بغداد ـ طه حسين
يعد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من اهم المبادئ التي يرتكز عليها البناء الدستوري للانظمة الديقراطية الحديثة ويعتبر مونتسيكو الذي دعم قيام الثورة الفرنسية في العام 1789 ميلادي اول من دعا الى مبدأ الفصل بين هذه السلطات في كتابه روح القوانين
مبينا ضرورة الفصل فيما بينها وعدم جعلها محصورة بيد شخص واحد ممثلا بالملك او الحاكم لاسيما السلطتين التشريعية والتنفيذية، لان السلطة القضائية كانت تتمتع بمساحة معينة من الاستقلال وتقف على مسافة من السلطة التنفيذية، بعد ذلك انتشر هذا المبدأ واصبح عرفا في اغلب الانظمة الدستورية لدول العالم حتى الانظمة الدكتاتورية والشمولية منها.
ولمعرفة الضرورات التي تؤكد على اعتماد هذا المبدأ ومدى تحققه في العراق في الفترة التي اعقبت سقوط النظام السابق التقت (الصباح) الدكتور هادي نعيم المالكي استاذ مادة القانون الدستوري في كلية القانون جامعة بغدادالذي اكد على ان العراق وفي ظل النظام السابق كان يعاني من ازدواج السلطة التشريعية فيه، اذ ان السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس الوطني كانت عبارة عن ديكور لا سيما وان مجلس قيادة الثورة المنحل كان يمارس دور السلطة التنفيذية والتشريعية في نفس الوقت حتى بعد تاسيس المجلس الوطني لكي يكون سلطة تشريعية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لان هذا المجلس لم يتمتع بالصلاحيات الكاملة لاحتفاظ مجلس قيادة الثورة بالقسم الاكبر والمهم من صلاحيات السلطة التشريعية المتعلقة بسن القوانين واتخاذ القرارات المصيرية للبلد.
كم تحقق عندنا من هذا المبدأ خلال السنوات التي اعقبت سقوط النظام في العام 2003 ؟
النظام الديقراطي الذي انشئ في العراق بعد العام 2003 والذي اختار النظام البرلماني لادارة شؤون البلاد عمل بشكل جدي على تكريس هذا المبدأ والعمل به على الرغم من المشاكل والمعوقات التي تواجهه في ظل وجود المحاصصة الطائفية في البرلمان والتي تعتبر من ابرز التحديات التي تحول دون تطبيق المبدأ المذكور بالشكل الكامل لان الحكومة الحالية مشكلة على وفق مبدأ التوافق بين الكتل الرئيسة في البرلمان الامر الذي يسهم بصورة مباشرة اوغير مباشرة في تعطيل عمل الحكومة وتحديد صلاحيات رئيس الوزراء في اختيار العناصر الكفوءة لقيادة هذه الوزارة او تلك وشل قدرته على اقالة او محاسبة المقصرين منهم، لان المساس بشخص هذا الوزير او اتهامه بالتقصير او الفساد يعني اتهام الكتلة التي رشحته وهكذا.
واضاف ان هذا الامر اسهم بشكل مباشر في تعطيل احد اهم الادوار الرئيسة للبرلمان المتمثلة بعمل لجانه على مراقبة اداء المؤسسات الحكومية وكشف مواطن الخلل فيها ومحاسبة المقصرين بموجب الصلاحيات التي يتمتع بها البرلمان والتي تصل الى استضافة المسؤولين الحكوميين ومواجهتهم بالحقائق لمعرفة اسباب الخلل وسحب الثقة عنهم حال ادانتهم واحالتهم الى القضاء بل وامكانية سحب الثقة عن الحكومة باكملها واسقاطها اذا ما ثبت تقصيرها في اداء الواجبات المناطة بها في الوقت الذي يتيح فيه القانون للحكومة حل البرلمان والدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة حال ثبوت تقصير البرلمان في تنفيذ المهام الموكلة اليه والمتمثلة في تشريع القوانين وحل الخلافات الدستورية وغيرها.
هل تعتقد ان مؤسساتنا قادرة على الوقوف باستقلالية لتكريس ذلك المبداء الدستوري؟
اعتقد ان المؤسسات القائمة الان في البلد وعلى الرغم من الجهد الذي بذل في هذا الاتجاه غير قادرة على الوقوف باستقلالية كاملة في ظل الوضع الراهن وسيادة مبدأ التوافق السياسي بين الاحزاب المتنفذة والكتل البرلمانية الكبيرة والتي تمثل كل واحدة منها طائفة معينة للاسباب التي ذكرناها سابقا . وبين اننا اذا ما اردنا انجاح هذا المبدأ ما علينا الا العمل على تفعيل مبدأ الاغلبية السياسية التي تستطيع بموجبه الكتلة الحاصلة على الاغلبية البرلمانية تشكيل الحكومة وبذلك يمكننا التحرر من الاشكالية التي تضعنا فيها التوافقية سواء في الحكومة او البرلمان، ولكن لابد من الاشارة الى مسألة مهمة وهي ضرورة ان تكون الكتلة الفائزة ممثلة من اغلب اطياف الشعب العراقي حتى لا نقع في الاشكالية نفسها من خلال القول بان هذه الكتلة تمثل شريحة او طائفة او قومية معينة والعودة مرة اخرى الى البحث عن تحالفات وتوافقات من نوع اخر لتشكيل حكومة وطنية، ما نأمله في الحقيقة هو ان نرى تغيرا حقيقيا وجوهريا في الخريطة السياسية وفي شكل التحالفات بين الاحزاب يكون مبنيا بشكل اساسي على المصلحة الوطنية والابتعاد بشكل كامل عن الصراعات والتخندقات الطائفية التي كانت سببا رئيسا في ايقاف عجلة التقدم في البلد وعرقلة المشروع الديمقراطي فيه.