لقد بينت حرب العراق حدود القوة الأمريكية. لذلك ينبغي علينا أن نغير أمريكا وليس العالم.
أصبح وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد شخصية سيئة السمعة وموضع انتقاد في الولايات المتحدة.
أما خليفته روبرت جيتس فهو على العكس محط إعجاب من الجميع على نطاق واسع لأنه أظهر مجموعة من السمات التي كان يفتقر إليها رامسفيلد، من بينها على الأقل أنه على استعداد للاستماع إلى الآخرين. بيد أننا نرى أن الاثنين وجهان لعملة واحدة في نقطة حيوية: فيعتقد الاثنان أن الولايات المتحدة ليس أمامها بديل غير شن حرب عالمية من المرجح أن تستمر لعدة عقود.
لم يضيع رامسفيلد أي وقت عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر لكي يخبر الأمريكيين بما ينبغي عليهم أن يتوقعوه. قال رامسفيلد في الثامن والعشرين من سبتمبر ،2001 انسوا كل شيء اسمه «استراتيجيات الخروج» أو الانسحاب. إننا ننظر إلى عمليات مستمرة ليس لها مواعيد نهائية.
من ناحيته جاء روبرت جيتس في كلمة له في وست بوينت خلال الشهر الماضي ليردد نفس كلام رامسفيلد حيث قال: «ليس هناك استراتيجيات للانسحاب». بل ــ إنه أشار إلى «حملات أجيال» تحتاج إلى سنوات عديدة من الصبر والمثابرة والقتال في كل أنحاء العالم.
إن إمكانية مواصلة حرب دائمة لها دلالاتها بالنسبة للولايات المتحدة.
ومع قرب انتهاء العقد الأول من الصراع الطويل أو صراع الأجيال، ما زال الأمريكيون لا يدركون على وجه الدقة الغرض من الحرب. هل الهدف هو ضمان الوصول إلى النفط بأسعار رخيصة وبكميات كبيرة؟ هل هو نشر الديمقراطية؟ هل هو منع الانتشار النووي؟ هل هو إدامة الإمبراطورية الأمريكية؟ هل هو المحافظة على أسلوب حياة الأمريكيين؟ لقد كان واضحا من البداية أن المشروع الذي يسميه روبرت جيتس حاليا «الحرب الطويلة» يرمى إلى تحقيق كافة هذه الأهداف بل وما هو أكثر منها.
عودة إلى سبتمبر ،2001 حيث قال رامسفيلد، «أمامنا خيار واحد - إما أن نغير أسلوب حياتنا، وهذا خيار غير مقبول، أو نغير أسلوب حياتهم، وقد اخترنا الخيار الأخير» وهنا ينبغي التوضيح أن «هم» تعني مليار من المسلمين الذين يعيشون في الشرق الأوسط الكبير.
عندما أعلن رامسفيلد هذا البيان حول الهدف من الحرب، وعندما ألزم الرئيس جورج بوش الولايات المتحدة بخوض حرب مفتوحة، افترض الاثنان- بوش ورامسفيلد - أن التفوق العسكري الأمريكي ليس محل أدنى شك. وشاركهما في هذا الافتراض معظم الأمريكيين. فقد كان هناك اقتناع تام بأن القوات الأمريكية لا يمكن لأحد أن يوقفها، مما ــ جعل فكرة تغيير الشرق الأوسط الكبير مقبولة ظاهريا.
لكن وعندما تحدث روبرت جيتس خلال الشهر الماضي، كانت حدود القوة الأمريكية قد ظهرت منذ فترة طويلة. لقد بدأت الجولة الأولى من حرب الأجيال منذ فترة طويلة في العراق وأفغانستان.ولا شك ان كلا الحربين تعتبر حربا صغيرة نسبيا بالمعايير التاريخية. إلا أن القوات الأمريكية لم تستطع في أي من الحالتين تحقيق أي نصر حاسم. وما لم تحدث تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية فسوف تستمر هاتان الحربان لسنوات عديدة أخرى.
وفي الوقت نفسه، هنالك سؤال ملح يطرح نفسه ألا وهو، ما الذي حققته هذه الحرب الطويلة؟ والإجابة واضحة ولا نقاش فيها، إنها لم تحقق الكثير. ولم ينجح الاعتماد على القوة العسكرية في تغيير أسلوب حياتهم. بل العكس هو الصحيح فقد كان لهذا الجهد نتائجه العكسية الكثيرة.
لقد ارتفع سعر برميل النفط أربعة أضعاف منذ عام ،2001 مما أثر سلبا على كافة الأمريكيين باستثناء الأثرياء منهم فقط. كما أن جهود نشر الديمقراطية إما توقفت تماما أو لم تنجح إلا في تقوية جماعات مثل حركة حماس وحزب الله.
وقد اتضح أن التهديد النووي العراقي لم يكن إلا مجرد وهم. وبدأت ديون الولايات المتحدة في التراكم بشكل مذهل بهدف هو بسط الإمبراطورية الأمريكية. وحيث ان الجنود الأمريكيين يضطلعون بمهام قتالية متكررة، بدأت قوة الجيش الأمريكي في الانحدار ببطء.
وفي الوقت نفسه، لا يأتي الخطر الحقيقي على أسلوب حياة الأمريكيين من الإرهابيين بل إنه يأتي من الإصرار على رفض العيش في نطاق إمكانياتنا. إن التبذير الأمريكي وليس التطرف الإسلامي هو الذي تسبب في حدوث أزمة الرهن العقاري التي هي السبب الوحيد لمشاكلنا الاقتصادية الحالية.
أقول بصراحة شديدة إن الحرب الطويلة لم تكن إلا إخفاقا ضخما. وعلى الرغم من ذلك، يحاول روبرت جيتس كما حاول رامسفيلد إقناعنا بأن الحرب الأبدية تمثل الخيار الوحيد المتاح لأقوى دولة في العالم. بيد أن هذا الكلام لا يعدو كونه أكثر من مجرد قصور عميق في الفكر والتخيل.
كما أنه يسيء قراءة تاريخنا.
حقيقة الأمر هي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أظهرت افتقارا كبيرا للموهبة والحنكة في تغيير أسلوب حياة الآخرين.
بل إننا حققنا نجاحا أكبر في القيام بالتغييرات الضرورية في أسلوب حياتنا نحن الأمريكيين حيث إننا حافظنا على القيم التي نؤمن بها ونثمنها. لقد نجحت النزعة التقدمية في أوائل القرن العشرين في الحد من مخاطر الثورة الصناعية وبالتالي إبعاد شبح التهديدات التي كانت تحدق بالتجانس الاجتماعي. وخلال فترة الكساد نجحنا في إصلاح الرأسمالية وأنقذناها.
وهنا يكمن الذكاء الحقيقي في السياسة الأمريكية.
كان تفكير رامسفيلد معاكس تماما. فعلى الرغم من أن أمامنا خيارا، إلا أنه ليس ذلك الخيار الذي وصفه لنا. إن الخيار الحقيقي المتوفر لنا هو إما أن نثابر ونواصل جهودنا لتغيير أسلوب حياتهم، أو نعترف بحماقتنا فيما يتعلق بحرب الأجيال ونختار بدلا من ذلك أن ننظم بيتنا من الداخل عن طريق الحد من الإسراف، ودفع فواتيرنا، وإنهاء اعتمادنا المدمر على النفط والائتمان الخارجي.
إن الخلاص ليس موجودا في الخارج، بل هو في الداخل.