سأستقبل معكم العام الجديد بهذه الترنيمة : ( يامبدل الليل والنهار ، ويامُغير الحول والأحوال ، حول حالنا إلى أحسن الحال ) ، وأقول للجميع عاماً سعيداً تتحقق فيه الأماني والأحلام .
والحق أقُول لكم لقد أصبحت أحلامنا هباء ، إذ كنا نحلم أن يكون لنا وطن تسود فيه قيم الحرية والعدل والسلام ، وإذ كنا نحلم بوطن يحكمه القانون والنظام ، وإذ كنا نحلم بدولة ليس فيها تسيب وفساد ورشى ، وإذ كنا نحلم بأشياء وأشياء كثيرة ، منطلقين في أحلامنا تلك من قناعة متوارثة عن طبيعة شعبنا وقدرته على صنع المعجزات ، لكن واقع الحال تحدث عن غير هذا كله ، فلم يتحقق لشعبنا ولا واحدة من هذه الأحلام ، بل سادت فيه كل أنواع الفساد والجريمة والتخلف وضيق الأفق ، وساد فيه الترهل وإنعدام الشعور بالمسؤولية ، وأبتعدت أو بُعدت عنه بعيداً قوى النهضة والتقدم ، وما تبقى منها فغدى كهشيم تذروه الرياح .
واليوم غدونا نتمنى أن يتعافى هذا الوطن من أمراضه ، وأن ينهض من كبوته ، وأن يعاد له بعض ألقه وبريقه ، صحيح إن بعض القوم منا إنحرف كثيراً وخلق لأبناء جلدته الكثير من الأزمات ، وبعض البعض أساء من حيث لا يقصد ، فتنمر ذوي العاهات والمعاقين فكريا وتسيد الساحات من ليس لهم أهلية أو كفاءة ، وشارك في هذه الفوضى رجال كنا نعدهم من الأخيار ، ولا ندري أهو الطمع أم المحابات أم الخوف أم ماذا ؟ .
في ظل هذه السوداوية أطل في بلادي نور لولاه لكنا وكان الشعب والدولة رهينة الظلام والذل والعبودية ، كان الإنتصار على قوى الإرهاب من داعش وأخواتها هذا النور الذي نتفيء في ظلاله الآن ، ولم يكن ذلك ممكنا لولا تلك الفتوى التي عدلت مسار الأمور ، فراحت جحافل الخير تتسابق من أجل نيل أحدى الحسنيين ، لقد كانت فتوى السيد السيستاني هي من أعادت للعراق اليوم بعض طعمه ولونه وتاريخه الحافل ، تلك هي الحقيقة التي يجب التذكير بها لمن يهمه الأمر ومن لا يهمه ، كانت إذن هي المنقذ التي وفرت للجميع الطمئنينة حين فر البعض من المواجهة .
ونحن إذ نستقبل العام الجديد ، نقول كنا على طول الخط مؤيدين وناصرين وشادين على أيدي الحكومة ، داعين لكي لا تضيع الفرصة التي إن مرت فلن تعود ، ومن أجل هذا ندعوا لتطهير النفوس من هوس الضعف والفوضى وعدم الدقة والمفارقة المرصودة ، وندعوا لتصحيح المسار عبر العمل الجاد المثمر ، الذي يخلصنا من الطائفية والفئوية وضيق الأفق والشعور بالدونية والحقارة ، والتي جرت على البلاد ويلات ومحن ليس أقلها السرقات والفساد والتسابق في كل فائنه .
إن أملاً يراودني في إن تغيير الحال ممكن ، في حال غيرنا نظام الحكم الفوضوي هذا ، وألغينا هذه المحاصصة المقيتة التي تفسد ولا تصلح ، والتغيير يتم عبر العودة الى النظام الرئاسي المنتخب من قبل الشعب ، وحل البرلمان هذا والدعوة لإنتخابات نزيهة حقاً ، وتشكيل مجلس شيوخ ومجلس إدارة ينظم ويراقب عمل المؤوسات والأجهزة في الدولة ، وإلغاء الكثير من بنود الدستور المتخلف لكي يتناسب وطبيعة المتحول الجديد ، إذ لا يعقل [ وحتى الساعة ليس للعراق نشيد وطني خاص به ، ولا علم للدولة العراقية يميزها عن الحقب المظلمة الماضية ] ، هناك حاجة للتركيز على الهوية الوطنية ، والتخفيف من حدة الشعارات الدينية والقومية والمناطقية ، هناك حاجة لكتابة عقد إجتماعي جديد يحدد ملامح دولة المستقبل ، أما الإجترار والتكرار ففشل يقود إلى فشل .
والديمقراطية أيها السادة اصبحت كابوسا بدل أن تكون هي الحل لمعضل الدكتاتورية ، حتى رأينا من البعض الشوق والتمني للدكتاتورية بعد ما خلفته ديمقراطيتنا البائسة وأزلامها الحرامية ، كنت أتمنى أن لا أكتب عن هذه البلوى ونحن نستقبل العام الجديد ، لكن قبح الحياة وتكرار الخطأ والتجربة والمعانات جعلتني أكتب من غير الإلتفات إلى لزومية الإبتهاج أو التهاني حسب العادات المعمولة .
إنها أمنيات خرجت من النفس اللوامة على أمل أن تجد صدى أو سماع أو إستجابة أو خلوص نية ، هي أمنيات راجياً أن يتحقق البعض منها أو بعض البعض وذلك أضعف الإيمان ..
وكل عام وأنتم بخير