راقبت القوى السياسية الكردية ومعها قوات البيشمركة الاوضاع في العراق، وسارعت الى استثمار التخلخل الامني، الذي حصل عقب انتهاء حرب الخليج الاولى عام 1991، لتدفع بالكثير من قواتها الى مدينة كركوك، في محاولة لضمها الى المناطق الشمالية ذات الغالبية الكردية،
لكن حكومة بغداد حينذاك، لم تقبل بالتخلي عن كركوك، في حين حصلت المحافظات الشمالية الاخرى على حماية من قبل الطيران الاميركي، الذي واصل التحليق بما اسموه بـ(الملاذ الآمن).
خلال عقد التسعينات والسنوات التي سبقت الغزو الاميركي للعراق، حرص السياسيون الاكراد من الحزبين الرئيسيين، اللذان عملا مع المعارضين لنظام صدام حسين، على زج موضوع كركوك في جميع الاجتماعات والمؤتمرات والنقاشات، التي تتناول مستقبل الاوضاع في العراق، وتحرص قيادات الحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يراسه مسعود البارزاني) على تغليف موضوع كركوك بالحديث عن الغالبية الكردية في هذه المدينة، للاستحواذ عليها ، واحتياز نفطها، ضمن المشروع السياسي، الذي خططوا له قبل غزو العراق، بتقسيم العراق الى اقاليم، ومايتضمنه ذلك من تقاسم للثروات، وهنا نلامس جوهر القضية وحقيقة الصراع على كركوك، وهو النفط.
اما السنوات الاربع الماضية، أي بعد الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع عام 2003، فقد تصدر موضوع مدينة كركوك النفطية الواجهة، وبذل السياسيون الاكراد كل ما وسعهم لحسم موضوع كركوك، وانصبت جهودهم على مرحلتين، الاولى تتمثل باعلانها مدينة كردية، وضمها الى المناطق الكردية بصورة رسمية، وبعد ذلك تطبيق الفقرة الخاصة بالفدرالية، التي حرص السياسيون الجدد في العراق، على تثبيتها وعملوا على تقسيم العراق الى فيدراليات، وبذلك يتحقق مايهدف اليه الداعون الى الفدرالية، والقصد منها تقسيم العراق على اساس وجود الثروة النفطية، ولهذا فان التسمية الاكثر دقة هي الفدرالية النفطية.
ان كل من يدقق بالنوايا والجهود المبذولة لتطبيع الاوضاع في كركوك، يكتشف بسهولة، ان الدوافع هو الاستحواذ على الثروة النفطية الموجودة في هذه المدينة، وان الشعارات والاحاديث الاخرى، ليست سوى الغطاء الذي تتحرك تحته تلك النوايا، ولتحقيق هذا الهدف، تتواصل النشاطات والنقاشات والاتفاقات، للحصول على الثروة النفطية والاستحواذ عليها بصورة كاملة.
تحتل مدينة كركوك موقعا جغرافيا في غاية الاهمية، فهي نقطة الاتصال المركزية بين المدن الكردية الرئيسية(السليمانية واربيل)والعاصمة العراقية بغداد، في حين تتصل مناطق دهوك بالموصل، وتتماس كركوك بصورة مباشرة مع الاجزاء الشمالية من محافظة صلاح الدين، وترتبط بحدود واسعة مع مناطق ديالى، وعلى الجهة الاخرى، فان الطرق الرئيسية، التي تريط مع المحافظات الشمالية تتوزع من مفصل مدينة كركوك، وهناك طريقان رئيسيان يربطان بين بغداد واربيل والسليمانية، الاول، الذي يمر عبر منطقة ديالى صعودا الى كركوك، وهناك طريق رئيسي اخر هو طريق دهوك-الموصل-كركوك، ومن هناك يتفرع الى المناطق الشمالية، وينزل جنوبا الى مدينة بغداد.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي