يمكننا القول من غير تردد إن التراث والفكر الشيعي في هذا الباب ليس تراثاً أو فكراً مستقلاً ، إنما هو إقتباس من الآخر وخليط منه وهنا نشير إلى المصدر وإلى النسبة ، ولهذا لا يجوز القول : إن للشيعة فكراً وتراثاً مستقلاً وخاصاً بهم ، وقولنا هذا من وحي الواقع ومن وحي الذي بين أيدينا من كتب وأخبار وتفاسير ، ولهذا ليس بمستغرب ان يقولوا بمثل ما قالت به العامة في سبب نزول قوله تعالى :
- أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم - ، ويعني هذا إن القول الشيعي في شأن نزول هذا النص وسببه لا يتعدى القول الذي تمسكت به أخبار أهل السنة ومحدثيهم ، ودليلنا على ذلك ما روآه أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السمرقندي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد الله الصادق قال : - سألته عن قول الله ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسا ءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، علم الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم ..إلى قوله – فكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر - ، فقال نزلت في - خوات بن جبير - وكان مع رسول الله في الخندق ، وهو صائم فأمسى على ذلك ، وكانوا من قبل ان تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام فرجع - خوات - إلى أهله حين أمسى فقال : عندكم طعام ؟ فقالوا : لا تنم حتى نصنع لك طعامك ، فأتكأ فنام ، فقالوا : قد فعلت ؟ قال : نعم ، فبات على ذلك ، وأصبح فغدا إلى الخندق فجعل يُغشى عليه ، فمر به رسول الله ، فلما رأى الذي به سأله ، فأخبره كيف كان أمره ، فنزلت هذه الآية : - أُحل لكم ليلة الصيام ..إلى قوله ..كلوا وأشربوا ...- تفسير العياشي ج1 ص 83 - .
وما روآه محمد بن يعقوب الكليني في الكافي عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وأحمد بن أدريس عن أحمد بن عبد الجبار جميعاً عن صفوان بن يحيى عن أبن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما في قول الله تعالى : - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم .. - فقال : نزلت في - خوات بن جبير الانصاري - وكان مع النبي في الخندق وهو صائم فأمسى وهو على تلك الحال ، وكانوا قبل ان تنزل هذه الآية ، إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب !! ، فجاء - خوات - إلى أهله حين أمسى فقال : هل عندكم طعام ؟ فقالوا : لا ، لا تنم حتى نصلح لك طعاماً ، فاتكأ فنام فقالوا له : قد فعلت ؟ قال : نعم فبات على تلك الحال ، فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمر به رسول الله ، فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره ، فأنزل الله عز وجل فيه الآية - وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر - الكافي ج 4 ص 98 - .
وما روآه أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في التفسير المنسوب إليه في قوله تعالى : - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، علم الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ..- رواية قال فيها : ( حدثني أبي رفعه قال : قال الصادق - كان النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم ، يعني كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم أنتبه حرم عليه الإفطار ، وكان النكاح حراماً في الليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من أصحاب النبي يُقال - خوات بن جبير - أخو - عبد الله بن جبير - الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه ، وبقي في أثني عشر رجلاً فقتل على باب الشعب ، وكان أخوه هذا - خوات بن جبير - شيخاً كبيراً ضعيفاً وكان صائماً مع رسول الله في الخندق ، فجاء أهله حين أمسى ، قال : هل عندكم طعام ؟ فقالوا : لا تنم حتى نصنع لك طعاماً ، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل ان يفطر ، فلما أنتبه قال لأهله : قد حرم علىَّ الأكل في هذه الليلة ، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله فرق له ، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سراً في شهر رمضان ، فأنزل الله : - أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، علم الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم ، وعفا عنكم فالآن باشروهن ، وأبتغوا ما كتب الله لكم ، وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتموا الصيام إلى الليل - ، فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان ، والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر ) - تفسير القمي ج1 ص 66 - .
ولو تأملنا هذه الأخبار في كتب التفسير والرواية لوجدنا فيها الآتي :
أولاً : - إن رواية العياشي ورواية الكافي يشبهان من جهة المضمون رواية البراء بن عازب التي ذكرناها في الحلقة الثانية ، مع اختلاف في اسم الشخص مورد البحث ، ففي رواية البراء هو - صرمة بن قيس الأنصاري - ، وعند العياشي والكافي هو - خوات بن جبير الأنصاري - ، كما ذُكر الخندق في رواية العياشي والكافي ولكن لم يُذكر في رواية البراء بن عازب ، وهذا دليل على أن جُّل الروايات والأخبار إن لم نقل كلها ، إنما تأتينا بالمعنى وليس باللفظ ، ولهذا الجنبة تكون الأخبار أشبه بقصص وحكايا ، يصعب التعويل عليها أو إستنباط الأحكام منها ، أضف إلى هذا فالرواية بالمعنى تضر بفكرة الرواية ووحدتها وصحة صدورها ، نعم يمكننا القول : إن أصل رواية العياشي والكافي مع رواية البراء بن عازب هو أصل واحد ، وهذا الذي نقوله في أو عن كيفية إنتقال الرواية والخبر من الطرف السني إلى الطرف الشيعي وبالعكس .
2 - وأما رواية علي بن إبراهيم القمي فهي مقتبسة من أربعة متون أو من أربعة روايات وإليك التوضيح و البيان :
1 - فمثلاً العبارة المرفوعة إلى الإمام الصادق والقائلة : - كان الأكل والنكاح محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم - ، هذه العبارة هي نفس مضمون رواية - كعب بن مالك – التي ذكرناها في الحلقة الثانية ، والتي قال فيها - كان الجماع والأكل بعد النوم في شهر رمضان محرم - ، ثم إن كلمة - الأكل - عند القمي لا تعني خصوص الطعام دون الشراب ، بل هي عنده عامة مطلقة .
2 – وأما قوله : - ( من صلى العشاء ) ونام ولم يفطر ثم أنتبه حرم عليه الإفطار - ، وجملة ( من صلى العشاء ) هي جملة مأخوذة من كلام أبي هريرة ، وأما لفظ - نام - فمأخوذ من خبر كعب بن مالك .
3 - وأما قوله : - وكان النكاح حراماً في الليل والنهار في شهر رمضان - ، فهو قول مأخوذ من رواية البراء بن عازب ..
4 - وأما قوله : - وكان رجل من أصحاب النبي .. إلى قوله فرق له رسول الله - وهذا عين مضمون القصة الثانية من رواية البراء بن عازب .
5 - وأما قوله : - وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سراً في شهر رمضان - ، فقد أخذها من رواية البراء بن عازب الأولى والتي قال فيها : - فكان رجال يخونون أنفسهم .. - .
وللتوضيح نقول : لا يوجد دليل ثابت ومُحكم على أن - علي بن إبراهيم القمي - كان له تفسيراً معيناً لكتاب الله ، وأما ما هو متداول ومذكور بأسمه ، فالراجح عندي إنه لعلي بن حاتم القزويني المحدث المعروف والذي كان معاصراً للكليني ، ولهذا لا نعلم منهج القمي وتفكيره كما ولا نستطيع الحكم على منهجه العلمي في قراءة الأخبار والنصوص ، وعلى كل حال فهذا التفسير المنسوب إليه مليء بالأخبار التي يقتبسها من طرق أهل العامة ، والمؤسف إن من ينقلها في كتابه ينسبها إلى أئمة أهل البيت .
ولا ضير من التصريح بالقول : إن الكتب والتفاسير في هذا المجال مليئة بالحشو والكذب وغلبة الهوى والترويج للخزعبلات ، والغالب فيها لسان حال جماعة الصحابة الذين كانوا قريبين من البلاط الأموي ومن وعاظه ، ولهذا جرى نشر أفكارهم ومروياتهم والترويج لها بين الناس ، وفي ذلك لا ندعي أمراً جديداً ، إنما نقول : إن الكثير والكثير جداً من تلك الروايات والأخبار هو وهمٌ ومحض خيال ، ولهذا لا يمكن الإعتماد عليها أو وضعها في خانة الأخبار المحترمة أو التي يؤسس عليها أو يُستئنس بها ، ولهذا فلا غرابة أن نجد بعض السذج من رواة الشيعة من ينقل هذا الأخبار ولا يحقق فيها ولا يدقق ، كالخبر الذي رويناه في الحلقة الثالثة في قولهم - لا تقولوا رمضان ، وقولوا شهر رمضان ، فإن رمضان أسم الله - ، وكرواية العياشي ورواية الكافي مورد البحث والتي أخذت بالسماع و بالمضمون عن البراء ونُسبت إلى الإمام الباقر من غير تحقيق ، وهذا ما يجعلنا نؤكد على صحة ما ذهبنا إليه من عدم إستقلالية الخبر والرواية والفكر الشيعي .
ولرب قائل أن يقول : وما قولكم في أسانيد هذه الأخبار وصحتها ؟ .
ونقول : إن صحة السند ليس دليلاً على صحة المتن ، والذي يهمنا في هذا المجال ليس صحة السند ، إنما صحة المتن ومطابقته لكتاب الله ، وهذه هي القاعدة أو هذه هي الضابطة أو هي الملاك الذي عليه المعول في الحكم على الخبر من حيث القبول والرد .
ولعلكم تدرون كم من الأخبار الموضوعة الموجودة في كتب التراث ، وهي صحيحة السند ولكنها ساقطة من الإعتبار من جهة الدلالة والمعنى ، وفي ذلك لا يكون لصحة السند دخل أو أثر في صحة متن الخبر ودلالته ، ولهذا نقول : إن أخبار الكافي والعياشي والقمي التي أوردناها سابقاً ساقطة من الاعتبار ، لكونها تستلزم نفي الحكمة والعلم من الله !! ، وهذا اللزوم مخالف لأصول العقيدة والإسلام ، ولهذا يكون كل ما روآه العياشي والكليني والقمي في سبب نزول قوله تعالى - أحل لكم ليلة الصيام ..... - هو قول متهافت لا يعتد به ولا يمكن قبوله بحال من الأحوال ، وذلك لأنه لا يجوز القبول بفكرة إن الله حين شرع الصيام في بداية الأمر جعل الأكل والشرب والنكاح بعد النوم أو بعد صلاة العشاء محرماً !! ، هذا الكلام الذي نقول عنه : إنه خلاف الحكمة والعلم والمصلحة من التشريع ومن الأمر والنهي ..
ومثل هذا التهافت نقرأه أيضاً في كتاب - علاء بن رزين - المروي عن محمد بن مسلم عن الإمام محمد الباقر : - قال سألته عن الحصاد والجذاذ ، قال : لا يكون الحصاد والجذاذ بالليل ، إن الله يقول : ( وأتوا حقه يوم حصاده ) - كتاب الأصول الستة عشر ص 152 ، وكتاب الأصول هذا : عبارة عن مجموعة كُتب لأصحاب الأئمة ومعاصريهم ، وكتاب أبن رزين هذا قام بتلخيصه الشهيد الأول - أنظر في ذلك مع تفصيل تجده في مجمع الرجال للقهبائي ج 4 ص 147 - ، وهذا الخبر هو دليلنا على التهافت في الأخبار و الروايات ، إذ جعلوا من لفظ - يوم - الوارد في الكتاب المجيد ، يعني النهار في مقابل الليل ! ، وهذه مفارقة معرفية لا ندركها لأن الكلام في النص إنما يتحدث عن حصاد القمح وجذاذ النخل ، وفي لغة العرب لا يُقال لكلمة - يوم - بمعنى النهار الذي يُقابل الليل ، بل هو لفظ عام ويعني عندهم مطلق الوقت - من الليل والنهار معاً - وفي ذلك شواهد متنوعة نذكر منها التالي :
قال تعالى : - كل يوم هو في شأن - الرحمن 29 ، ومعلوم إن النص هنا لا يقول إن الله له في كل نهار شأن ، وليس له ذلك في الليل !! .
وقال تعالى : - لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه - التوبة 108 .
وقوله تعالى : - أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة - البلد 14 .
ومع التتبع في نصوص الكتاب المجيد سنجد الكثير من هذا و التي ورد فيها لفظ - يوم - بمعناه المطلق أي مطلق الظرف الزماني ومن دون تحديد أو تقييد أو تخصيص .
قال تعالى : - لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده - البقرة 249 .
وقال تعالى : - اليوم يئس الذين كفروا من دينكم - المائدة 3 .
وقال تعالى : - اليوم أحل لكم الطيبات - المائدة 5 .
وقال تعالى : - وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر – التوبة 3 .
وقال تعالى : - لا عاصم اليوم من أمر الله - هود 43 .
وقال تعالى : - إنك اليوم لدينا مكين أمين - يوسف 54 .
وحتى حين أستخدم كلمة - اليوم - مع الألف واللام أستخدمها للدلالة على الوقت المطلق الغير مُعين ، ولو أراد بها التخصيص لجاء بالقرينة الدالة على ذلك ، كما في قوله تعالى : - سبع ليال وثمانية أيام – الحاقة 7 ، وهنا نجد التقابل واضح بين كلمة - ليال - مع - كلمة - أيام - .
ونعود لنقول : إن معنى - يوم - في قوله تعالى : - وآتوا حقه يوم حصاده - الإنعام 141 ، إنما هو تعبير عن الوقت بما هو من غير تحديد ، وأما التقييد في الخبر لكلمة - يوم - فليس عندنا بشيء ،
فإن قلت : ( وفرض المحال ليس بمحال ) ، إن - يوم – لفظ دال على النهار مقابل الليل .
قلنا : إن المتعين في النص هو - الحق المادي - للمحصول وليس المتعين هو حصاد المحصول ، هذا باعتبار - يوم - هو ظرف زماني ومتعلقه يكون لفظ - آتوا - وليس - حصاده - ، ويكون ذلك المتعين هو إعطاء الحق المادي بالنهار وليس بالليل ، ولا دخل للحصاد في هذا ، بمعنى أدق : إن الظرف الزماني الذي يجب أن يكون لم يذكر ، والنص لا يريد ذلك ، بدليل ان الحصاد لا يكون في الليل في العادة ، ولذلك يكون معنى قوله - يوم حصاده - على المتعين في إعطاء الحق المادي المترتب على الحصاد متى حصل ، أي على الوقت الذي تحصدون به يتعين الحق المادي ، ولو بدلنا جملة - يوم حصاده - بعبارة - عند حصاده - فسيكون معنى – يوم حصاده - هو - عند حصاده – أو ( عند الحصاد ) ، وذلك كي لا يقع التأخير فيخاف عليه من النقصان أو التبذير .
ولا يضر بل لا يُقدم ولا يؤخر حتى لو كان في السند - محمد بن مسلم - والذي هو من الثقاة ، وكذلك - علاء بن رزين – والذي هو من الثقاة أيضاً - أنظر الفهرست للطوسي ص 138 ، نعم السند الروائي للخبر صحيح ، كذلك و لا نستطيع القول : إن واحداً من هؤلاء قد كذب على الإمام الباقر ، إذن فكيف يروى عن الإمام رأي باطل وغير صحيح ؟ أعني ما هي المشكلة ؟ وما هو الداعي إلى ذلك ؟ ، وكما قلنا في السابق ونقولها الآن : إن كثيراً من رواة الأخبار الثقاة قد يقعون في الخطأ والإشتباه والغفلة أحياناً ، ولهذا نقول : ربما يكون محمد بن مسلم قد أخطأ في نسبة هذا الخبر أو في سماع هذا الخبر من الإمام ، وربما يكون علاء بن رزين هو من أخطأ في سماعه ونقله عن محمد بن مسلم ، وربما يكون محمد بن مسلم قد سمع كلام الإمام في معنى - وآتوا حقه يوم حصاده - ، ولم يلتفت إلى ما يريد قوله بعدم جواز جمع المحصول بعيداً عن أعين السائلين والمحرومين وأهل الحقوق ، ففهم محمد بن مسلم معنى ذلك يكون بعدم جواز الحصاد والجذاذ في الليل ، ونقل ذلك علاء بن رزين في كتابه ولكن ليس كما أراد الإمام التأكيد عليه ، بمعنى : عدم جواز الحصاد والجذاذ في الليل إن كان في ذلك الفعل ضررا على أهل الحقوق من السائلين والمحرومين ، ويؤيد ذلك ما روآه الكليني في الكافي عن الإمام الصادق في كتاب الزكاة ج3 ص 565 قال : - لا تصوم بالليل ولا تحصد بالليل .. فإنك إن تفعل لم يأتك القانع والمعتر .. وإن حصدت بالليل لم يأتك السّؤال ، وهو قول الله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال الكليني : يعني عند الحصاد - .
نعم ربما يكون الإمام الباقر قد قال شيئاً قريباً من ذلك أو شبيهاً له ، وربما يكون ذلك القول عند محمد بن مسلم أو عند علاء بن رزين هو بمثابة الحكم والتفسير لقوله تعالى : - وآتوا حقه يوم حصاده - ، ولكن وكما مر بنا في الحلقة الثالثة نؤكد هنا من جديد على : أن كثيراً من الأخبار أو بعض الأخبار يكون سندها صحيحا ، ولكن دلالتها تكون باطلة ومضمونها باطل وغير صحيح ، وهذه الإشكالية المعرفية توهم الناس وتجرهم إلى فهم خاطئ وتفسير غير صحيح ، ولعل ذلك يكون أكثر شياعاً حين يغلب منهج الحفظ على منهج التحقيق والتدبر ، ولهذا نقول : إن الحاجة ماسة إلى تقييم علمي ومعرفي لكل هذا التراث ، وتصحيح ما فيه تبعاً للقواعد التي يتضمنها الكتاب المجيد ، ومنها موضوعة أسباب النزول التي تعصف بالكتاب فتخرب عليه إرادته وتخرب عليه منهجه في التغيير والإصلاح والبناء ، وقد غط في نوم هذا التخريب مفسرين وكتاب لهم أسمٌ ومقامٌ يتردد ذكره ، ولكن منتجاتهم الفكرية ما هي إلاَّ عبارة عن مزيج من خلط وتشويه لأنهم أعتمدوا على الحفظ وعلى التذكر وعلى السماع من دون تحقيق أو تأمل وتلك هي المفارقة التي تعصف وتزلزل بالتراث وبالفكر وما تبقى منهما ..