سؤال طرحته على نفسي بعد الإطلاع على تفاصيل جريمة قتل مجموعة من الشيعة كانوا في عرس على أيدي مجموعة من المجرمين من أبناء الطائفة السنية :
أنا الليبرالي المعادي للطائفية ، والعدو رقم واحد للتدخل الإيراني ، والمنتقد الدائم للمرجعية والأحزاب الشيعية ، والرافض لعقائد وطقوس الشيعة الذين يعتبرونني كافرا بمذهبهم ... ماذا سيحدث لي لو كنتُ ضمن زفة العرس وتم خطفي معهم ؟
هل سينفع لو أخبرت الإرهابيين انني متمرد على الشيعة وليس لي علاقة بهم ، وانا ضد إيران ، ومع الوحدة الوطنية والعراق الموحد ودولة المواطنة والمساواة بين الجميع ؟
هل سيعفون عني ويطلقوا سراحي ، ويقولون لي أنت ابن وطننا وشقيقنا ونحن نقدر لك مواقفك الوطنية ؟
هل سيعجبون بقدرتي على التحرر من أسر الطائفية الضيق والإنعتاق من التعصب ؟
أسئلة مدمرة تراودني في خضم مراجعتي لأفكاري المثالية الخاطئة وتصحيحها بشأن أحلام قيام دولة عراقية تعامل الناس على اساس المواطنة بعيدا عن الطائفة والقومية ، ومجتمع متحضر يتطلع للسلام والمحبة والبناء والتقدم .
للأسف لاأحد ينجو من جرثومة التعصب الطائفي ، ومصيري لو كنت مع الشهداء الإبرياء الذين قتلوا سيكون نفس مصيرهم إن لم يكن أسوأ بإعتباري ليبراليا .. اذ ستضاف تهمة جديدة لي : شيعي وليبرالي كافر.
جريمة زفة العرس في التاجي ليست حدثا فرديا معزولا ، بل هي أدلة مضافة على إنهيار الدولة العراقية ، وانقسام الشعب الى طوائف وقوميات وعشائر واحزاب ، وإنتشار الأحقاد ... وتحول العراق الى مجرد شركة لبيع النفط وتوزيع الغنائم دون وجود مشروع بناء دولة لجميع العراقيين لدى كافة الأحزاب والساسة !
وبعض الجراثيم لايمكن الشفاء منها كالأحقاد الطائفية والقومية ، وفي العراق حصلت نفس كوارث ومأساة : يوغسلافيا ، والسودان ولبنان وافغانستان وغيرها من الدول التي مزقتها الصراعات الدينية والقومية ، والتي لن تنفع معها التصريحات الإنشائية الفارغة عن أهمية الوحدة الوطنية والأخوة والشعب الواحد ... فقد إستحكم المرض في جسد المجتمع وتغلغل بين طيات الفكر والعواطف ، وسُفكت الدماء ، وفُقدت الثقة .
وامام هذا الخراب الذي ينهش البلد .. لابد من الإنصياع لشروط الواقع رغما عن قناعاتنا ورغباتنا واحلامنا ... والتفكير الجاد بإختيار ( اقل الضرر ) وهو اللجوء الى تقسيم العراق الى ثلاث دول : شيعية وسنية وكوردية ، دول مستقلة ذات سيادة وليست أقاليما فدرالية ، ووقف النزيف المالي والإجتماعي والصراعات السياسية ، وإنهاء مهزلة تحول العراق الى شركة لبيع النفط فقط .
أنا حزين ومفجوع بالخراب الذي حدث للعراق على أيدي ابنائه الذين فشلوا في بناء وطن لهم ، وبالنسبة للذين يستغربون من تحولاتي السياسية من ليبرالي متطرف الى داعية لإقامة دول طائفية شيعية وسنية وقومية كوردية .. أقول لهم : من حُسن الحظ لديّ شجاعة الإعتراف بخطأ تصوراتي وأفكاري المثالية وأحلامي بإقامة دولة عراقية علمانية تعتمد مبدأ المواطنة والمساواة رغم اني مازلت مؤمنا بالليبرالية كمنهج وبرنامج وفلسفة حياة ... لكني بخصوص العراق كنت بعيدا عن الواقع ، ورغم اني مازلت ضد كل أشكال الطائفية والقومية ، فانني في الوقت نفسه أبحث عن حلول ومعالجات تقلل الضرر والخسائر ، وحسب رأيي التقسيم هو أقل الضرر للأسف الشديد .
ختاما: أرجوكم تخيلوا مشاعر العريس الذي تم تقييده وإغتصاب عروسه أما عينه ... تخيلوا عذابات العروس المغتصبة وهي تقتل ويقطع نهديها بالمنجل ... تخيلوا الاطفال الذين تم قتلهم ورميهم في النهر ، تخيلوا كل تلك الفواجع وتألموا من أجلهم واطردوا أحلام الوطن الواحد التي قُتلت بسيف الأحقاد الطائفية والقومية !
kodhayer1961@yahoo.com