الآن، ادرك المفكر الفرنسي جاك اتالي لماذا بعث الله بكل انبيائه، دون استثناء، الى هذا المكان دون سائر الامكنة الاخرى...
لان احدا لا يستطيع ترويض هذه المنطقة سوى الله. لا يتورع عن السؤال ما اذا كان لا يزال بامكانه ان يفعل ذلك بعدما تحوّل الشرق الاوسط الى مستودع للقبائل، وللايديولوجيات، وللحرائق. في نهاية المطاف، مستودع للموتى!!
لا ندري ما اذا كان قد تناهى اليه قول اليهودي الاخر هنري كيسنجر «ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الله وتموت مع الله» او ان الازمة هي «صراع نصف المطلق مع النصف الآخر»، كما نقل الينا الديبلوماسي الاميركي المستعرب جورج بوش لدى زيارته دمشق في الثمانيات من القرن الماضي...
السؤال الذي طرحه آتالي والذي قد يضيء المشهد بأكمله «هل يتصرف ابو بكر البغدادي كخليفة ام كنبي؟». كان كثيرون في الغرب قد علقوا على الانتخابات المصرية الاخيرة بالتساؤل ما اذا كانت الديموقراطية التي قال الكسي دوتوكفيل (مؤلف كتاب الديموقراطية في اميركا- عام 1834) انها مثل اولاد الازقة تربي نفسها بنفسها، لا تصلح البتة لمنطقة اخترعت الالهة ولا تستطيع البقاء الا في ظل الآلهة، وسواء حملوا اسم الفراعنة ام اسم الخلفاء...
حتى ان القيصر ( فلاديمير بوتين)، وحين بعث بقاذفات السوخوي الى سوريا، كان عليه ان يحظى بمباركة الكنيسة الارثوذكسية لـ«الحرب المقدسة»، وان كان هذا تقليدا قديما من ايام القياصرة. اما جورج دبليو بوش الذي استخدم تعبير «الحرب الصليبية» لدى غزو العراق، فقد اقام خطأ ساخنا مع الله كبديل عن الخط الساخن بين البيت الابيض والكرملين...
غريب هذا الشرق، وغريبة ديانات هذا الشرق التي تحولت الى ايديولوجيات (لاحظوا الطقوس والممارسات) حين نقرأ في التوراة ان «دمشق تزول من المدن وتغدو ركاما من الانقاض». سأل دومينيك شوفالييه «اي الهة تلك التي ترقص دمويا بين النصوص»؟
لاحظوا كيف يتم التعامل عربيا وتركيا مع الازمة في سوريا «خذوا كل شيء واعطونا رأس بشار الاسد». لا احد يفكر في وقف دوامة الدم، وبعدما بدا جليا ان لعبة الامم تتجاوز النظام ورأس النظام. لا احد يعنيه سقوط مئات الآلاف، وهجرة مئات الآلاف الى المجهول.
ثمة رجل دين، قال مفاخرا، وعبر احدى الشاشات، ان هؤلاء المسلمين الذين ذهبوا زحفا على بطونهم عبر الحدود هم من سيعيدون الاندلس الى اهلها، وهم من سيثأرون للسلطان العثماني الذي توقفت خيوله عند اسوار فيينا، وهم سينبشون قبر شارل مارتل الذي هزم العرب في معركة بواتييه على الارض الفرنسية..
بداوة الرؤية. الرؤيا ايضا. الآن، العرب لا يثقون بأميركا. راهنوا على دك دمشق بالتوما هوك، وعلينا ان نتصور ماذا كان حدث للمدينة اذا ما زحف اليها البرابرة. ليس هناك من بابلو بيكاسو عربي ليرسم تلك الغرنيكا الهائلة وحيث تتحول المدينة الى مهرجان للجثث المقطوعة الرأس، وليس ثمة من هوميروس عربي ليرثي القتلى الذين ذهبوا هباء في حضرة الآلهة...
وليد جنبلاط قال ان الحرب بدأت الآن في سوريا. خالد العطية قال بحرب تشارك فيها قطر و السعودية وتركيا. بطبيعة الحال، لا احد يستطيع ان يتصور نظاما يبقى الى الابد، ويقفل كل ابواب الزمن، ولكن ما هو النموذج الذي يقدمونه في الديموقراطية والعدالة والحداثة اذا كنا جميعا لا نزال داخل ثقافة داحس والغبراء؟
نسأل «لماذا يفترض ان نتعامل بكل تلك الكراهية مع ايران؟». لا ريب ان فيها العديد من الرجال الذين لا علاقة لهم بالقرن ولا بجدلية الازمنة، ولكن هناك حسن روحاني وهناك محمد جواد ظريف، الاثنان يمدان الايدي الى العرب. هل التهمة ان الايرانيين يلعبون جيوبوليتيكيا، بلهجة امبراطورية، اما نحن فنلعب جيوبوليتيكيا بلهجة قبلية؟ هذه ثقافة لم تعد تجدي في زمننا.
كيف لنا ان ندفع سوريا والعراق الى الحطام. اليمن بطبيعة الحال، فيما باستطاعتنا الجلوس الى الطاولة والتباحث توصلا لتسوية ما لا ان نقول إن تركيا التي ادارت الظاهرة الداعشية بكل ابعادها، تشارك في لقاء فيينا فيما تستثنى ايران، وبصورة قاطعة، كما لو ان رجب طيب اردوغان اكثر ديموقراطية من حسن روحاني، وكما لو ان التاريخ العثماني اكثر رأفة بالعرب من التاريخ الفارسي...
اسطنبول هي مرجعيتنا الآن. وزير خارجية عربي مقتنع تماما بأن اميركا ستخلي الشرق الاوسط لروسيا لتتفرغ، وبالتنسيق معها، للشرق الاقصى، وحيث الثروات، والاسواق، والاحتمالات، الكبرى. لا احد هناك يقف الى جانبنا سوى السلطان بكل الغطرسة العثمانية، وبكل النرجسية الفاضحة، وسوى الفرنسي فرنسوا هولاند الذي لا شك انه وصل الى الاليزيه على صهوة... سلحفاة.
هل فلاديمير بوتين يقنع العرب بأن اي حرب لا يمكن ان تكون مقدسة حتى ولو باركتها الكنيسة. السلام هو المقدس. سوريا ضاقت ذرعا بالجثث، وبالسواطير...
مرة واحدة دعونا نصدق السناتور جون ماكين: القيصر يلعب بنا ديبلوماسيا للوصول الى مآربه الاستراتيجية!!