الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، خاصة مع الأفلام القادمة من الجماعات الإرهابية الإسلامية في سوريا – آخرها الفيلم الفاجعة الذي يصور طفلاً يقطع رأس ضابط علوي من قرفيص – هي أن الحراك الشعبوي المسمى خطأ، أخلاقياً وإنسانياً وحتى زمنياً، بالربيع العربي، ليس أقل من ارتكاسة رجعية بدوية تريد إعادة المنطقة كلها من زمن المدنية إلى زمن ما قبل البداوة.
وحدها الأنظمة تتحمل المسئولية. وإلا فكيف نفسّر هذا الطوفان من قطعان الوهابية التي تملأ شوارع سوريا، التي طالما كذبوا علينا بأن لا مكان فيها لغير التقدّم والإشتراكية؟ كانوا يكذبون على القيادة. والأجهزة الأمنية هي المسئولة الأولى والأخيرة عن هذا السقوط في براثن الوهابية. كل شيء تحت السيطرة: كانوا يقولون! واكتشفنا أن سيطرتهم كانت فقط على العلمانيين والليبرالين وكل من هو إنساني في بلد زنوبيا ولونجينوس الحمصي!
الإسلام والديمقراطية خطّان متوازيان لا يلتقيان أبداً! وكما كان زعماء جبهة الإنقاذ في الجزائر يحذّرون من أن الديمقراطية، كحكم للشعب، هي النقيض لمفهوم الحكم في الإسلام، الذي هو حكم الله؛ فإن أية حالة ديمقراطية قد تتواجد اليوم في تونس أو مصر لا يمكن لها الاستمرار! ستستخدم الديمقراطية، كحمار أجرب، من أجل إيصال جماعة البدوية الجديدة إلى سدة السلطة، ومن ثم يقتلونه حال وصولهم.
لا أسهل من الحصول على الغالبية. ففي هذه المنطقة حيث يسيطر الفقر والجهل والإسلام على عقول الناس، لا يمكن لغير الحالمين بحوريات الجنة، بعد أن فشلوا في الوصول إلى حورية واحدة في الدنيا، أن يصوتوا لغير بائعي الحوريات. هذه الغالبية، رعاع الإله الغبي، لا يمكن أن يُسمح لهم، عبر دساتير أخوانية، بتغيير الرأي إن هم أرادوا بعد أن يُخذلوا في الدنيا والآخرة.
هذه الكوكبة من حمير السلفية والوهابية لن تجد أفضل من الأخوان يركبونها إلى السلطة. الأخوان أكثر تناسباً مع العصر. وهم يتلونون كالحرباء العجوز وفق الحاجة. الأخوان يدفعون بهؤلاء الصرعى إلى الواجهة؛ والصرعى، كالسرطانات التي لا تمتلك بوصلة ولا بصيرة، يتخبطون في مواجهة واقع عالي العصرنة بعقلية ممتلكة للحظة ميتة من الزمان؛ لذلك فهم لا يفيدون إلا في المزيد من إشعار العالم كله بالقرف – يأتي هنا الأخوان، قوة منظمة، ذات " مظهر " حضاري، تريد تخليص الإسلام من أسر هؤلاء الصرعى، وتطبيق شرع الله بطريقة عصرية: يعني بدل قطع الرأس على طريقة الطفل الحمصي، يصبح القتل عبر القناص المدرب للغاية.
نحن ننتقل اليوم من استبداد الفرد إلى استبداد المؤسسة – وتلك هي الكارثة الحقيقية! في مصر، على سبيل المثال، كان ثمة نصف مستبد اسمه حسني مبارك؛ وزال هذا النصف-استبداد مع زوال حسني من مركز القيادة! اليوم، محمد مرسي الشخص لا يحكم واقعياً، بل من يحكم هو جماعة الأخوان المسلمين! والأخوان المسلمون جماعة مافيوزية كوزموبوليتانية، يهمها السيطرة على السلطة في المناطق ذات الغالبية السنية تحت اسم الدين. لعبتها التجهيل والتلحف بعباءة الدين الفضفاضة: أفضل الطرق لسوق الرعاع من أنوفهم. لذلك فقطع ذراع الأخطبوط لا يعني موته. قطع ذراع الأخطبوط المسمى محمد مرسي، لا يعني موت الأخطبوط المسمى بالأخوان. لذلك فإن كل من يحلم بإنهاء الاستبداد الديني في مصر عبر الإنهاء السياسي لمحمد مرسي ليس أقل من واهم: الأخطبوط يمسك بضحيته، مصر، ولن يتركها إلا بقتلها. تونس تختلف عن مصر كمياً لا نوعياً.
لقد انتهى العالم الناطق بالعربية: العراق؟ تعيش إنت! مصر؟ تعيش إسرائيل! سوريا؟ تعيش جبهة النصرة. لذلك لا بد من البحث عن مقر للخلافة الأخوانية في بلاد الترك. وهل ثمة مدينة أفضل من أنقرة؟ لقد حكمنا العثمانيون، كما تحكم الأبقار المريضة، أربعة قرون بسيوف القزل باش وأقدام الإنكشارية؛ اليوم، مع انتقال الثقل الأخواني إلى بلاد آل عثمان، ووصول الرعاعة المصري ونصف اللص التونسي إلى سدة الحكم في البلدين، سوف نجد أنفسنا وقد عدنا إلى زمن الباب العالي، وسيذهب تجار الحروب إلى الأستانة كي يشتروا رتب البكوية والباشوية!
غداً؛ مع دخول الناطقين بالعربية عهداً جديداً من التخلّف المتجدد، سيكون لدينا في سوريا محمد جورج صبرا باشا؛ معاذ الخطيب آغا؛ رياض الترك بيك؛ وسهير الأتاسي أفندية!
رحم بعل زمن القدماء من أغوات وبكوات وباشاوات وأفندية: أقله كانوا شبعانين، أخلاقاً ومالاً ونساء ورقياً...
حقاً إنه زمن العرعور...!!