أثار كثير من السادة حضور حفل توقيع كتاب «محاكم التفتيش»، للكاتبة المتمردة د. دينا أنور مع الكاتب التنويرى اللامع د. خالد منتصر، جدلاً واسعاً حول حماية المثقفين والتنويريين فى مصر من المتربصين بهم، ومن مطاردات أعداء الدولة المدنية، وعلى رأسهم قطاع عريض من السلفيين والإخوان، تارة بتهمة ازدراء الأديان، وأخريات تحت دعاوى هدم ثوابت الدين، وليس سراً أن السلفيين ومن على نهجهم ممولون من أموال الوهابية للصرف على أمر هذه المطاردات بلا حساب أو رقيب، ينفقون ببذخ فى سبيل تحريك الدعاوى مع فصيل من المحامين للزجّ بأصحاب الأقلام والفكر خلف السجون، وإرهاب الباقين منهم، والغالبية العظمى من المثقفين والتنويريين فى مصر بلا حماية مادية أو معنوية، أو غطاء شعبى، ولا سند ولا معين لهم، فكلهم على باب الله، فإذا واجهوا هذا الزحف وهذه الجحافل وهذه الاتهامات، كانوا على ضيف الكريم يقابلون هذا الطوفان وهذا المصير دون عون أو حماية أو معين، حتى مصاريف التقاضى وأتعاب المحاماة لا نجاة ولا مهرب منها.
ومما جعل أمرهم صعباً وعسيراً ومحرجاً أن دعوى تجديد الخطاب الدينى التى أطلقها السيد الرئيس قد أعطتهم الأمان والطمأنينة والسلامة من المطاردة، واعتبروا أنفسهم فى حماية الدولة والنظام، وكتيبة الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة والرأى ومناهضة التمييز بكل أشكاله، على أن كل هذا مباح ومجاز ومسموح به فى دولنا الدينية شرعاً، فالفكر فيها مرادف للكفر، والعقيدة والدين فيها واحد، ولا عقيدة ولا دين غيره مسموح به، ومن كان من غيرهم ذمى ووجب عليهم تطبيق العهدة العمرية أو الكثير منها، فخرجوا بجرأة يناقشون ويجادلون، ويكشفون عن المستور فى تراثنا، ظناً منهم أنهم يعينون الدولة على التجديد لأنهم أقدر الناس عليه، إلا أن هذا الأمان كان أماناً واهياً، وهذه الطمأنينة كانت سراباً، وما بدأوا يعلنون أفكارهم ودفاعهم حتى بدأت المطاردات تنصب على رؤوسهم من كل اتجاه، ونُصبت الفخاخ تحاصرهم، والتفّت حبال الملاحقات حول أعناقهم، وما زالوا يطارَدون على الكلمة وعلى الهمسة دون حماية، ولم يعد من سبيل أمام التنويريين إلا الانسحاب والعودة من حيث خرجوا وكفاهم شر القتال، أو يكملوا المشوار مع مخاطر المطاردات والتنكيل والحبس. وهو أمر حسمه الدستور لكن لم يسايره القانون المعمول به، وهو جد غريب وليس له مثيل فى دول العالم، أن دولة فى القرن الواحد والعشرين ينص دستورها الذى أقره الشعب على عدم جواز الحبس فى قضايا الرأى والنشر، فى الوقت الذى يحاكم فيه الكاتب بمواد فى القانون تقضى بالحبس فى قضايا الرأى والنشر، وعلى الرغم من تأكيد الدستور على إسراع البرلمان بتعديل كافة بنود القانون التى تتعارض مع الدستور، ومنها قضايا الحبس فى الرأى والنشر، إلا أن الأمر متروك إلى الآن، حتى يُستكمل مسلسل المطاردات والملاحقات من أعداء الدولة المدنية، الذين لا نعرف من هم حتى الآن؟ وأرجع الجميع فى حوارهم السبب الرئيسى إلى أن التنويريين والمثقفين فى مصر يعملون فرادى كل فى جزيرته الخاصة، أو فى كتابه الخاص، ولا يتحركون كفريق واحد تحت مظلة واحدة، كما يعمل من يطاردونهم فى المحاكم من السلفيين وأذنابهم.
إن تجربة المعاناة التى مر بها كل من تعرّض لهذه المحنة كانت قاسية ومريرة، فقد وجد نفسه وأسرته فى حرب ضد جيش صناعى جرّار، وتشويه شخصى وأسرى منظم وممنهج ومزور، ومطاردات قضائية أمام دوائر مختلفة عن ذات القضية، وحرب شرسة من كتائب التواصل الاجتماعى المدربة والمنظمة والمفتعلة، تطول القريب والبعيد، صاحب الشأن وأسرته، ويسبق هذه المطاردات سيل من التهديد بالقتل تارة أو بخطف أولادهم تارة أخرى، خرجت كلها عن نطاق الحق والدين والأدب والأخلاق، واستُبيحت الأعراض والخصوصية ببجاحة مفرطة، وهو أمر مباح عندهم وميسّر، مقبول فيه تشويه الخصوم زوراً وبغياً وبهتاناً.
نحن نواجه حرباً شرسة، غير متكافئة، تقف الدولة فيه عاجزة عن حماية أنصارها من الذين يدعمون ويؤازرون الدولة المدنية، ولا أدرى ما الحكمة فى تركهم يواجهون هذا المصير من أعداء الدولة وأعداء النظام، وهم الأولى بالمطاردة والملاحقة دون غيرهم، فهذا تاريخهم بطوله وعرضه لا يحمل بين سطوره موقفاً مشرفاً مع الوطن، بل كل التجارب تثبت ولاءهم لغيره، وهم فى حضنه وبين ضلوعه وفى أمنه ونعيمه.
ليس لنا من سبيل سوى الاصطفاف والعمل الجماعى، كل دعاة الدولة المدنية، المواطنة حق، وطن يسع الجميع، وعمل يعين الوطن ويقويه، بناء ديمقراطى حر، حرية الفكر والعقيدة والإبداع، الوقوف من الأديان على مسافة واحدة، محاربة كل أشكال التمييز، لا سبيل سوى تشكيل حزب مدنى ليبرالى يضم كل دعاة الدولة المدنية من فئات الشعب، يقف مع الدولة فى حربها ضد التخلف والقهر والتمييز والإرهاب، وليس من سبيل أمامنا ولا طريق سواه.. سمعت يا دكتور خالد يا منتصر، ابدأ ونحن معك.