قيل الغلو من غلا : وهو مجاوزة الحد و الخروج عن القصد ، هكذا قال أبن منظور في لسان العرب ج2 ص15 .
وقيل الغلو هو : من الغليان ، ويعنون به الحركة الغير مستقرة والغير متوازنة كما يغلي الماء في القدر ،
، فالغلو هو الحركة أو هو التحرك ضد كل ماهو طبيعي ومنطقي وعقلي .
وفي الإصطلاح قيل : هو الإنحراف في الفكر وفي السلوك وفي الإعتقاد ، وقيل : بل هو النقص في المعرفة التي تؤدي بصاحبها لعدم الإيمان بكل ما هو منطقي وعلمي أو متصور و عقلي .
كما فعل أهل الكتاب حينما قالوا بان المسيح هو الله أو أبن الله ، وهذا هو الإنحراف في الفكر وفي الإعتقاد ، ومثله فعل بعض الشيعة حينما قالوا : بان الإمام علي هو خالق الكون أو بيده إرادة تدبير الكون ، وهذا هو الإنحراف في الفكر وفي العقيدة ، ومثل هذا الفعل حينما قال البعض من المسلمين : بان الشمس قد إنكسفت لموت إبراهيم أبن النبي محمد ، كل هذا غلو وإنحراف في الفكر وفي العقيدة ، بل غلى قوم ببعض الفقهاء معتبرين فتاواهم ممضاة ومقررة من قبل الإمام الغائب المعصوم .
إذن فالغلو هو ظاهرة غير طبيعية و سلوك غير طبيعي مرتبط بالفكر و بطبيعة التفكير ووسائل وأدوات المعرفة ، ولهذا يكون الغلو في حقيقته نقص معرفي وعلمي يؤدي بصاحبه إلى تبني كل ما هو غير منطقي وعلمي من الأشياء ، ولا يقتصر الأمر في ذلك على أهل الديانات السماوية فقط بل هو منهج وسلوك بشري يلجئ إليه قليلي العلم والمعرفة ، نجد هذا في الهند وهم يتبركون في نهر الكنك ظناً منهم إيماناً بقدرته على الشفاء والتطهير من الذنوب ، و نفس الشيء نشاهده في مجاهل أفريقيا ولدى الهنود الحمر ، والعالم حافل بهذا النوع من الإيمان والإعتقاد الخاطئ .
لكن الله ومن خلال كتابه المجيد حارب هذا السلوك في الفكر وحاربه في الإعتقاد ، معتبراً إن ما يقوله أو يردده بعض رجال الدين في هذا المجال هذيان وكفر الهدف منه :
صرف أنظار الناس عن إحتياجاتهم الخاصة .
وتزييف أحكامهم وعقولهم في نظرتها إلى الأشياء .
وإلهائهم في الجدل الخاوي البعيد عن المنطق والعلم .
إذن فالله في كتابه المجيد قد حارب الغلو منهجاً وسلوكاً وحارب كل تواليه ولواحقه ، داعياً الإنسان لكي يفكر بحرية ويحكم على الأشياء من غير مؤثرات ليكون حكمه عليها صحيحاً وواقعياً .
فهو قال لمن آمن أو أعتقد بألوهية المسيح بن مريم : - قاتلهم الله – 30 براءة ، وهي كما ترون عبارة شديدة اللهجة وصفاً ودلالةً ، وهو في معرض الرد على دعواهم قال : - يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ، ولا تقولوا على الله إلاّ الحق : إنما المسيح عيسى أبن مريم : رسول الله ، وكلمته ، ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، .. - النساء 171 .
و قال في مكان آخر : - لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح أبن مريم !!!! ، : وقال المسيح يابني إسرائيل أعبدوا الله ربي وربكم ، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة - المائدة 72 .
وقال في نص لا حق : - وإذ قال الله ياعيسى بن مريم ءأنت قلت للناس أتخذوني وأمي ألهين من دون الله ؟ ! ، قال : سبحانك ! ما يكون لي ان أقول ما ليس لي بحق ، إن كنت قلته فقد علمته - المائدة 116 .
والجدل أو الحكاية في النص المتقدم هي عبارة عن لسان حال المتكلم لا إنها كلام قد وقع بالفعل بين الله والمسيح ، لسان الحال هذا الوصف ورد في الكتاب المجيد كبيان فيه تأكيد من قبل الله على أن عيسى بن مريم لم يقل إنه إله من دون الله ، وهذا التأكيد إنما تحرك وفق السياقات الطبيعية والمنطقية للصفة البشرية والإنسانيه التي يتمتع بها عيسى كما وإنها من مقتضيات نبوته ولوازمها ، إذن فهذا القول يجري مجرى الكلام في قوله تعالى : - وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى ....- الأعراف 172 .
وهو في الحالين تعبير عن لسان واقع الحال المضطرد الدائم الحدوث والسيرورة والوجود ، والمرتبط بطبيعة الإنسان وخلقه وتكوينه .
طبعاً الغلو شاع وأنتشر بين أتباع محمد على نحو واسع ، وأختلفت كل فرقة منهم في كيفية الغلو وطبيعته ، لكنهم يشتركون في الموضوعة نفسها ، ولازال الغلو يضرب في أعماق حركة وإيمان المسلمين فبعض الشيعة قالوا : في الأئمة ما لا يقولونه في أنفسهم ، نعتوهم وصفاً وإشارة بالإلوهية و جعلوهم شركاء لله في ربوبيته ، وقال البعض فيهم : إنهم يرزقون ويخلقون ، و قالت طائفة منهم : إن الله حل فيهم أو أتحد ، و قالت أخرى : إنهم يعلمون الغيب ، و زعم البعض منهم قائلين : بان أئمة أهل البيت قد خلقوا قبل خلق الكون نافين عنهم الحدوث ، و قال البعض : ان معرفة الأئمة تُغني عن جميع الطاعات والعبادات ، وإنه لا تكليف مع المعرفة !!!! هذه بعض الأقوال المشهورة في الغلو والقائلين به ، لهذا قال الشيخ المفيد : إن من غلا في أئمة أهل البيت فقد كفر - أنظر تصحيح الإعتقاد ص131 .
وقال الشيخ الصدوق : إن إعتقادنا في الغلاة والمفوضة ، إنهم كفار بالله تعالى - إعتقادات الصدوق ص 97 .
يتبع