هذه الإشكالية المفاهيمية هي إشكالية أنطولوجية من جهة و جيو سياسية من جهة ثانية ، ولأنها كذلك فقد يلجأ اليها في الغالب الفارين من الوطن أو المغامرين الذين لا ينتمون لمفهوم الدولة الواحدة ، وحديثنا هذا يتناول طبيعة الألفاظ وطبيعة المصطلحات وكذا طبيعة السلوك السياسي والإجتماعي لدى البعض
.
ونحن في وعينا التاريخي والمجتمعي النفسي لانميز بين كركوك والبصرة فكلاهما عندنا يعبران عن مسميات لمحافظات عراقية ، لايهمنا في ذلك ما تحتويه كل واحدة منهما من ثروات ، المهم عندنا تكوينهما العام وإرادتهما وعلاقتهما بالوطن ، مع التأكيد على ان لكل محافظة من محافظات القطر شخصية اعتبارية مستقلة بذاتها بها تعرف وبها تحدد ملامحها وترسم صورتها الأدارية وتطورها وفاعليتها ، وكركوك لاتشذ عن هذه الرؤية التي هي عبارة عن موروث إجتماعي وخلق وثقافة سياسية تربينا عليها ونعتقد بصحتها ، لأنها ترتبط بمفهوم - وحدة الشعب ووحدة الدولة – هذا المفهوم المنتزع من روح الأمة العراقية ووجودها وتكوينها ، ولهذا فهو صيرورة إجتماعية وتاريخية ألفها المواطن في حياته وعاشها في وجدانه ، وهذا ينسجم مع ميولنا ورغبتنا في الإنفتاح والتلاقح وتغذية قدرة البلد بما يعزز من إمكانية تطوره ونمائه .
مضافاً إلى هذا إن القرارات التي تمس تكوين الوطن ووجوده لاتتخذ ولايتم تبنيها في ظل ظروف أستثنائية قهرية ، ولايجوز ان تتم وفق رغبة المحتل وإرادته ، فالشرط الموضوعي الضامن لصحتها وتبنيها هو ان تتم في ظل فضاء من الحرية والسلام والأمن وهذا الشرط معدوم في العراق وهو واضح جلي ، كما لايمكن إعتبار أو جعل نظرية التجزيء هي الحاكمة لأنها حتماً ستؤدي إلى خلق فكر شوفيني مستبد يلغي دور الشعب فيما يخص قضاياه الأستراتيجية والمصيرية .
كما لا يمكن إعتبار [قانون – بريمر - لإدارة الدولة سيء الصيت ] بمثابة التشريع الذي يمكنه تحديد شكل ونوع الوطن ، وكلنا يعلم مدى الخروقات والضعف في ذلك القانون المشار إليه ، فنظرية التقسيم الجغرافي والفيدرالية القومية والطائفية وأحتساب صوت ثلاث محافظات وتغليبه على صوت مجمل الشعب هي واحدة من سوءآت ذلك القانون !!
والقانون الدولي صريح في وجوب العودة إلى الشعب كل الشعب وأستفتائه فيما يخص مستقبله ووحدة نظامه ومؤوسساته [ أي إنه يلزم أخذ رأي الشعب في تقرير مصيرية وحدود دولته ونظامه السياسي ] .
فتفتيت الوطن الواحد حسب ظن سياسي عرقي أو طائفي وديني يُعد مخالفة قانونية وأخلاقية وتشريعية ، ولقد أشرنا في غير مناسبة إلى أهمية وضرورة إعادة النظر في المادة 140 من الدستور ، أي يجب قراءتها وتحليل مفاهيمها حسب دلالة النص في شرطه ومقتضاه ، والإعادة التي نطالب بها تنطلق من حرصنا في السير وفق العملية السياسية الديمقراطية التي هي إرادة الشعب الذي يرفض التحايل عليه أو تمرير مخططات تهم أمنه و مستقبله وتقرير مصيره ، وشعبنا كما هو معلوم للكافة لم يتخلص بعد مما يعانيه من فوضى وفقدان الأمن والتوازن وقلة الحيلة وهيمنة العقلية المتخلفة علية ، ولااظن إن الداعين إلى حسم قضية كركوك جادين بالفعل في مطلبهم ، إنما هم يحاولون جس النبض العام وملاحظة ردات الفعل المتنوعة ثم الحكم على أساسها ، ومعلوم إيضاً إن العراق يعاني الآن من تفشي ظاهرة النفاق السياسي بين القوى والتيارات فيه ويعاني البعض ممن يشتغل في السياسة من فقدان الشعور بالحس الوطني النزيه ، ولنكون أكثر دقة في تسمية الأشياء بمسمياتها - فكركوك محافظة عراقية - لها خصوصية ما ، ولكن ذلك لا يعني أبداً تفردها فهي كباقي محافظات العراق عبارة عن نسيج من أعراق شكلت هوية العراق التاريخية والمعاصرة ، ومن يحاول كسر هذه الخصوصية عبثاً فهو إنما يكسر ذاته ، وأنا كلي ثقة بالراشدين وثقتي برئيس الجمهورية كبيرة وبرجاحة عقله وسعيه الدؤوب ليكون العراق واحداً موحدا ، ولتكون الفيدرالية فيه هي لتعزيز هذه الوحدة كما في كل بلدان العالم المتمدن ولتكون كركوك عاصمة العراق الجديد ..