سمعة الليبرالية في العراق طيبة، او اكثر من طيبة، لكن سمعة الليبراليين(او بعضهم) ليست كذلك دائما، كما هو الحال في القول عن ان سمعة الاسلام في العراق لا غبار عليها فيما الغبار يحيط بالاسلاميين(او بعضهم ايضا) والالتباس هنا مردّه الى جدل(وقل مشكلة) النظرية والتطبيق، فثمة الكثير ممن يبشرون بقيم العدالة، مثلا، لكنهم ليسوا عادلين في الواقع.
الليبرالية، باختصار، الافكار(السياسات) الحرة غير المقيدة بمسار ايديولوجي محدد، وهي من جانب آخر(اذا شئنا التزام التعريف المدرسي) تتسع لاطياف كثيرة تمتد من اقصى اليسار الفوضوي حتى اقصى اليمين الاستعماري، لكن الليبرالية في العراق لم تصبح بعد تيارا سياسيا بمعالم واضحة، وان البيئة السياسية لم تنضج بعد لتنتج(او تستعير) تيارات لها شأن، وقد تكون النظرية الشائعة التي تذهب الى ربط الليبرالية بالمجتمع الصناعي الحر والسوق المفتوح صحيحة الى حد بعيد.
مرة اخرى ندخل في اشكاليات التعريف والمصطلح عما تعنيه الليبرالية، حقا، ومن هم الليبراليون الحقيقيون، في ظروف عراقية يمتلئ فيها سوق المبادئ بالبضاعة المغشوشة، ومرة اخرى، واخرى، تلجأ البعض من الكتابات الى تبسيط الامر مثل تسريب القول بان الليبرالية خروج عن المألوف(وهي كذلك في بعض تطبيقاتها) او انها عريقة في البنية الثقافية والابداعية العراقية، ومنها انبثقت حركة الشعر الحر وقد شكل رواده، كما يُعتقد، هيئة اركان الليبرالية في العراق.
ويبدو ان الحديث عن الليبرالية لن يعبر من فوق السؤال المهم: لماذا تحرّم(وتجرّم) الدولة الدينية والشمولية والدكتاتوريات وحكومات الحزب الواحد وانظمة الاستبداد والقبيلة والعائلة والتوريث والعسكر النشاط الليبرالي(الحر) حتى في ابسط اشكاله ذي الصلة بحقوق الفرد في الملبس والاعتقاد والانتماء، وفي هذه الحقيقة قد نجد مدخلا مناسبا الى استعجال القول ان الليبرالية في ترجمتها العراقية نقيض الصرامة، ومن هنا تأتي وجاهة وضرورة واهمية نشر افكار الليبرالية في المجتمع العراقي، في المعنى الذي يخدم تفكيك ثقافة التشدد والخوف والتطرف والاملاء وكل منتوجات الاستقطاب الطائفي والشوفيني والعنصري.
الامر الواضح هو التالي: ثمة حاجة عراقية لافكار الليبرالية في موصوفها المناهض للقهر، وثمة حاجة اكثر الى ليبراليين عراقيين شجعان يأخذون بايدينا الى عراق حر ننعم فيه بحرية لا حرّاس لها، وكرامة لا يُمنّ بها.. وبقلم لا يخاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
“وهانَ، فما ابالي بالرزايا
لأني ما انتفعت بانْ ابالي”
المتنبي