لا يشك أحد في أن الجيش الجورجي قد ُهزم هزيمة نكراء على أيدي القوات الروسية. ويتساءل الروس هل ثمة من كان يشك في هذه النتيجة؟ الرئيس الروسي أعلن عن انتهاء عملية فرض السلام على جورجيا، كما ُتسمى في موسكو،
وأعلن أيضا هزيمة جورحيا وتكبد جيشها خسائر فادحة للغاية. أما الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي فقد أخطأ في الحساب مرتين. الأولى عندما راهن على أن روسيا لن تدخل الحرب لحماية أوسيتيا الجنوبية من الهجوم العسكري الجورجي الذي بدأ في السابع من أغسطس الجاري. والمرة الثانية عندما راهن على تدخل عسكري أميركي أطلسي مباشر ضد روسيا. ويبدو أن ساكاشفيلي يشعر الآن بالحسرة من جراء عدم مسارعة الولايات المتحدة لإنقاذه عسكريا حيث علق على تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش المنتقدة لروسيا، بالقول إن جورجيا تنتظر أكثر من التصريحات الكلامية. مراقبون روس يعتقدون أن الرئيس الجورجي كان ينوي الاستيلاء على أوسيتيا الجنوبية ويدعو الغرب لإدخال قوات دولية إليها وطرد قوات السلام الروسية. ولكن "السفن الحربية الروسية" جاءت بما لا يشتهي ساكاشفيلي.
الرئيس الجورجي، لا ندري بقصد أم من دون قصد، أجرى اختبارا لروسيا وقدرتها في عهد رئيسها الجديد ميدفيديف ورئيس وزرائها القوي بوتين. بوتين عمل طوال ثماني سنوات على إنهاض روسيا وإنهاض جيشها ولذلك لم تتأخر موسكو في الدخول بقواتها إلى جورجيا بعد مقتل عدد من قواتها لحفظ السلام في أوسيتيا الجنوبية ومئات المدنيين ممن يحملون الجنسية الروسية. وكان الرد حاسما، وكانت الرسالة للغرب والولايات المتحدة قاطعة. رسالة تقول "إن الدب الروسي قد استيقظ من سباته في التسعينيات زمن الرئيس يلتسين".
صحوة الدب الروسي لها أبعادها الجيوسياسية والجيو اقتصادية. فالقوقاز منطقة مصالح تاريخية لروسيا وكانت لوقت غير بعيد جزءا من الدولة السوفيتية. وهي منطقة حيوية للأمن القومي الروسي من غير المسموح التلاعب بها. وجيواقتصاديا القوقاز به ثروات كبيرة من موارد الطاقة ومسارات نقلها إلى الغرب، وحتى لا يتضرر الغرب ينبغي عليه أن يفهم أن الكلمة العليا في هذه المنطقة ستكون لروسيا التي لها مصلحة أيضا في نقل نفط هذه المنطقة ونفط آسيا الوسطى عبر أراضيها. لا ندري ما إذا كان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة قد فهم الرسالة الروسية أم لا... يتساءل الروس.
ويقول مراقبون ورجال سياسة روس إن روسيا برئيسها الجديد ورئيس وزرائها القوى قد نجحت في الاختبار الأميركي الأطلسي وأثبتت أنها لن تكتفي بالكلام فقط وإنما ستلجأ إلى الأفعال أيضا لحماية مصالحها وهيبتها. والآن على واشنطن والعواصم الغربية ـ كما يقول الروس ـ أن تتحمل المسؤولية عن سلوك الرئيس الجورجي الذي ترفض موسكو التفاوض معه. لا شك أن ساكاشفيلي هو الخاسر الأكبر مما حدث ولذلك يتوقع مراقبون روس أن يغادر المسرح السياسي الجورجي عاجلا أم آجلا. المصادر العسكرية الروسية تؤكد أن ساكاشفيلي فقد القسم الأكبر من قدراته العسكرية حيث دمرت أنظمة الدفاع الجوي وأنظمة التحكم والاتصال لجيشه الذي أنفق عليه أموال طائلة في الفترة الأخيرة بدعم أميركي وإسرائيلي وأطلسي وأوكراني.