كيف تكون الديمقراطية موهومة ؟ وماذا نعني بكلمة الوهم ؟ هل هو الخيال أو اللامتصور ؟ ، طبيعي لا يمكننا الإجابة عن هذه الأسئلة من دون التذكير بالتعريف العام للديمقراطية ، والذي يقولون فيه إنها حكم الشعب نفسه بنفسه !!
هذا التعريف الفضفاض أصبح يعني في بلادنا العربية وصفات سحرية لعلاج حالات مرضية ، لكن هذه الوصفة أو الوصفات تصطدم بالواقع من حيث هو ومن حيث بناءه وتشكله ، فنحن مزيج بين قبلية عشائرية ودينية تاريخية وهذا المزيج يشكل عقبة في وجه حكم الشعب نفسه بنفسه ، لأن ذلك يصطدم بأقانيم العشائرية والدينية لكن شعوبنا العربية تكافح وتناضل من أجل الديمقراطية ظناً منها أو هكذا يُخيل إليها إنها قادرة على تغيير الواقع !! ، النضال العربي مستديم وطويل ولكنه غير منسجم مع نفسه بدليل إنه يمزج بين الإرادة والحلم مع فقدان الأداة والقدرة وكذلك فقدان الأدوات التي تجعل من الحلم حقيقة أو تحرير الإرادة من وطأة الواقع وثقله ، نعم إن الحلم بالكرامة وسيادة القانون وتنظيم المجتمع على أساس مدني غاية في حد ذاتها ، لكن هذه الغاية تحتاج إلى عمل و تضحيات ودماء كثيرة وإعلان شجاع للبراءة من كل ماهو تاريخي ومجتمعي قديم !!! وهذه الإرادة في هذا الإتجاه لا تبدو ممكنة لا في أيامنا ولا في الإيام الآتية .
كما إن الديمقراطية ليس آلية وحسب بل هي ثقافة ووعي مجتمعي ، والديمقراطية من غير الحرية السابقة لها تعد لغواً ومجازفة وفعل ممنوع ، كما إن الديمقراطية من غير الشعور بالمواطنة والإحساس بالمصلحة الجمعية أمر عبثي ، ولأننا في مجتمع عربي مسلم تحكمه وتتحكم فيها أعراف القبيلة وأحكام الدين لذلك تصطدم الديمقراطية كما نفهما وكما هي في العالم بالواقع هذا ، تصطدم بثقافة الناس البدائية التي كانت ولازالت هي السائدة والمتحكمة هي ثقافة الفرق والملل والطوائف والقبايل ، ثقافة - أنا أو لا أحد - ثقافة الحزب الواحد والطائفة الواحدة ، هذه الثقافة لن تصنع الديمقراطية كما هي حلم وشعور ، ولكنها تصنع ممارسة تدفع بها طوائف وفرق ومذاهب وقوميات ، تعود بنا إلى عصر القبلية ، عصر - الأئمة من قريش - وباقي الناس تبع لهم وظل وخدم .
وشعبنا العربي من أكثر شعوب العالم إيماناً بالخوارق والمعجزات ومن أقل شعوب العالم جهداً وتضحيات ونظر إلى المستقبل ، ولهذا تُغريه الوعود ويُغريه الكلام عن الجماعة وعن الفئة وعن الخوف من الآخر ، كائناً مايكون هذا الآخر ليس مهم المهم إنه يتحصن عنه ويتخندق ضده ، هذا التجييش الإعلامي والسلوكي نراه في مصر المسلمين ضد الأقباط ، ونراه في العراق الشيعة ضد السنة ، وهو هناك في سوريا السنة ضد العلويين ، وينقسم هذا المقسم فيكون السلفي ضد المعتدل ، ويكون التكفيري ضد السلفي ، وهلم جرا .
في ظل هذا تدخل الديمقراطية وتُعلم لأبنائنا وللأجيال القادمة ، فالمرأة المسلمة تتحدث عن الحرية ولكنها هي لا تمتلك من الحرية شيء ولا تعرف معنى الحري لا في ملبسها ولا في مأكلها ولا في علاقتها مع زوجها ، ويتحدثون عن الحرية في التاريخ الإسلامي وعن عدالة عمر بن الخطاب وحريته ولكني حين أتتبع سيرة الرجل ما أجده إلاّ دكتاتوراً ومستبداً وجاهلاً في كثير من الأحيان ، و يتحدثون عن ضرورة التبادل السلمي للسلطة ، ولكنهم يقاتلون إن نازعهم أحد عليها أو فاز أحد غيرهم ، ويتحدثون عن العدالة في ظل الإسلام ، مع إنهم يمنعون أي مسيحي أو كتابي آخر ان يبني له كنيسة أو محل عبادة له ، على عكس دول الغرب المسيحي التي تفتح لهم دور العبادة وتساعدهم على ذلك في المال وتسهل كل مهمة في ذلك ، فأهل الكتاب ذميون دافعي للجزية ومحرومون من حق المواطنة العادية و حتى في حقوق الجنسية كانوا يكتبون كل رجل حسب ملته ودينه ومذهبه ، هؤلاء المقسمين لا يمكنهم ان ينظروا إلاّ من هذه الزاوية التي سفكت فيها القاعدة دماء الشيعة وتلذذ الزرقاوي بدماء البسطاء من الناس قتلاً وإغتصاباً وتهجيراً ، ولعلكم رأيتم كيف هوت قنابلهم الحاقدة على زوار قبر الحسين يوم عاشوراء من هذا العام .
لهذا أحذر من هذه الديمقراطية التي يستغلها هؤلاء للطعن والقتل والفوضى ، ومنذ قديم الإيام وأنا أقول إن الديمقراطية من دون ثقافة شعبية تؤمن بها لن تكون إلاّ في خدمة الجريمة وأحزاب الإرهاب وفرق الموت ، وكنت أقول إن ثقافة الديمقراطية هي الحرية الإقتصادية التي تهب للإنسان كرامته وترفع عنه حالة الفقر والعوز والحاجة ، الحرية الإقتصادية للجميع للذكور والأناث للرجال والنساء على السواء ، والتي معها تذوب الحاجة إلى إغراءات الأحزاب والفرق فيكون المرء سيد نفسه يختار من يرآه بالفعل أهل لتحمل المسؤولية والقدرة على خدمة المجتمع وتحقيق الطموح ، وفي بلدان المنطقة العربية والإسلامية الإقتصاد مسخر لخدمة فئة من الناس يذلون به العباد والبلاد ، ولم أجد في تاريخ العرب والمسلمين ما يحدثني عن إمتلاك الفرد العربي و المسلم لحريته الإقتصادية ، حتى في الحوزات والمدارس الدينية فالأرزاق توزع بحسب الولاءات والإنتماءات ،، ولذلك فأنا أشك أن تنمو ويزدهر عود الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية يوماً وكلامي هذا أقوله للتاريخ وللحاضر