اي شرق اوسط بعد «داعش»؟ ربما اي عالم بعد «داعش»؟
الانكليز يسخرون من هذه الاسئلة الساذجة. يقولون ان الامبراطور (الاميركي) مثل القيصر(الروسي).الاثنان يلعبان في الفضاء. ماذا عن القاع وحيث الزلزال الايديولوجي الذي مثلما يتواجد في تدمر او في الغوطة الشرقية، يتواجد في طرابلس وفي عين الحلوة، ومثلما يضرب في باريس، يضرب في باماكو؟
هذه ظاهرة لا نهاية جغرافية ولا نهاية زمنية لها. الصينيون لاحظوا ان صور ابي بكر البغدادي تنتشر في مساجد الايغور في اقليم شينغ يانغ (تركستان الشرقية). قائد القوات الخاصة في طاجكستان، وحيث الفرس السنّة، يعلن التحاقه بـ«داعش». كل الساخطين، وكل المحطمين. المشكلة ان كل الحالمين بدأوا ينظرون الى «دولة الخلافة» على انها اليوتوبيا التي يبحثون عنها، ولو كانت الدولة اقرب ما تكون الى مهرجان الدم...
في كل مكان يوجد ذلك الطراز من ائمة المساجد.إما يتقيأون الدم الذي يفضي الى الكراهية، او يتقيأون الكراهية التي تفضي الى الدم.
حين نكون في حضرة الله، كما يقولون، لماذا الصراخ، ولماذا مكبرات الصوت، ولماذا التركيز على الشكليات لا الجوهر، دون الولوج في التفاصيل التي تفرض علينا شكل ثيابنا، وشكل لحانا، وحتى شكل ارواحنا؟
كلنا، بصورة او بأخرى «داعش». وكلنا نلعب لعبة «داعش». ماذا يعني الصراع بين السعودية وايران الذي يدور، حينا، على حافة الغيب، وحينا على حافة التاريخ، وحينا على حافة الايديولوجيا؟ في نهاية المطاف على حافة...اللامعنى!
الجميع يلعب بـ«داعش»، و«داعش» يلعب بالجميع. الان فات الاوان لاجتثاث «داعش» في المنطقة العربية تحديدا. لا دول عربية هناك. مصر مصابة بالاعتلال الاستراتيجي. ايضا مصابة بالاعتلال الاقتصادي. العراق اكثر من عراق. سوريا اكثر من سوريا. السعودية عرف الايرانيون كيف يستدرجونها الى تضاريس اليمن التي كما لو انها تضاريس كوكب اخر..
مثلما معركتنا، كعرب، في ريف حلب، وفي ريف اللاذقية، وفي ريف درعا، معركتنا حول تعز، وحول ضالع، وحول صنعاء، ربما حول صعدة، ومعركتنا حول الرمادي، وحول بيجي، وحتى حول بغداد...
من زمان، الاميركيون غسلوا ايديهم منا. الثروات تتراكم في الصناديق ثم تتبعثر في حروب او في صراعات عبثية. كم كلفت حرب العراق وايران؟ وكم تكلف الان حرب اليمن وسوريا والعراق؟ لا تزال ظهور الابل في انتظارنا...
هل سأل احدنا لماذا الاهتمام الاميركي بكردستان العراقية التي لن تتوقف عند سنجار، وقد طرد العرب منها واحرقت منازلهم، بل هي وضعت يدها على كركوك؟ولماذا الاهتمام بكردستان السورية؟ الاميركيون لاذوا بالصمت حين كانت الرقة تنتهك بكل تلك الفظاعات فيما هبوا لنجدة كوباني (عين العرب)...
كردستان الكبرى على الابواب.على حساب العرب فقط. رجب طيب اردوغان اذعن اخيرا للشروط الاميركية مقابل ان تبقى كردستان التركية هادئة (كيف؟). الاهم من كل هذا، مادامت دولنا تتناثر، من ينشر الضغينة القاتلة بين الاكراد والعرب؟ ومتى يشعر مسعود برزاني مدى الترابط التاريخي، والعاطفي، والانساني، بين الاكراد والعرب الذين يفاخرون، وسيظلون يفاخرون، بصلاح الدين الايوبي وبيوسف العظمة، حتى ساطع الحصري، الذي هو احد منظري القومية العربية، كردي؟
كردستان الكبرى التي تتقاطع مع اسرائيل الكبرى. لا نتصور ان السلطان العثماني ضنين بالاكراد اكثر من العرب لكي يصدّر نفط الشمال العراقي عبر المرافىء التركية، في حين يفكر الاميركيون، جديا، بعقد الصفقات مباشرة مع حكومة اربيل بعدما اظهرت حكومة بغداد هشاشتها، وكان الحكام الجدد للعراق، او جلهم، من اكثر الناس فسادا، وعشقا للفساد، في هذا العالم...
احدهم عاتب لان الجامعة العربية لم تُدعَ الى فيينا. اي ديناميكية ديبلوماسية او سياسية تتمتع بها هذه المؤسسة البائدة التي امام ناظريها تتفكك الدول العربية، فيما لا يستطيع نبيل العربي الا ان يكون ظلا لتلك العباءة او ظلا لذلك الموقف؟
كل العالم ضد العرب. اميركيون وروس، اتراك وايرانيون، اكراد واسرائيليون. في نهاية المطاف عرب ضد العرب. لا تغير شيئا تلك المواقف الدولية الصاخبة. الا يقول الانكليز همسا ان الاستخبارات الفرنسية والتركية، اضافة الى بعض الاجهزة العربية، كانت تغض الطرف عن تنقلات عبد الحميد ابا عود (ابا عوض) كونه ينشط لاجتذاب او لشراء «المجاهدين» للقتال في سوريا..
تاجر صغير للمخدرات، ومتهم بالسطو على المنازل، يحظى بكل تلك الرعاية الاستخباراتية لكي يضرب، في نهاية المطاف، في قلب باريس.
الفضيحة تتفاعل وراء الضوء في فرنسا. قد تكون اللفلفة الخيار الافضل لان تداعياتها لا تتوقف في الكي دورسيه. يمكن ان تصل الى الاليزيه. قلنا كلهم يلعبون مع «داعش» ويلعب بهم «داعش». الان تزعزعت قواعد اللعبة. ما البديل؟