في البداية يجب ان نقول : نحن مع كل ما من شأنه إيجاد قواعد للعمل والبناء المشترك في البيت الإسلامي والإنساني الواحد ، يدفعنا إلى ذلك إيماننا بوحدة الدين ووحدة الإنسان ، فالناس كل الناس صنفان : [ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ] ،
وهذه الحكمة تنطلق من رؤية موحدة للدين والإنسان رؤية جامعة ، ومن أجل هذا نحن مع هذه الخطوة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية في إيجاد قواعد للعمل الإسلامي والإنساني المشترك ، ونبذ مفهوم - الأنا الذاتي - الذي يروج له في الخفاء عبر منظمات وأحزاب وقوى راديكالية تاريخية في معظمها ، صحيح إن هذه الخطوة جاءت متأخرة عن وقتها بكثير ، ولكن الصحيح إن حاجة المجتمعات العربية والإسلامية والدولية لها ماسة مادام القلق وعدم الإنضباط والفوضى واللانظام وعدم الثقة هي من يحكم طبيعة العلاقة مع الآخر ومع الغير .
ومادام الهدف نبيل والنوايا حسنة ولنقل إنها بدأت تنضج وتستوعب طبيعة التغاير الطبيعي والمفهومي أكبر من أي وقت مضى ، لذلك كان لازماً وواجباً على السعودية بحكم مسؤوليتها و بحكم موقعها وبحكم كونها أرض الرسالة والنبوة لهذا كله فهي معنية بدرجة كبيرة بإدارة حوار في البيت الإسلامي أولاً ، وذلك كمقدمة لازمة وضرورية لإدارة حوار أوسع وأشمل مع أهل الكتاب ومن الديانات الأخرى .
وهذا التوجه الممدوح من قبلنا ينطلق كما نظن من حرص أكيد على تلافي الخلل الذي أحدثته موجة العنف والكراهية والفهم الخاطئ والتفسير التراثي للدين والحياة والكون ، التي سببت أرباكاً لنا جميعاً حول طبيعة الدين الإسلامي وفلسفته للحياة ، وكيف يجب ان تكون ؟ وما من شك إن الشق السياسي في هذه المسألة هو الغالب في توجهات المؤتمر ، وهو توجه في رأينا صحيح من وجوه عدة ، فالخلل في العلاقات الدولية ومع العالم الإسلامي ينطلق من مشروع الإسلام السياسي الذي تعاظم مع إنتصار ثورة إيران ، ومنه تكاثر هاجس العمل الإسلامي وزادت حدة المظاهر الإسلامية التاريخية وأنتشرت على نحو واسع ظواهر من قبيل رفض الآخر ورفض ثقافته وطريقة حياته والمحاولة من أجل إستبدال ذلك بثقافة إسلامية ، كما زاد في الوقت نفسه إعتماد لغة في تقسيم الناس لغة طائفية ومذهبية ودينية وقومية دعوات في مجملها شوفينية ، ساهمت بشكل واضح في موجة التفجيرات التي طالت أناس أبرياء في المجمل ، معتمدة في ذلك على خطاب تعبوي تحريضي في القتل والإرهاب كالذي قامت به منظمة القاعدة ضد دول عربية وإسلامية وعالمية ، خطاب أحدث فجوة واسعة في علاقة المسلمين فيما بينهم وعلاقتهم في العالم الغربي ، فجوة ليس من السهولة بمكان غض الطرف عنها أو تجاوزها لما سببته على المستوى الأستراتيجي ومادفعت إليه من قتل مروع وإجتياح لبلدان إسلامية وعربية في أفغانستان والعراق .
مؤتمر مكة كما علمنا يحضره جمع من رجال دين قريبين من السلطة والأنظمة الحاكمة ، وهذا بما هو قد لا يكون له أثر واضح في تسهيل مهمة الحوار وتطويره شعبياً ، كما إنه يراودنا شك في إن يكون لهذا الحوار قدرة على تبديد المخاوف وبناء الثقة في العلاقات الإسلامية والعلاقات مع الغير ، أضف إلى هذا وذاك تمسك أطراف إسلامية بمنظومتها الفكرية العتيقة وإعتبار تلك المنظومة أشياء مقدسة لا يجوز الخروج منها على أي نحو ، والتقديس كما نرآه لا من حيث بنيتها الداخلية وصحت متبنياتها بل لما توفره لهم هذه المنظومة من سلطة وهيمنة ووضع إجتماعي وإقتصادي معين .
والخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف سياسي بأمتياز أعني إنه ليس خلافاً دينياً !!، إذ إن منشئه في الأساس سياسي ودوافعه وغاياته كذلك سياسية ، إذ لم يكن للنبي خليفة في الدين ولم يكن للرسول خليفة في الرسالة ، إنما هناك خلافة سياسية ، وهذه تخضع للعوامل المحلية وطريقة التعاطي معها ، وزيادة في الإيضاح لم تكن خلافة أبي بكر خلافة للنبي أو للرسول بل هي خلافة في الحكم خضعت للعامل الشعبي في الإنتخاب والصيرورة ، وحتى من يرفض ذلك يعتمد على المنهج الطبيعي في الكيفية الواجب أو اللازم توفرها بالحاكم السياسي ، وهي في غالبها بل في معظمها شروط موضوعية لا دخل للدين فيها ، إلاّ من حيث كون المتصدي لها على قدر كبير من الوثاقة والعلاقة مع قوانين الرسالة ومدى فهمه وإستيعابه لها .
وفي هذا المجال قدم لنا - الشيخ الركابي- دراسة مفصلة في ذلك بكتابه [خطاب المشروع الوحدوي بين الفكر والممارسة ] كتاب موضوعي تناول فيه مجمل العلاقة بين الحاكم والمحكوم وكذلك قدم لنا كيف يجب ان تكون طبيعة النظام السياسي في الإسلام ، وفي الكتاب إيضاً أفتى - الشيخ الركابي - : - بجواز التعبد بمذهب أهل السنة – في خطوة هي الأولى حسب ما أعلم في المدرسة الشيعية لم يسبقه إليها أحد من قبل ، وهي كما قرأت جاءت كجواب رد على الفتوى التي أصدرها - الشيخ محمود شلتوت - : - بجواز التعبد بمذهب الشيعة الأمامية - ونحن بهذه المناسبة ندعوا المؤتمرين إن يؤسسوا على ما جاء في هذه الدراسة ويبنوا عليها ، وهذا ما يجعلنا نطمئن لطبيعة النوايا ولما يُراد منها بالفعل ..