التوسل : من الوسيلة والتي هي السبب التي بها يتم الطلب والدعاء ، و التوسل بمعنى طلب الحصول على المنفعة ودفع المضرة مباح وواجب ولا خلاف عليه ولا مانع منه ، ولكن التوسل حين يكون بغير الله وعلى نحو الإيمان بقدرة المتوسل به على دفع الضرر وتحقيق المنفعة ،
فذلك الإيمان هو الشرك بالله ، لأنه يستلزم أو هو كذلك عدم الإيمان بالله وبقدرته ، ومن هنا فمن يدعوا النبي ظاناً به أو معتقداً بقدرته على جلب المنفعة ودفع المضرة واهم في إيمانه وفي إعتقاده ، لأن ذلك يستلزم الإيمان بقدرة النبي على تحقيق المنفعة أو دفع المضرة وهذا باطل .
والإيمان بقدرة النبي والأولياء إعتقاد نماه بعض رجال الدين في عقول و أذهان بعض الناس مدعين بان قدرة النبي في الفعل تعني قدرة الله ، فظن العوام وأعتقدوا إن ذلك واحد ، ولهذا وجب عندهم الدعاء وطلب الحاجة والتوسل بالنبي وغير النبي ، هذا الخلط في الإيمان والإعتقاد يستدعي من المخلصين ومن رجال الدين الملتزمين تنبيه الناس إلى ذلك ومنعهم من فعله أو الإعتقاد به ، فالإعتقاد الصحيح يعني تنزيه الله أو مماثلته في القدرة والفعل مع أحد من البشر ، ومن أعتقد أو آمن بقدرة غير الله على تغيير حال العباد ومصيرهم هو إعتقاد باطل حتى ولو لم يقصد ذلك المتوسل أو يريده .
نعم إن التوسل المباح و المشروع هو في طاعة الله وإتباع أوامره والإمتناع عن كل ما نهى عنه وحرم ، أي إن التوسل بالعمل الصالح فهو الوسيلة التي يمكنها دفع المضرة وجلب المنفعة للإنسان ، وهذا يعني إن التوسل مرتبط بالعمل الصالح ضرورة ً ، إذن فالعمل الصالح هو الوسيلة التي تقربنا إلى الله وتجعل من طلباتنا عنده مُجابه .
وهذا هو معنى التوسل المباح ومعنى التوسل الممنوع والتفريق بينهما لازم لكي لا يقع الخلط في عقول الناس وأذهانهم ، قد يقول قائل : إن التوسل هو عبادة أو هو الطاعة المشتقة من العبادة .
ونقول : نعم إن كل طاعة مع الخضوع والإيمان هي عبادة ، والتوسل هو إيمان بالمتوسل به لذلك فهي عبادة له وإيمان به من هذه الجنبة ، وعليه فكل شكل من أشكال التوسل بغير الله ممنوع .
نفهم ذلك من قوله تعالى : - وأبتغوا إليه الوسيلة - ، أي أطلبوا العون والمساعدة منه تعالى ، فالطلب الصالح لابد له من وسيلة صالحة ، وقد بين النص ذلك بقوله - و العمل الصالح ينفعه - ، إذن فالعمل الصالح هو الوسيلة التي تقربنا إلى الله ، إذ التقرب إلى الله لايتم من غير العمل الصالح و كرامات الأولياء والصالحين فهو لغو باطل .
نعم يجوز التوسل بأسماء الله وصفاته قال : - أدعوا الله أو أدعوا الرحمن إيما تدعو فله الأسماء الحسنى - ، ولكن التوسل بالنبي أو غير النبي فهو توسل باطل وغير جائز شرعاً ، كما إن التوسل بالموتى غير جائز ، كذلك ولا يجوز طلب العون منهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، كما لا يجوز الإيمان بذلك فالميت حين يموت لا يستطيع دفع الضر عن نفسه أو جلب المنفعة لها ، والشخص الميت هو أعجز المخلوقات كونه فاقد للقدرة على الحركة وعلى الإختيار والإرادة ، ولهذا لا يجوز الإيمان بقدرته في نصرة الأحياء أو مساعدتهم على دنياهم ، ومن ظن أو أعتقد بذلك فهو مضطرب العقل والإعتقاد ، ورد في المأثور عن الإمام علي إنه قال مخاطباً الإنسان في الحالين : - اليوم عمل ولا حساب وغد حساب ولا عمل - أي إن عمل الإنسان هو الضمان له وهو الوسيلة في الدار الآخرة ، ومن جهة أخرى ينبه على إن الميت حين يموت ينتهي فعله وتأثيره على أهل الدنيا ، ومن هنا فالتوسل بقبور الموتى أو زيارتها رجاءاً في قضاء حاجة أو تنفيس كرب ، هو توسل باطل ودعاء غير مستجاب بل فاعله آثم .
قال تعالى : - والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما أستجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم - فاطر 13 و 14 - ، والنص هنا ينفى عنهم في المطلق صفة القدرة على تلبية المطالب أو سماع الدعاء من رأس ، وهذا رد على من تمسك بالقول المزعوم المنسوب إلى النبي قوله : - إذا مات أبن آدم أنقطع عمله إلاّ من ثلاث هي ... أو ولد صالح يدعو له -
ولقد توهمت بعض الفرق الإسلامية في إعتقادها حين آمنت بقدرة بعض الأولياء والأئمة على تلبية دعاء المتوسل والإستجابة له ، إذ إن الله في الكتاب المجيد قد ربط النجاة والرزق والرحمة به دون سواه ، معتبراً كل من آمن بغير ذلك فقد أشرك بالله منبهاً الجميع على أن أهل الجاهلية ومن سبقهم إنما كانوا يتخذون من أصنامهم آلهة معتقدين بقدرتهم .
قال تعالى : - قل أدعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا – الإسراء 56 - .
وقال إيضاً : - قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير – سبأ 22 - .
وهذا واضح بان من يدعوا غير الله فإنه يدعوا من لا يملك القدرة على النفع وعلى كشف الضر ، فالإنسان لا يستطيع أن يحقق للإنسان الأخر في الحياة كل ما يتمناه ويرجوه ، لأن الإستطاعة في هذا الشأن مرتبطة به وحده والإنسان في كل حالاته محتاج ولا يمكن لمحتاج أن يحقق لمحتاج مثله مالم يستطع تحقيقه لنفسه .
قال تعالى : - ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ، وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلاّ هو ، وإن يُردك بخير فلا راد لفضله - يونس 106 و107 - .
وفي هذا النص تتضح الصورة على أن كل مدعو من غير الله لا ينفع ولا يضر ، وإذا كان ذلك كذلك فماالفائدة المرجوة من دعوة من ليس بيده القدرة على النفع وعلى الضر ، ثم إن النص يتحدث عن ماهية الإيمان الواجب والإعتقاد الواجب ، فمن به عاهة أو مرض خلقي لا يمكن لولي ان يشفيه أو يصلح حاله ، ومن أدعى ذلك فقد كذب على الله ، لأن هذه القدرة وهذه الإمكانية من لوازم وخصوصيات الله وحده ، نعم قد يقول قائل : إننا حين ندعوا هؤلاء الصالحين إنما نريد بدعائهم جاهةً عند الله ، أي إننا لا نعبدهم ولكن نسأل الله بجاههم عنده ، والعبادة غير الدعاء
قلت : إن دعاء غير الله على أي نحو كان والإستعانة بغير الله على أي نحو كان هو إيمان بهذا المدعو ، وهذا شرك ولُبس في الإعتقاد ، بدليل إن أهل الجاهيلة كانوا يدعون أصنامهم كي تقربهم إلى الله زلفى ، قالوا : - ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زلفى - الزمر 3 - ، أي إننا إتخذناهم الواسطة والوسيلة التي نتقرب بها إلى الله ، وهكذا يفعل اليوم الكثير من الناس حين يدعون فلان وفلان لكي ينجيهم أو يكشف عنهم الضر ، وقد نبه الكتاب المجيد إلى خطورة ذلك بقوله : - ومن الناس من يتخذ من دون الله انداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله - البقرة 165 - .
ولكي نصحح الإعتقاد يلزمنا تصحيح الإيمان والتعرف على الله والإيمان بكونه قريب وليس بعيد ، ويستجيب لكل من دعاه فهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، قال تعالى : - أدعوني أستجب لكم - غافر 60 .
وقال : - وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني - البقرة 186 .
وقال : - أدعوا الله أو أدعوا الرحمن إيما تدعو فله الأسماء الحسنى - .
ومن هنا فكل دعاء بغير الله هو دعاء باطل وصاحبه مأثوم ، وكل توسل بغير الله باطل ، ومن ظن أو أعتقد بقدرة غير الله على جلب النفع ودفع الضرر فهو مختل الإيمان مضطرب العقيدة ، وعليه فكل توسل بغير الله باطل وغير صحيح بل غير جائز ...