(شهر رمضان المبارك على اﻷبواب، وهو اﻵن في أطول أيام السنة في نصف الكرة
اﻻرضية الشمالي، لذا دعونا نضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالصيام.
الصوم من شعائر الإيمان ووجد عند ملل قبلنا وإن كان بأشكال وأيام مختلفة.
الصوم عندنا عبارة عن أيام معدودات، أي ليس الدهر كله وليس العمر كله.
وقسم الله تعالى الناس في هذه اﻷيام المعدودات إلى ثلاث فئات: المريض،
المسافر، ومن يطيق الصوم فهو ﻻ مريض وﻻ مسافر. المريض والمسافر تم
إعفاءهما، أما من يطيق الصوم فعنده خياران: اﻷول أن يصوم والثاني أن يفدي
بإطعام مسكين كحد أدنى {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ
خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فهناك خيار الفدية أو الصوم للذي يطيق، ولكنه رجح
لنا الصوم فقال {وأن تصوموا خير لكم}، أي الفدية جاءت للذي يطيق، ﻻ
للمريض وﻻ للمسافر، بل هما سيصومان بعد الشفاء أو العودة، و من يقول
{يطيقونه} أي ﻻ يطيقونه أو يطيقونه بصعوبة فهذا هراء. وهذا يعني أنه لا
جدوى من قولنا {ربنا وﻻ تحملنا ما ﻻ طاقة لنا به} ولم ينفذ الله هذا،
وحملنا ما ﻻ طاقة لنا به، وتفقد هذه اﻵية مصداقيتها. ولذا قال في حديث إن
صح (الصوم لي وأنا أجزي به).
واخترنا الصوم ﻷنه خير لنا، ولكن كل من يدفع فدية فإنه لم يرتكب أي ذنب،
والفدية هي شيء عوضاً عن شيء، بدليل قوله تعالى {وفدينه بذبح عظيم} وفي
اﻷسرى{فإما مناً بعد وإما فداء} أي الفدية ليست كفارة ﻷن الكفارة ﻻ تكون
إﻻ عن ذنب، والسادة الفقهاء لم يفرقوا بين الفدية والكفارة، حتى أن
الصيام نفسه هو كفارة (غرامة) لذنوب أخرى. فالقتل الخطأ كفارته صيام
شهرين متتاليين إن لم يوجد فدية، والظهار كفارته صيام شهرين متتاليين،
واليمين كفارته ثلاثة أيام صيام، ونلاحظ هنا أن الصوم هو عقوبة أو غرامة.
فمن أراد الصوم جاءت اﻵيات التي تليها تشرح معنى الأيام المعدودات وتفسر
الصوم عن ماذا.
والله في بداية التنزيل الحكيم قال {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ
هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وذكر الصلاة ﻷنها صلة بين
الله والمؤمن، وذكر الإنفاق، لكن لم يذكر الصيام. والأمثلة كثيرة، ذكر
الصلاة واﻹنفاق عشرات المرات بقوله {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} ولم
يذكر مرة واحدة صائمي رمضان أو حجاج بيت الله الحرام.
وتأكدوا أن الصوم له فدية وليس كفارة وتصوروا كم هو مريح هذا الدين؟ هناك
من يصوم وهناك من يدفع، وكل من يظن أنه بدفع فدية الصوم سيبطل فهو في
ضلال مبين. الصوم لن يبطل. وإذا افترضنا أن مليوني شخص في أوربا يريدون
دفع الفدية عن هذا الشهر بمعدل 15 يورو عن كل يوم لكل شخص، فهذا يعني
مبلغ حوالي مليار يورو، فتصوروا على نطاق العالم اﻹسلامي لو أنشأنا صندوق
طعام مسكين من فدية الصوم، سنجمع 10 مليارات يورو كحد أدنى كل عام. ولن
يبقى جوع في العالم.
والخلاصة أن من يطيق الصوم له خياران، الصوم أو الفدية، والصوم خير ﻷن
الله تعالى فضله عن الفدية، ولكن من اختار الفدية ليس آثما وﻻغبار على
ذلك. فالرجاء ممن اقتنع وخاصة في البلاد التي نهارها طويل أن يعلم غيره
بهذا اﻷمر.
ونؤكد لكل المسلمين المؤمنين في بلاد أوربا والبلاد الحارة أن قوله تعالى
{يريد الله بكم اليسر وﻻ يريد بكم العسر} هو قول حقيقي وليس مجازي.).
انتهى