نواصل اليوم بحثنا في الروايات والأخبار التي أدعوا بأنها ترفض حكم المرأة وتمنعه ، ومنها هذا
الخبر السادس : مارواه الشيخ الصدوق أبن بابويه في كتابه - من لا يحضره الفقيه - في باب النوادر ، بسند مجهول - غير معلوم - عن النبي إنه قال : - ليس على النساء جُمعة ولا جماعة ولا آذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا إتباع جنازة ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء .. – من لايحضره الفقيه ج4 ص 364 باب النوادر الحديث رقم 5762 .
قد يفهم ابتداءً من عبارة - ولا تولى القضاء - إنها دالة الحرمة ، أي تحريم القضاء على المرأة ، أو إن المرأة يُحرم عليها تولي القضاء ، قد يُفهم ذلك لأول وهلة ، ولكن هذه العبارة لا تفهم هكذا من دون النظر إلى سابقاتها من العبارات التي وردت في الخبر أعلاه ، ففي الخبر جاء قوله : ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا آذان ولا إقامة ّ!!! ، كما ليس عليهن .. عيادة مريض ولا إتباع جنازة ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر !!! ، هذه الممنوعات في هذا الخبر : تقول إن كل الأشياء ممنوعة على المرأة القيام بها ، ومعنى المنع هنا ، هو عدم الجواز !! ، لكن هل هذا المنع هو حكم تكليفي أو إن هذا المنع هو حكم وضعي ؟
فحين يقول : إن صلاة الجماعة وصلاة الجمعة يحرم على المرأة القيام بهن لأنها في ذلك غير مُكلفة شرعاً !! ، وهي لذلك تكون هذه الوظائف غير واجبة عليها !! ، هل هذا الذي يُريد الخبر قوله ؟ ، ومعلوم إن الخبر أعلاه غير صحيح السند وإن الذين رووه مجهولي الحال ، وهذا في الأصول الفقهية عامل أساسي في سقوط الخبر وعدم إعتباره .
ولكن نحن مضطرين هنا لمناقشة كل الحجج التي يتمسك بها القائلين بمنع المرأة حقها في الحكم والولاية ، ونقول : هل إن هذا الخبر هو في مقام بيان وجوب التكليف أم بيان حرمة التكليف ؟ ، حتى نقول وندعي حرمة القضاء وحاكمية المرأة !! ، وبحسب ماهو معلوم في أصل التكليف في العبادة سواء الواجبة منها و المستحبة ، فإن الحكم فيها واحد بالنسبة للرجال وللنساء ، ولا قيد فيه ولا تخصيص يخرجه عن عمومه وإطلاقه هذا أولاً ، وثانياً : إن هذا الخبر ليس في مقام بيان الحكم التكليفي ولا هو كذلك في مقام بيان الحكم الوضعي ، ولأنه كذلك فيبطل الإحتجاج به بمنع المرأة من أداء وظائفها التكليفية الواجبة والمستحبة ، ويسري هذا الكلام على موضوعة الحكم والقضاء وسائر شؤون الحياة بالنسبة إلى المرأة .
نعم لقد ناقش البعض في هذا الخبر وقالوا : إن اصل لفظ - لا تولى - هو - لا تتولى - ، بإعتبار إن هذا اللفظ فعلاً وليس مصدراً ، وإن التاء الأولى فيه حذفت ، وهو بهذا الإعتبار يكون فعلاً دالاً على النهي ، و يكون الفعل - هو حكم وضعي دال على النهي - !!! ، ومعناه : إن تولي المرأة الحكم والقضاء منهي عنه في الشرع - ، وإن أحكامها وحكمها في هذا المجال غير نافذة وغير ملزمة !!! .
وإذا تنزلنا وقلنا بذلك فيكون هذا النهي نهي تنزيهي !!! ، والنهي التنزيهي دال وناظر إلى طبيعة الحكم وفعل القضاء وما يحصل فيه ، وليس النهي بمعنى عدم صلاحية المرأة لذلك ، وفي المُحصلة يجب القول : وبما إن الخبر غير صحيح الإسناد ودلالته على النهي غير واضحة إلاّ في مجال التنزيه وضمن حدود اللطف لا غير ، وفي هذا أعني في مجال اللطف والرعاية ، يجري الكلام وفي مسائل مماثلة على الرجال كما على النساء من غير فرق ، ولا تكليف ولا وضع في البين بل هو تنزيه في أحسن الأحوال !!! .
الخبر السابع : مارواه الكليني في الكافي عن أبن طاووس في كتاب الرسائل ، عن علي بن أبي طالب لولده الحسن المجتبى جاء في بعضها : - إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن .. - نهج البلاغة ص 938 ، الرسالة رقم 31 .
كما جاء في خبر اخر مثله أو قريب منه قالوا فيه : - كان رسول الله إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن - الكافي ج5 ص 518 الحديث رقم 11 .
هذه الأخبار وغيرها أعتبرها البعض دليل في المنع ، مع إن هذه الأخبار في مجملها غير معتبرة الإسناد وغير معتبرة الدلالة ، ولا يمكن الإستناد عليها أو إعتبارها دليل في المنع ، أعني في منع المرأة حقها في الحكم وقيادة الناس ، وطبيعي إننا هنا وكغيرنا نسأل ، عن الحكمة من الشورى ، ولماذا تجب ولماذا شُرعت وماهي الحكمة منها ؟ ، وإذا كانت الشورى غير موجبة ، فلماذا يذهب إليها من الأصل ؟ ، ولأن الكلام عن النساء ، يأتي الكلام دائماً منسوباً إلى النبي من غير سند في إختلاق وجعل واضح ، ولهم في ذلك مصلحة وغاية كي يؤمن الناس بها ويصدقوها .
نعم الشورى شُرعت أو جُعلت من أجل تبادل الأفكار ووجهات النظر في المسائل المعينة ، ومنها وبها يتم الإهتداء إلى ماهو سديد ووجيه من الأراء والأفكار ، والمرأة حين تشاور فهي تشارك الرجل في الرأي و في الموضوعات التي يجري الحديث عنها ، وهي حين تُدعى للمشاركة في الشورى فذاك دليل على ثقة بها وبقدرتها على إبداء ماهو نافع ومفيد ، لا إن مشاورتها من باب إبراء الذمة أو اللهو ، وفي ذلك لا يصح جعل النبي متلهياً وضاحكاً على الذقون ، والخبر يقول - شاورهن وخالفوهن - !!! ، ماهذا القول السخيف و السقيم ؟ إن النبي حين يشاور النساء فهو يقيناً يثق بقدرتهن على إبداء الرأي المناسب في الحرب وحماية المدن وفي غيرها من التداعيات التي تفرضها الحرب - هذا هو إيماني - ، وعليه لا يصح أبداً أن نقول : كان النبي يشاور النساء ثم يخالفهن - !! .
ولازم الشورى ومقومه هو كمال العقل الذي يوحي بصحة الأراء والأفكار ، وكمال العقل هذا يتساوى فيه الرجال والنساء لأنه قيمة موضوعية ، وحين نشاور الرجال لا من حيث كونهم ذكوراً بل من حيث كمالهم العقلي وحُسن تدبيرهم ، و كذلك يكون الأمر بالنسبة للنساء إذ لا يجوز مشاورة النساء من دون كمال عقلي ، وكما العقل ورد في بحار الأنوار كلام عنه لعلي بن أبي طالب حين قال : - إياك ومشاورة النساء إلاّ من جربت بكمال عقل - بحار الأنوار ج103 ص 253 - .
والآن نسأل ، لماذا جاء المنع في البداية عن مشورة النساء مطلقاً ؟ ثم لماذا جاء الإستثاء هنا تحت قيد - كمال العقل - ؟ ، أقول : لماذا هذا الإستثناء اللاحق ؟ ، وللجواب نقول : إن هذا الإستثناء هو القيد المانع عن إطلاق اللفظ الإبتدائي ، أي إن هذا الإستثناء ألغى الكلام الأولي وجعله مقيداً بكمال العقل ، وكمال العقل خاصية موضوعية وإنسانية ، ومن توفرت فيه هذه الخاصية من الرجال والنساء جاز لنا مشاورته وتبادل وجهات النظر معه .
وللتذكير فقط أقول : إنما نحن هنا نناقش أخباراً غير صحيحة السند وغير معتبرة الدلالة ، ولكننا مضطرين لمناقشتها وللذهاب بعيداً مع حجج المانعين المرأة حقها في الحكم والولاية ، ولنؤكد من جديد إن حق المرأة في ذلك ثابت في الكتاب والعقل ..
يتبع