ربما يعتقد البعض أن عنوان المقال الغرض منه جذب الانتباه، أو هو شاردة بعيدة كل البعد عن جغرافية المنطق.لكن بعيدا عن العواطف، وبموضوعية تامة،يجب أن نناقش هذه الكارثة.
إن التاريخ يؤكد ان أفضل طريقة للتعامل مع الثعبان هو قتله قبل أن يكبر ويستفحل ويصبح عصيا علی الضرب والمواجهة.
ومنذ قيام تنظيم داعش الإجرامي،والإرهابي، بإعلان خلافته،الملعونة، أدركت حقيقة واحدة،وهي إن لم تقف كل الدول العربية ضد هذا التنظيم،ومواجهته، وهو لا يزال ضعيف الإمكانيات، فإن مواجهته بعد عدة سنوات ستكون مرهقة، وفاشلة،والحقيقة أن بعض الدول العربية الكبيرة كمصر والجزائر فضلت الأبتعاد عن الصورة، اعتقادا منها أن الخطر بعيد كل البعد عنها،وربما بعض القادة العرب يدرك خطورة وجود ذالك التنظيم لكنه يفضل أن يبتعد عن هذا المستنقع لحسابات اقليمية، ويؤثر السلام عن المواجهة.
والحقيقة أن هذه السياسة هي السبب الرئيسي في كل الكوارث السياسية التي عاناها العالم بصفة عامة، والعالم العربي علی وجه الخصوص.فتلك السياسة كانت هي السبب الرئيسي في الحرب العالمية الثانية فقد كانت بريطانيا مبتلية بسياسيين،وكتاب، مثل الذين يصدعون رؤوسنا اليوم بنظرياتهم الضعيفة،الجبانة،التي ترفض قتل الثعبان الصغير إيثارا للسلام، ولا تعلم أن هذا الثعبان سيستفحل ويبتلعها هي،وجبنها،وسلامها المزعوم، فبعد معاهدة فرساي التي أثقلت كاهل المانيا أخذ هتلر يخترق تلك المعاهدة، واحتل حوض الروهر وقام بالتجنيد الإجباري، وزيادة عدد جيشه،وقام بتصنيع طائرات مقاتلة،وشرع في بناء قوة بحرية جبارة، في خرق واضح للمعاهدة،وسكت تشمبرليون- رئيس الوزراء البريطاني- اعتقادا منه أن قيام المانيا من جديد هو أمر جدير بأن يناقش في البرامج الكوميدية،وايثارا للسلام عن المواجهة، تماما كرجال السياسة العرب اليوم. ثم حين قويت شوكة هتلر،ودخل النمسا أدرك خطورة سياسته،واضطر الرضوخ أمام هتلر،وسلمه تشيكوسلوفاكيا التي فاق عدد جيشها حينها 2 مليون ونصف في معاهدة ميونخ الذليلة،بالاضافة لمصانع سكودا التي فاقت في غذارة إنتاجها الحربي مصانع بريطانيا مجتمعة، ليسد جوع الوحش النازي. والفضل كل الفضل في ترعرع هذا الوحش هي سياسة تشمبرليون الغبية، التي سكتت علی هتلر حتی أصبح وحشا نازيا يلتهم بولندا التي كان تعداد جيشها 2 مليون بالاضافة للنرويج وبلجيكا وهولندا ويشق جيش فرنسا نصفين.
كان الحل في غاية البساطة وهو أن يقوم تشمبرليون بحملة عسكرية صغيرة ضد ألمانيا لا تتجاوز بضعة ألوف بمجرد اختراق هتلر لمعاهدة فرساي عام 1936،وما كان ليضطر أن يقدم لهتلر تلك التنازلات المهينة اللاحقة،والتي لم يقنع بها، وما قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939، وما كان للعالم أن يخسر 70 مليون من أبناؤه كضحايا للحرب العالمية الثانية التي قامت بسبب السياسة الحمقاء التي اتبعها تشمبرليون.
كانت هذه هي نتيجة سياسة تشمبرليون المسالمة الغبية.
وإذا طوينا صفحة الحرب العالمية الثانية، سنجد أن إسرائيل قامت نتيجة السياسة نفسها التي اتبعها العرب، فالعرب قد قابلوا فكرة أن تتحول تلك العصابات اليهودية المهاجرة إلی دولة بسخرية،واكتفوا فقط بعبارات الشجب والادانة -تماما كما يحدث الأن مع التنظيم الإرهابي – دون أخذ موقف،حاسم، منذ بداية المشكلة.ولو أنك طلبت من أحد الكتاب السياسيين عام1925 مثلا، أن يكتب مقالا يحذر فيه من خطورة الاستهانة بتلك العصابات، وأخذ طموح قيام دولة يهودية علی محمل الجد لكان نظر إليك باعتبارك من المخبولين، فرجال السياسة في تلك الأوقات نظروا إلی الاشتباكات بين العرب واليهود باعتبارها احداثا فرعية، وأن طموح اليهود لإقامة دولتهم أمر مستحيل، ثم فوجئوا بأن تلك العصابات تتحول إلی وحش لا يرضی إلا بكامل فلسطين،وحين استيقظوا متأخرا عام 48 وجدوا أمامهم قوة عسكرية،جبارة،،مفترسة، لا يمكن ردعها،ثم صرخوا لإستراد كامل أراضيهم،والأن أصبحت جهودهم تنحصر في اللهث وراء إسرائيل من أجل حل الدولتين!
كان الحل في غاية البساطة -ايضا- وهو إرسال العرب نصف الأعداد التي ارسلوها في عام 48 إلی فلسطين قبل ذالك التاريخ ب 20 أو 25 سنة،لطرد اليهود، وفرض انفسهم علی الأرض،وحينها كانت بريطانيا ستضطر إلی مناقشة قضية وطن بديل جديد لليهود في الأرجنتين أو اوغندا،كما كان مقررا.
ربما يقول قائل أنه من الخطل الربط بين قيام دولة إسرائيل وقيام دولة تنظيم داعش الإجرامي الإرهابي؛ فإسرائيل كانت مدعمة من قوی عظمی كبريطانيا، بالإضافة إلی أن قيام إسرائيل كان نتيجة لحسابات دولية.
لكن من قال أن التنظيم الإرهابي لا يدعم من قوی خارجية؟، ومن قال أن الولايات المتحدة( القوة العظمی الحالية ) لا تدعم التنظيم الإرهابي؟.
إن الوضع جد خطير، فبجانب قوة التنظيم، وتحول شرقنا الأوسط إلی مرحاض لكل القوة الاقليمية،والعالمية، فإن المنطقة تشهد تغيرات جغرافية،وديموغرافية، غير مسبوقة، تدق جرس الإنذار بعنف.والوضع الميداني علی الأرض في غاية الخطورة،وأخشی أن يتحول التنظيم الإرهابي، إلی وحش يبتلع أمامه الجيوش والبلدان، ففي كل يوم نتأخر عن مواجهته يزداد استفحالا وقوة، فالتنظيم وصل إلی حد من القوة يثير الدهشة بعد عدة سنوات قليلة جدا من إعلان دولته، الخسيسة، المزعومة وهذه القوة من المستحيل أن يكتسبها دون دعم خارجي قوي يقدم له.
إضافة إلی أن التنظيم أصبح يملك من القوة ما يؤهله لأن يحارب علی عدة جبهات في آن واحد في سوريا والعراق، بالإضافة إلی ليبيا.
والحقيقة أن تنظيم داعش،الإجرامي، بعد هذه القوة التي وصل إليها،والإمكانيات المادية الكبيرة التي أصبح يتمتع بها نتيجة سيطرته علی مصافي البترول، واستيلاءه علی بنوك في العراق، قد أصبح عدوا وجب مجابهته،وليس فقط انذار خطر لوجوده بيننا.
ولا يجب أن نعول كثيرا علی الضربات التي يشنها التحالف الدولي علی داعش ؛ لأنها ضربات ليست ذات فاعلية،ولأن أهداف الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن تدمير التنظيم،وليس من المستبعد أن تكون أمريكا نفسها هي من زرعت التنظيم.وهذا ما اعتقده.
والمجمل أن مصر لا يجب أن تظل بعيدة أكثر من هذا عن الصراع السوري،بل اعتقد أننا لم نعد نملك رفاهية اختيار الدخول إلی ذالك المستنقع سياسيا.فمصر تلعب دورا ايجابيا للغاية في ليبيا عن طريق دعم جيش اللواء حفتر، ويجب استنساخ هذا الدور في سوريا بالطريقة نفسها، عن طريق تقديم الدعم لكل الاطراف التي تحارب ذالك التنظيم داخل سوريا، حتی ولو كانت اطرافا متناقضة ؛ لأن كل الاطراف التي تتحارب في سوريا اقل خطرا علی مصر من التنظيم،الإرهابي، داعش.بما في ذالك الأكراد!
كل هذا يجب أن يتزامن مع حملة،قانونية،موسعة، ضد تركيا باعتبارها المؤيد الرسمي،والمباشر، للتنظيم عسكريا، واقتصاديا!
صفوة القول هو أن الغرض الوحيد من هذا المقال، لفت الإنتباه إلی السياسة الخاطئة التي نتبعها نحن العرب الأن، والتي كانت سببا مباشرة في كل الكوارث السياسية عبر التاريخ.
فالتلكؤ العربي عدة سنوات إضافية سيكون له عواقب وخيمة، وربما نتفاجئ بأن التنظيم الإرهابي قد فرض نفسه علينا بدولته،الحقيرة، وبأن المجرم،أبو بكر البغدادي، يتم استقباله علی منصة الأمم المتحدة، كما تم استقبال حمزة الحوثي!
حفظ الله الوطن حفظ الله الجيش…