحضر ولن يحضر معه بوتفليقه والمرزوقي ، وأما رجل السودان فيخاف على نفسه الفتنة وإلقاء القبض ، بقي جماعة الصومال وجزر القمر وجيبوتي – كان الله في العون - ، وأما سوريا فتضج بأهلها ولا أمل ولا رجاء .
على من يعول ساسة العراق وولاة الأمر فيه إذن !!! ، أعتقد إن هدر المال في غير محله جريمة وكفر بنعمة الله ، طالما إن هؤلاء جميعاً لن يكون بمقدورهم مساعدة العراق في حل مشاكله وقضاياه ، ثم إن فاقد الشيء لا يعطيه !!! ، وهل فيمن تدعون للقمة من هؤلاء رجل رشيد يحب الخير ويدعوا له ؟ وهل فيهم من لم يعاني من مشكلات الطائفية والمذهبية والقومية ؟ ، وإذا أستثنينا دول الخليج فذلك لأنهم نفر قليل وعلى دين واحد ، وهؤلاء لن يكونوا عوناً ولا غطاءاً .
قمة بغداد في كل الأحوال مضيعة وتسويف ، ومن كان يريد الخير لشعبه عليه أن يُمم وجهه شطر أوربا ففيها العلم والحلم والحكمة والحماية ، هذا لمن كان صادقاً ونزيهاً ودعوا العرب في جامعتهم ، فلقد ولى زمن الأحلام العربية وهوس القومية الجوفاء ، إن التقرب إليهم في هذا الوقت لعب وهدر للكرامة وقفز على دماء الشهداء ، إن العراق بلد متعدد الأطياف والقوميات لا يحميه ولا يحصنه غير شعبه هذا الكبير المتعدد ..