في خضم هذا الصراع وبين ثنايا هذه الفتنة الجوالة ، يضيق صدرنا بكل أولئك المتحذلقين والباحثين عن مغانم في ظل الإنقسام وهذه الفوضى وهذا الموت الذي يطوف بالبلاد ، ولقد كنت مستبشراً في تغيير ثقافة وفلسفة ومسار الحكم في العراق بعد الإنتخابات ، ليكون حكماً وطنياً غير منحاز وغير مُدنس بأوزار الطائفية البغيضة والمحاصصة السقيمة ، وكنت أقول :
ان العراقي سينهض من جديد وسيفتح أبواب المدينة ويحطم كل أصنام الجهل والتخلف ، ويُنهي بإرادته نزعات ما قبل التاريخ وما قبل البداية ، وكنت مع الدعوة إلى أغلبية سياسية تتكون فيها وتتآلف على أساسها وحدة المنهج ووحدة البرنامج لما ينفع البلاد والعباد ، وذلك لأن هذا الإنتفاخ في جسد العراق قد مزق أوصاله ، وأني أعترف إنه بفضل أولئك البعض من طلاب المغانم والمناصب قد أصابنا الكثير من الهزات والعواصف الإجتماعية والثقافية والإقتصادية ، كما ويؤلمني جداً أن يتدخل بعض أدعياء الدين لكي يفرملوا وعلى طريقتهم كل ما يمكن ان يكون فيه صلاحاً ، يتنابزون ويترافسون ويكأنهم من صنع المعجزة أو غير الطاغوت وحطم الصنم ، متناسين أن فعل التغيير كله كان من طرف أخر ومن وحي أخر ، وكنا نحن ندعم ذلك لظن غالب فينا بأن شعب العراق يمكنه صنع الحياة وصنع المستقبل ، وظننا هذا كانت تدعمه رغبة إجتماعية في صلاح الحال ، وكذا الإنفتاح على العالم المتمدن في ظل تطور مباني الحكم والحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وسيادة القانون ، ولكن حين سُمح لهذا البعض في المشاركة حين تكسرت قيود الصنم ، تنادوا من مكان بعيد ومن بطون العفن التاريخي عن الحق المسلوب ، جاعلين من الفوضى هي الحكم وهي الدستور ، ولم يسلم في ذلك الشرف الرفيع من الأذى حتى سالت منه أودية من الدم .
ولقد كنا وقبل ثلاث أو أربع من السنيين نلهج وننادي بحكومة قوية لا تتهاون ولا تنظر إلاَّ لمصلحة الوطن ومصلحة الشعب ، وكنا ندعوا لكبح جماح المفرَطّين من أية جهة ولون وعنوان ، لأننا نشعر بأن التحدي الحقيقي الذي يواجهه العراق هو تحدي الإرهاب بكل صنوفه وأشكاله ، وهذا التحدي لازمه صرامة في الفعل الذي يؤدي إلى أستتباب الأمن وحماية الناس وممتلكاتهم وشوارعهم وأزقتهم ، بحيث يأمنوا جميعاً على حاضرهم ومستقبلهم فلا يخافون من المجهول ومن الرصد ومن العبث .
واليوم نجدد الدعوة ونقول : لكل الفرقاء أو الطامحين بهيكل السلطان دعوا ذلك لمن هو أحق به منكم ، وساعدوه ليضرب بيد من حديد قوى الإرهاب والرجعية والتخلف الذي يعشش ويبني له في حاراتكم بنيانا ، دعوا رئيس الوزراء يشكل الحكومة وساعدوه ليقضي على هذه الفوضى التي تسحق الأمل والكرامة ، ودعوا عنكم تلك الشخوص المعروضة مع كل أحترامنا لها ، فالعراق يجب ان يُدار الآن بقوة لا تسمح به وفيه للمتاجرين بدماء الناس ، أن الدواعش والجهات المخفية تعمل على تخريب العراق ، وأنتم غارقون في نزق المراهقة ومنشغلون في أيكم يحكم العراق ؟ ، إن هذه المتاهة ستطول أن أردتموها كذلك ، ولذلك نقول : ليكن فيكم ضمير وحياء من هذا الموت الذي يطوف بالبلاد التي صارت سخرية يتندر بها شذاذ ومارقين ، وأظن أن رئيس الوزراء لاتعوزه التجربة وهو بحسب مراقبتي أقدر من غيره ، ومن الوجوه التي تعرض بين الفينة والأخرى في سوق المنافسة .
نحن الشعب يريد الأمن والأمان والعدالة والحرية والسلام ، نحن الشعب يرفض التلهي والمراوغة والخداع ، نحن الشعب يطلب ان يكون الحاكم قوياً غير مهزوز وغير ضعيف وغير مُبالغ فيه ، نحن نُريده أن يمسح من أعين العراقيين حزن السنيين ويمحو خيبة الأمل في الحاضر ، نريده رجل المرحلة عزيزاً مُهاباً ، وعليه أن لا ينظر لكثرة الناعقين حوله فوجودهم كقلتهم ، والحاكم القوي هو إرادة الشعب وضميره وحلمه الذي بنى عليه والذي من أجله قدم الكثير ..