هو رؤية جديدة ومشروع فكري متكامل نريده ان يكون مختلفاً عن غيره من المشاريع و التفاسير التاريخية التي تناولت الكتاب المجيد ، و نريده مختلفاً عن غيره مما هو سائد في سوق الدراسات الإسلامية المعاصرة ، وهذا يعني بالضبط أننا سنتطرق فيه لأشياء قد تبدو للوهلة الأولى عند جمهور المسلمين من المقدسات التي لا يجوز المساس بها بإي نحو كان ، كما لا يجوز النظر إليها من وجهة نظر علمية تحليلية و تفكيكية طاردة إلاًّ من خلال رؤية السلطان مما أدى موضوعياً إلى تعطيل حركة الكتاب وجعله يدور في فلك فئة من الناس دون سواهم .
وتفكيك النص عندنا يعني طرد كل ماهو زائد وغير موضوعي وغير واقعي ولاينسجم مع إرادة الله ، وهذا الإجراء يستلزم أولاً : فهم محتويات النص وفق عقل ومنطق الواقع وشروطه الزمانية والمكانية وهذا القيد الإحترازي هو من اجل جعل محتويات الكتاب قادرة على معايشة الواقع وقادرة على وعي حركة المستقبل . وثانياً : يجب ان لا نجرد الكتاب من صفته الموضوعية ككونه كتاب هداية أي ممارسة الوعي في فهم الكتاب على إنه إنما جاء لحماية الإنسان و بناء شخصيتة الذاتية والموضوعية . وثالثاً : لكي يكون الكتاب ذو شخصية مستقلة فيلزم من باب أولى تفكيك أدواته التاريخية التي تحكمت بقسط كبير في بناء شخصيته ومعارفه ، واللزوم يصبح واجباً في حال إردنا التعرف على طبيعة و ميكانيزم الكتاب من الداخل . وهذه اللزومية سترافقنا حتماً ونحن نسير مع الكتاب جزء جزء وخطوة خطوة في متابعة بنآته وقضاياه ورصد حركته في اللفظ والدلالة والخطاب ونوع المخاطب وطريقة توجيهه ليكون وعيه فعلاً وعملاً إذن فالتفسير الجديد : هو الجدل العلمي للتاريخ مع الواقع ! ! وهو كذلك المعرفة في سياق الواقع التي من وظائفها تسمية الأشياء بمسمياتها من دون مواربة أو تحايل أو تدليس متعمد ، والتدليل على عناصر [قوة الفعل وليس فعل القوة ] أي تبيان المفهوم القيمي ووحدة السياق الموضوعي والعلمي ، وهذا السلوك الفكري الإيبستيمولوجي هو ليس سلوكاً يستهدف بالضرورة تخريب البنية التركيبية التي شكلت مدارك الوعي التاريخي لدى الناس ، إنما هو توكيد على فاعلية الكتاب وقدرته للتصدي لقضايا المستقبل مع التأثير في الفعل التاريخي ، ومن هنا تأتي هذه المحاولة لتحرير الكتاب من سلطة المفاهيم والمصطلحات التي وضعها القدامى وهي سلطة في الغالب ميثيولوجية مغرقة في مخيال شكلته قوى البيئة المحلية والتي أدت بالفعل إلى تباعد بين الانسان وحاجاته . والذي عليه الإعتبار هو : - إن الكتاب المجيد يختزل حركة المجتمع في شكل ديناميكي يجعل منه صالحاً لكل زمان ولكل مكان والصلاحية تلك تحتوي الإنسان والواقع ، وهذه القيدية هي في صلاحية المضمون الفكري للكتاب ، أي إنها قيدية إرشادية تتختزل وتتضمن المعنى الإيبستيمولوجي لنظام الصيرورة سواء في الذات />كصلاحية للكتاب دائمة متعلقة بعنصر الوعي والتطور المجتمعي ،كما في تطور الأدوات والوسائل التي تتطور هي بذاتها بتطور الوعي المعرفي الجمعي ، وهي صلاحية موضوعية للكتاب في المنهج وفي الرؤية وفي الدلالة والتضمن . التفسير الجديد إذن هو غير التفسير القديم سواء في مجال الأداة والوظيفة في مجال الإنتاج ، وفي مجال الشكل و المضمون ، ولأنه كذلك فلازمه الموضوعي والجدلي تغيير العلوم التي أنتجت التفسير القديم ، والتغيير صفة تقرير يشمل الآليات والتراكم والوضع التاريخي وماأحاط بهما ، والتغيير هو سلوك علمي في تجريد المذهب التاريخي من صفة القداسة التي تكون في الغالب عباره عن مجموعة قيود في طريقية فهم النص ومآلآته وحظوظه في القبول والرفض . والتفسير الجديد يعني عندنا صياغة مشروع في قواعد وأصول إستنباط الحكم مغايرة للقواعد التي أنتجت الفقه العتيق ، ونعني بالصياغة تلك حصر مهمة الإستنباط بالكتاب وحده دون سواه من المصادر التي أفترضها فقهاء العصر الوسيط ، والحصر هو تكثيف لمضمون الكتاب في الموافقة والمخالفة للموضوع وتوسيع لمعناه بعيداً عن سلطة الخبر والحديث النبوي وبعيداً كذلك عن القياس الرومانطيقي . وإذا تم هذا فسيجد المتابع أثر ذلك في مجمل قضايا الفقه وأصوله ، وكذا في قواعد المنطق الذي تكفل بصياغة المشروع الأصولي ، إذن فالمشروع التجديدي هو مشروع إصلاحي للمنظومة التشريعية ككل و التي تتصدى لإصدار الفتاوى والأحكام ! مما يعني ضرورة تحرير الفقه من سلطة الطوائف والفرق السياسية والمذهبية التي عممت الخلاف وجعلته سنة طبيعية في العلاقة مع الأخر . ومن الطبيعي لكي نقوم بعملية البناء الجديد والتأسيس الجديد ان نقوم بعملية فصل معرفي وإيديولوجي للتأثيرات النفسية لسلطة الوعي التاريخي للكتاب والوعي اللامنطقي لعلوم الكتاب القديمة وسيادتها في بناء الوعي اللاحق ، والفصل المشار إليه فصل للمعايير القديمة التي حددت مقتضيات الكتاب وواجباته ووحقوقه ، وهو تحديد للأولويات التي تمكننا من التغلب على التناقض والحشو والزيادات والتصحيف والتحريف وسلطة الكتبة الذين أوكلت لهم مهمة إعداده في شكله الحالي المقرؤ ، وليس هذا فحسب إنما المطلوب التدليل على ذلك في النصوص والسور ولاضير إن أدى ذلك للتصادم بين المنهج العلمي والفلسفي الرصين وبين كهنة ورجال العهد القديم . فالتجديد في فهم الكتاب لا يتم بالتراضي أو بالتسليم بأنصاف الحلول ، فالموقف العلمي من الوضع اللساني للكتاب ودور الرسول محمد -ص - في ذلك وماهية الله وطبيعة القراءة التخاطبية بين الله ورسله ودلالة اللفظ ومفهوم حقيقة المعنى وتكاثر المعاني للفظ المفرد الواحد أعني ظاهرة الترادف ، ومعنى الإطلاق والتقييد والكناية والاعتبار والمجاز والناسخ والمنسوخ والقيامة وحقيقة البعث والجنة والنار والظاهرة العلمية والظاهرة السننية ، كلها تفرض علينا القيام بخطوات جرئية لتثبيت أرضية معرفية قادرة على تحرير الكتاب من سلطة رجال المؤوسسة الدينية العتيقة التي غدت وبالاً على المشروع الإنساني في الإسلام