فيلم (نظرية كل شيء) يتحدث عن حياة عالم القرن العشرين الكبير (ستيفن هوكنج) الذي وضع نظرية لنشأة الكون وأمور فيزيائية مهمة جدا لا مجال لسردها هنا. ليست هذه هي المرة الأولى طبعا التي يقدمون فيها فيلما عن أحد العلماء، لديك مثلا فيلم راسل كرو الرائع (عقل جميل)، إنها أفلام واقعية لا تتحدث عن علماء مخابيل يخططون لحكم العالم وحولهم فرق بزي فضي موحد ترتديه حسناوات مهمتهن تشغيل حوائط مليئة بلمبات حمراء وصفراء كما ساد في أواخر الستينات، فرأينا سكتش ثلاثي أضواء المسرح، يضع الدكتور توفيق (سمير غانم) دمية في جهازه العملاق، يضغط على أزار كثيرة لتخرج على هيئة سهير زكي ببذلة رقص كاملة وتقدم رقصة مدتها ربع ساعة
هوكنج عالم معروف على شاشتي السينما والتليفزيون، وأيقونة لعشاق الفلك موجود في كرتون سيمبسون وكوميديا الانفجار الكبير بهيئته المعروفة، المعاق على كرسيه المتحرك يتحدث بصوت إنسان آلي، ولا نعرف أي شيء آخر عنه كأنه وجد هكذا منذ مولده، لذلك يحاول فيلم (نظرية كل شيء) أن يجعلنا نقترب من الإنسان لا الصورة عبر أداء إيدي ريدمان الذي يستحق الترشيح لأوسكار عن تجسيده لأعراض التصلّب الضموري الجانب، المعروف طبيا باسم داء لوجيريج، الذي كانت فيفي عبده تقلد مشاهير الغرب في تحدي دلو الثلج للتوعية به دون أن تعرف ما هو.
وافق الدكتور هوكينج على استخدام تفاصيل حياته الخاصة بعد تردد كبير، ومن المعروف أنه وغد على المستوى الإنساني ونذل في علاقته مع المرأة، لكنهم لا يخجلون من عيوبهم هناك فلا تظهر السيرة الذاتية للأعلام وقد وضعت على رؤوسهم هالات ملائكية، عبد الناصر عبقري وأم كلثوم تفيض نبلا وليس من حق عبد الحليم حافظ أن تنتابه أوقات من الضعف البشري. وعلى عكس (أيام السادات) الذي يتحدث عنه بالاعتماد على يومياته هو نفسه فلابد أن يكون رائعا فوق الوصف، يعتمد فيلم (نظرية كل شيء) على المذكرات التي دونتها زوجة ستيفن هوكينج الأولى، جين وايلد التي نشرتها عام 2007 بعنوان (حياتي مع ستيفن، رحلة سفر لا نهائية)، هذا هو كتابها الثاني في نفس الموضوع، تحكي كيف هامت حبا براهب العلم الذي طحنته الإعاقة وطارت به الشهرة، ترتبط به وترعاه، ويكافئها بالهروب مع ممرضته إلين ميسون التي تزوجته وتحمّلت عصبيته ومرضه، فعمل معها أحلى واجب وطلقها!
الفيلم يتجاهل متعمدا ملابسات بحث هوكينج الهام الذي يربط بين انتهاء فكرة أن الفضاء ثلاثي الأبعاد، والتأثير الكمي الذي يجعل الثقوب السوداء تسرب طاقتها الحرارية وحالة التوافق الرياضي بينهما على الورق، قبل أن يربط ستيفن بين جاذبية آينشتاين والنظرية الكمومية. الذي كتب السيناريو والحوار لم يكن لديه ذلك الحس الشامل بالصورة السينمائية والجمهور، فغفل عن حقيقة أن الذي سوف يشاهد الفيلم هو في الغالب دارس أو طالب علم أو عالم، ويجب أن تكون هناك مساحة لا بأس بها لعرض علمي شيق، لكن هذا لم يحدث، بل على العكس يوجد استخفاف واضح بالنتاج العلمي الضخم لهوكينج، والأسوأ من ذلك أنه بدلا من إبراز مساهمته الجادة في تغيير الفكر التقليدي بصدد الزمان والمكان يقحم الكاتب قناعاته الدينية مغازلا جمهور يشبهه، فيجعل نظريات العالم العبقري مناقشة تبحث في وجود خالق الكون وعما إذا كان هناك رب أو لا، طبعا هذا النمط غير المحايد موجود حتى في أرقى المجتمعات، المتطرف في حبه للدين بشكل يجعله يغالط نفسه فيدس المقدسات بغير علم على الأبحاث الرياضية ويخلط الأوراق جميعها فيتبدد كل شيء إلى هراء ويخرج القاريء أو المشاهد أو المستمع وقد ازداد جهلا أو احتقن بكراهية العلم.
لم أحب الفيلم لكني أتساءل كم من القرون يلزمنا لصناعة سينما عن عالم فيزياء في مصر، ثم تذكرت أنه لا توجد سينما أو علماء هنا، الأولى احتكرها الرعاع والعلماء، إن وجدوا، فقد فروا بجلدهم خارج الحدود قبل أن يتحولوا إلى مدرسين علوم في صفائح قمامة تطلق عليها وزارة التربية والتعليم اسم مدارس، ويقتاتون من مجموعات التقوية التي ينظمها ملك الكيمياء وزعيم الجيولوجيا وطاووس اللغة الفرنسية، في الواقع لسنا في حاجة لإنتاج أفلام عن العلماء فلدينا واقع أكبر من أي خيال علمي لا نعرف فيه عن علم الفلك سوى أن البرامج الكبرى تستضيف العلماء الروحانيين الأجلاء لكشف حظنا الأسود بعد دخول المريخ في برج العقرب أو يتحدى فيه فني معمل أساطين الطب والكيمياء وعشرات الآلاف من علماء كبار انحنت ظهورهم فوق المجهر ويعلن قدرته على علاج الأوبئة الخطيرة بالكفتة قبل أن يختفي ونصير أضحوكة للعالمين.
(جريدة المقال)