بالرغم من بداوتنا، وعشوائيتنا، وغرائزيتنا، لا يستطيع لوران فابيوس اقناعنا بمواقفه الممالئة، بالاحرى المتواطئة، مع صديقه رجب طيب اردوغان بأن هذه هي فرنسا التي فتننا فلاسفتها ومفكروها وكتابها وحتى ساستها الذين على قياس شارل ديغول وجورج كليمنصو وايرفيه دوشاريت، واوبير فيدرين ودومينيك دو فيلبان...
لا نعتقد ان وزير الخارجية الفرنسي الذي نعرف لماذا تحوّل من اليهودية الى الكاثوليكية، لا يملك كل التفاصيل، وما وراء التفاصيل، حول شخصية الرئيس التركي وعقده، وطموحاته، ودونكيشوتياته ليغدو سلطان هذا الشرق وديكتاتور هذا الشرق...
ربما نسي من نسي ان فرنسا فولتير واندريه مالرو وريجيس دوبريه وروجيه غارودي هي التي اعطت لواء الاسكندرون الى عصمت اينونو في 23 حزيران 1929 ولاغراض ، وخلفيات، معروفة، فلماذا لا يتواطأ الكي دورسيه الآن، ويعلن قبوله بقيام مناطق عازلة على الارض السورية، وتحت وصاية انقرة التي عينها على حلب وعينها الاخرى على الموصل، وليذهب العرب والاكراد الى الجحيم..
هل قرأ فابيوس ما قاله مالرو عندما حاول الرئيس الاميركي فرنكلين روزفلت اقتطاع جزء من فرنسا، فقط لتحطيم انف ديغول (الذي قال ميشال جوبير انه كان يلامس المريخ)، وجزء من بلجيكا لانشاء دولة فالونيا؟
مالرو قال «ان جغرافية فرنسا مثل روح فرنسا لا تتجزأ ولا تتحطم». ايضا، ايها السيد فابيوس، وبمنأى عن النظام الذي لا نغفل البتة اخطاءه وخطاياه، السوريون يقولون، ومن تبقى من العرب يقولون، ان جغرافية سوريا مثل روح سوريا، لا تتجزأ ولا تتحطم...
لا احد الا ويدرك ماذا تعني «البربرية البيضاء» (والتعبير لتوني موريسون) حين يصبح الذئاب بياقاتهم المخملية، اوصياء على هذا العالم. لكننا نقول لفابيوس ان السلطنة العثمانية جثمت على صدورنا، وعلى ظهورنا، لاربعة قرون بقينا خلالها على قارعة الزمن، والآن ثمة رجل قال بالفم الملآن، وبتلك الغطرسة القاتلة، انه يبغي اعادة احياء السلطنة، ووضع الزمن ثانية في الثلاجة او في المقبرة.
اكراد تركيا تظاهروا، بالايدي العارية كما لاحظنا، احتجاجا على اقفال الحدود في وجههم. الشرطة قتلت اكثر من ثلاثين منهم. هل قرأتم او سمعتم ان مسؤولا فرنسيا واحدا اعترض على ذلك، كما لو ان لعبة المصالح، وبكل ضجيجها وبكل جنونها، لم تلقِ بالقيم في صناديق القمامة، وإلا هل يعتبر الفرنسيون ان اردوغان اكثر ديمقراطية من بشار الاسد؟
لا حدود لمكيافيلية الرجل. استدرج مسعود البرزاني وخدع عبد الله اوجلان عشية الانتخابات الرئاسية، التي كان للاكراد دور حيوي في نتائجها، حتى اذا ما تربع على عرش السلطنة ادار ظهره لهم، تاركا مقاتلي الدولة الاسلامية يفتكون بهم، دون ان يعني هذا، في حال من الاحوال، اننا مع التدخل العسكري التركي في عين العرب وغير عين العرب...
على الاقل كان يفترض باردوغان فتح الحدود امام اكراد تركيا ليؤازروا اكراد سوريا. لم يفعل ذلك بل اطلق النار على المتظاهرين ودون ان يعي التداعيات الدراماتيكية لذلك على شخصه كما على الدولة التركية التي يقول معلقون اتراك انها تواجه الان مأزقا بنيوبا قاتلا في ضوء تلك السياسات البهلوانية التي وضعت تركيا قيد انملة من الهاوية..
ما يعني لوران فابيوس هو ان يلمع سياسيا وديبلوماسيا وان كان على خطى بعض سابقيه في الانتهازية والاثارة ما دام حلمه في الدخول الى الاليزيه لم ينقطع يوما، وما دام يدرك مدى الوهن الاقتصادي الذي تعاني منه فرنسا والذي يحمل الساسة هناك على التبني الانتقائي لانظمة ضالعة في العتو وفي التعفن، والانقضاض على انظمة اخرى بمنأى عن كل معيار اخلاقي وفلسفي. ألم يقل باسكال بونيفاس «لكأننا ابدلنا الفلاسفة بالثعالب».
واشنطن حاذرت التورط في القبول بالاحزمة العازلة ليس فقط لانها تدرك طبيعة الانعكاسات على المنطقة، وانما لانها لا ترى في اردوغان اكثر من مهرج او مقامر يحاول ان يخدع «المؤمنين» بـ«رقصة الدراويش»، وهو البعيد كل البعد عن جلال الدين الرومي، بتجلياته الصوفية السحرية، والذي اطلق هذه الرقصة...
الآن، الاكراد غاضبون، العلويون غاضبون. رجل ابعد بكثير من ان يكون لاعبا استراتيجيا فذاً. تركيا تهتز وقد تنفجر. ثمة رجل خشبي على حصان خشبي. مواصفات سلطان اخر الزمان؟
تحية لرجال الاكراد. على الاقل يعلّموننا كيف تكون البطولة. تحية لنساء الاكراد عندما يقارعن البرابرة بالوجه الذي فيه نضارة الجبال، لا بالبرقع ولا بالجلباب اللذين هما الشعار الايديولوجي والاستراتيجي لثقافة الهاوية!
ن موقع الديار