هذه الجدلية المتعددة الأطراف والتي يقودها شعب إيران صاحب التاريخ الحضاري المتنوع ، والفاعل في ساحة الحضور الأقليمي والدولي ، وتلك حقيقة يجب التوكيد عليها منذ البداية ، لكن إيران بعد الثورة مرت بأطوار هي في المجمل اطواراً غير محمودة ، لأنها عبارة عن صراع وعن شغب وعدم تركيز ومناكفات ، أفقدت في الثورة روحها وأهدافها ومعناها .
فكان الدمج المتعمد بين السياسة والدين أول الأثافي الذي أفقد الدين معناه ، وحركه تبعاً لمزاج السياسة ورغباتها ، ظهر لنا ذلك في إيران بالنسخة المعدلة عن مفهوم سد الذرائع تحت عنوان – تشخيص مصلحة النظام – هذا الذي يجعل من الغاية تبرر الوسيلة تبعاً للمبدأ الميكافيلي سيء الذكر ، الذي بظله يفقد الدين مفهومه الخلقي والقيمي ، فتغيير حركة الدين وفق حركة مصالح الحوادث هو تغيير في المطلق تبعاً للنسبي ، وهذه إشكالية يجب النظر إليها بعين الرعاية والإهتمام دون تجاوزها أو تبريرها .. ،
نعم : إن إيران بعد الإنقلاب تأخرت في مساحة الوعي وزيد من جرعات الدكتاتورية في الرأي فيها ، يظهر لنا ذلك في التشويه المتعمد للفكر الآخر والرأي الآخر ، طبعاً الفكر الذي نقصده هو فكر من داخل المنظومة الدينية وحصرياً في الموقف من - ولاية الفقيه - ، المختلف فيها عند الفقهاء ، من أجل ذلك جرى تنكيل بمراجع الدين لا لشيء إنما لموقفهم الفقهي المغاير لموقف السيد الخميني ، نذكر من هؤلاء السيد شريعت مداري والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد الشيرازي ، ومعظم مراجع النجف وأغلب مراجع إيران .
ومن عاش تلك الإيام منذ بدايتها يتذكر الشعار القائل : من لم يعترف بولاية الفقيه فالموت له - وبناءً عليه ضيق في أمر التعامل مع الغير ، وصار الشعار على النحو التالي : من لم يكن مع ولاية الفقيه فهو ضدنا ، وقد سجلت ثقافة الإنقلاب في تلك الإيام أسوء ما يمكن تصوره من أعمال ضد المخالفين والمختلفين ..
وفي هذا السياق ومن أجله جرى إصرار متعمد على إطالة أمد الحرب مع العراق ، وأصبحت الحرب بمثابة المقصله التي تقطع رأس كل من يخالف في الرأي والتوجه ، يأتي هذا مع فقدان الشعور أو الأمل بالنصر في الحرب ، وصارت الحرب مع الإيام هي حرب للحرب ليس أكثر ، حرب أزهق فيها من الأرواح الكثير ، وتبددت فيها من الطاقات الكثير ، ومنها ومن خلالها زيد من النقمه على برامج الحرب ، ظهر ذلك في الجامعات وفي المنتديات ولدى رجال الدين ، ولم يبق مع الإنقلابيون سوى المنتفعين من أصحاب المصالح وبعض قليلي الحيلة ممن راح أبنائهم ضحايا أعمال غير محسوبة في الحرب وسواها .
وفي خضم هذا التوتر كان الصراع يدور بين قوى الثورة وصانعيها الفعليين عن الجدوى من الإستمرار بمنطق الثورة والإستمرار في إطالة أمد الحرب ، ومن المسؤول عنها ؟ وماهي الفوائد التي حصل عليها الشعب ؟ ، أخذت هذه الحوارات والسجالات شكل رسائل متبادلة بين الشيخ المنتظري وبين السيد الخميني رسائل في السر والعلن ، أستشعر الناس منها إن الثورة في واد والشعب في واد آخر ، فالمعانات والألم في ازدياد ، والنقص والبطاله في تراكم ، وفقدان الشعور بالمستقبل والوعود الكثيرة والتخلف في العيش وفي طرق الحياة ، كل هذا جعل من الشيخ المنتظري يلح في التذكير بالخطأ الذي تمارسه الدولة ، ويطلب بوجوب التصحيح والمراجعة ، وتغيير وسائل وإدارة الدولة ، في السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة ، والإستماع لمطالب الشعب دون التحدث نيابة عنهم ،
لهذا كان يقول : إن إطالت أمد الحرب أفقدت الثورة عنصر فاعليتها وحيويتها وأهدافها ..
وكان يقول : في الممارسة فقدنا روح الثورة وشعارتها وفقدان وصايا الإمام علي – ع - ...
وكان يقول : لقد أضعنا الدين حينما أنغمسنا بالدنيا من دون التأثير فيها ..
وكان يقول وقال : إن الإصلاح مهمة قام بها الأنبياء والأولياء العظام ، والدولة التي لا تعمل من أجل الإصلاح تفقد مبررات وجودها ..
ولأن شعب إيران شعب حي ، يعرف حدوده ويرفض ان يقوده غيره ، لهذا رفض التدخل الأجنبي ، ورفض المساعدة المباشرة ، ورفض الحصار الإقتصادي ، وتوجه من أجل الإصلاح عن طواعيه للأنتخابات مؤمناً بحقه في التغيير من الداخل وهذا ما يكفله له الدستور ، شارك في الإنتخابات لشعوره بوجوب التغيير والإصلاح ، وقد فاز في الإنتخابات السيد مير حسين موسوي بأغلبيه واضحة ، لكن هذا الفوز سحقته يد الدكتاتوريه ، قالبت الموازين ومذكرة الشعب الإيراني بالإيام السود التي سبقت الثورة في سنة 1979 ، معلنة فوز نجاد !!! مع إنه يعلم إنه غير مرغوب فيه ولا مطلوب من قبل الشعب ، وبدل الإستماع لرأي الشعب قمع بقوة ، وقتل الكثير ، وزُج بالكثير في غيابات السجون ، وقيل إن ذلك من عمل الغرب وأعداء النظام !!! في مناكفة مفضوحة ..
وفي هذه الأثناء كان لمراجع الدين في قم رأي حازم في حرمة التعامل مع حكومة نجاد بإعتبارها حكومة غير شرعية وحكومة مغتصبه للحق الشعبي ..
إن الإصلاح في إيران ينبع من حاجة الشعب إليه ، وهو يرتبط بتطور وسائل الإنتاج والمعرفة لديه ، والشعب في هذا هو صاحب الشأن والمصلحة ، وله الحق في تقرير مصيره بيده ، وتقرير مصير من يحكمه ، وبما إن الشعب الإيراني : يطلب الإصلاح ، ويريد التغيير ، فعلى جميع المسلمين مساعدته في ذلك ونصرته عملاً بقول رسول الله – ص - : [ من سمع من المسلمين من ينادي ياللمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم ] ، والعالم أجمع ونحن منهم ، سمعنا إستغاثة هذا الشعب في الشوارع وعلى أسطح المنازل وهو يردد – الله أكبر - على الظلم وعلى فقدان الأمن والعدل والحرية والسلام – الله أكبر - على سيادة الدكتاتورية ..
إن نصرة إيران وشعبها في بلوغ الإصلاح واجب شرعي وأخلاقي ، طالما يريد هذا الشعب ذلك ، وطالما يعمل إليه ما أستطاع إلى ذلك سبيلا قال تعالى : [ إن أريد إلاّ الإصلاح ما أستطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب ]