بغداد- واشنطن - وكالة الصحافة العراقية
قالت صحيفة نيويورك تايمزان إعلان نتائج الانتخابات يوم الجمعة الماضي شكل تحدياً مباشراً لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي ومؤيديه في ائتلاف دولة القانون الذين سارعوا لإطلاق الاتهامات التي افادت بحدوث تلاعب وتزوير بالنتائج مع التلميح على نحو غير واضح الى سلطة رئيس الحكومة بوصفه القائد الأعلى للبلاد ،
ولم يتردد زعماء عدد آخر من الأحزاب التي لم تحقق النتائج المتوقعة في الانتخابات في اطلاق اتهامات مماثلة مما يؤكد طبيعة الثقافة السياسية في العراق التي تقوم على اساس كسب شيء ورفض التساوم أو الحلول الوسط، وانما تحكمها نظرية المؤامرة، كما يرى تيموثي وليامز في النيويورك تايمز.المراقبون الغربيون ولجنة الانتخابات المستقلة أكدوا عدم رصدهم لأية مؤشرات عن حدوث تلاعب واسع النطاق، ومن الواضح أن علاوي تمكن من الحصول على اصوات ملايين العراقيين السنّة الذين كانوا قد قاطعوا الانتخابات البرلمانية عام 2005 واستطاع بذلك هزيمة منافسه الأول المالكي بالسيطرة على 91 مقعداً في البرلمان مقابل 89 لرئيس الحكومة.غير أن هذه النتيجة لا تحقق له الأغلبية المطلوبة ليتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة وهي 163 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 325.ويعتقد العديد من خبراء السياسة العراقية بأن علاوي لن ينجح في تشكيل ائتلاف حاكم، بل وحتى لو تمكن من ذلك لن يتحقق هذا الأمر على الأرجح إلا حتى حزيران المقبل على أقل تقدير مما يفتح الباب أمام فترة قد تتسم بالتوتر والاضطراب يمكن أن يستغلها المالكي بصفته في هذه الفترة رئيسا لحكومة تصريف الأعمال، ويعمل على تغيير موازين القوى على الساحة السياسية.وفي بيان يبدو أنه يعكس قلق الاميركيين، امتدح السفير الاميركي لدى بغداد كريستوفر هيل، والقائد العسكري الاميركي في العراق الجنرال راي أوديرنو ما وصفاه نزاهة الانتخابات بشكل عام، وطالبا مختلف الأطراف السياسية بالامتناع عن إثارة عواطف الناس قولا وفعلا، لاسيما أن الكثيرين كانوا يأملون بأن تضع الانتخابات نهاية للسياسة الطائفية في العراق.لكن رغم أن الانتخابات الأخيرة نسفت القالب السياسي الطائفي الذي أوصل المالكي الى السلطة في 2005 حينما هيمن تحالف الأحزاب الشيعية على الانتخابات، تؤكد النتيجة الراهنة من جديد الانقسامات الطائفية في مختلف المناطق، وتبين مدى عمق الانقسام بين العرب والأكراد.بيد أن نتائج التصويت، كما يرى تيموثي وليامز، تعكس الى حد ما حالة عدم الرضى على قدرة المالكي في توفير الأمن والخدمات العامة والوظائف للمواطنين. وبالمقابل، يبدو أن صورة علاوي كزعيم قوي، افتقدها العراقيون منذ سقوط صدام، جذبت العراقيين الذين سئموا من هيمنة الأحزاب الدينية على السياسة العراقية.على أي حال، تراوح رد فعل الشعب على إعلان نتائج الانتخابات بين الفرح العارم والخوف. فبينما احتفل البعض بذلك في الشوارع بإطلاق منبهات السيارات والأعيرة النارية في الهواء، عمد البعض الآخر الى تخزين المواد الغذائية والمؤونة تحسباً لأعمال العنف التي ربما تعود للشوارع من جديد.غير أن علاوي المبتهج بالنتائج قال إنه سوف يعمل مع أية مجموعة ترغب بالانضمام إليه في تشكيل الحكومة، إلا أن إنجاز هذا الهدف يفرض عليه التغلب على عداء مستحكم، ليس فقط بينه وبين المالكي، بل ومع كتلتين سياسيتين كبيرتين أيضاً تتمثل الأولى في الأكراد الذين حصلوا على 43 مقعدا في البرلمان، وتبرز الثانية من خلال الائتلاف الوطني العراقي الذي نال 70 مقعداً ويقوده جزئياً رجل الدين المناهض لاميركا مقتدى الصدر الذي يبرز الآن كلاعب اساسي بين مختلف الكتل السياسية الأخرى.يحدث هذا في وقت يتسم فيه المناخ السياسي بتباين واضح بين موقف علاوي وبين معسكر المالكي الذي تعهد بغضب مساء الجمعة بتحدي نتائج التصويت "المزيفة"، قائلا: لا يمكن أبدا القبول بهذه النتائج لأنها أولية وليست شاملة.ومن الواضح أن العراق عاد من جديد ليقف أمام مفترق طرق، اذ يقول جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية: بالرغم من أن علاوي شخصية براغماتية يمكن أن تتوصل الى اتفاق مع الأكراد، وبعض الفصائل الشيعية في محاولاتها تشكيل الحكومة، إلا أن القوميين العرب السنّة الذين صوتوا له في دوائره الانتخابية الرئيسية لن يقبلوا بأي تحالف مع الأكراد ما لم يقدموا (الأكراد) تنازلات مستحيلة على ما يبدو في كركوك ومناطق متنازع عليها اخرى، وهذا يمكن أن يؤدي لتجمع الأحزاب الشيعية من جديد، وتشكيل حكومة جديدة مماثلة للحكومة الراهنة.وبحسب تيموثي وليامز، فان فشل علاوي في تشكيل حكومته الجديدة يمكن أن يقوم بهذه المهمة عندئذ المالكي الذي سيسعى في هذه الحالة على الأرجح الى تسوية تستند الى المصلحة مع الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده الصدر. وهكذا يكون علاوي قد جاء الأول في الانتخابات، لكن الاحتمال يشير الى أن المالكي هو من سيعود لرئاسة الحكومة من جديد