هذا بحث موضوعي في
كتاب : إشكالية الخطاب
في
القراءة التأريخية لوقعة كربلاء ــ ــــ ج 9
للشيخ الركابي
هناك كم هائل من أخبار قام في صناعتها رجال أشتهروا بالكذب والخلط والدعاية المضللة
وكل ذلك كان يستهدف تحريف عقول الناس من تلمس فكر الحسين كما هو من دون زيادات أو إنقباض يسعى له أعداء الحرية والعدل والسلام ، وسنقوم في هذا الجزء بالتذكير ببعض منها لنكون جميعاً في مواجهة خطر التزييف الذي سلب عقولنا لسنوات طوال ، مواجهة تلزمنا العمل سوياً للخروج بالحسين من دائرة الإستلاب والإغتصاب التي تحكم فيها رجال الوعظ المزيفين ورجال الدين المتخلفين الذين يحبون ان تشيع الخرافة والجهل والتضليل لأن في ذلك حياتهم ومعاشهم ، وهذه كبيرة أخرى تضاف إلى سُلم أمراضنا التي صدرها عقل الخرافة والجهل عقل التطبير واللطم والنياحة وأفعال أخرى يندى لها الجبين ، وهنا سنُذكر القارئ العزيز إلى أهمية التصحيح والإصلاح التي يتبناها الركابي وجيل المجددين في قضايانا الحاسمة ، ولأجل زيادة الإطلاع إليكم هذه السلة من الأخبار الكاذبة :
الخبر الأول :
[ قيل إن أهل البيت طلبوا من - عمر بن سعد - أن يمر بهم على قتلى وقعة كربلاء ] ، ولكي نتحقق من صدق هذه العبارة أو كذبها نقول إن : ما بأيدينا من المصادر التأريخية والمراجع المعتبرة التي تناولت قضايا وقعة كربلاء ، لم تذكر لنا هذا القول ، ولم تذكر لنا بأن الأسرى من أهل البيت قد طلبوا قبيل ذهابهم إلى الكوفة من كربلاء أن يمر بهم على مقتل الحسين والشهداء ليودعوهم الوداع الأخير وإليك تريب باأسماء الكتب التي رجعنا إليها في بحثنا هذا :
1- الأخبار الطوال للدينوري ص259 ط ايران .
2- تاريخ الطبري ج4 ص 348 و 34 ط مصر مطبعة الإستقامة .
3- تاريخ اليعقوبي ج2 ص 232 ط النجف .
4- الإرشاد للمفيد ص 224 ط قم .
5- المنافب لأبن شهر آشوب ج4 ص113 ط ايران .
6- مقتل الخوارزمي ج2 ص 39 ط النجف .
7- الكامل في التأريخ لأبن الأثير ج4 ص 81 ط بيروت .
8- إعلام الورى للطبرسي ص246 ط قم .
9- تاريخ ابن عساكر ص 230 تحقيق المحمودي ط بيروت .
10- تذكرة الخواص لأبن الجوزي ص 256 ط النجف .
11- الإمامة والسياسة المنسوب لأبن قتيبة ج2 ص 7- 8 .
12- تاريخ ابن كثير ج8 ص 189 - 190 ط بيروت .
13- تاريخ ابن اعثم ج5 ص221 - 222 " بيروت .
14- روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 189 - 190 ط النجف .
15- مروج الذهب للمسعودي ج3 ص62- 63 ط ايران .
16- مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 119 ط القاهرة .
17- اللهوف لأبن طاووس ص142 - 123 ط قم .
18- الأمالي للصدوق المجلس 30- 31 في مقتل الحسين .
19- انساب الأشراف للبلاذري ج3 ص 206 ط بيروت .
20- الكامل للبهائي ج2 ص287 ط قم .
21- روضة الصفاء ج3 ص171 ط قم .
22- كشف الغُمة للاربلي ج2 ص263 ط طهران .
23- الفصول المهمة في معرفة الأئمة لأبن الصباغ المالكي ص 175 ط النجف .
24- حياة الأمام الحسين - ع - لباقر القرشي ج3 ص321- 322 .
25- بحار الأنوار للمجلسي ج45 ص107 - 108 ط بيروت .
26- نفس المهموم عباس القمي ص 204 -205 ط ايران .
ولكننا وجدنا هذا المطلب في كتاب - أسرار الشهادة للدربندي قال فيه :ان اكثر اهل المقاتل يقولون ... ان نساء بيت النبوة طلبوا من عمر بن سعد ان يمر بهن على مصرع الحسين - اسرارالشهادة ص460 المجلس 20 ط ايران الدربندي
ويبدوا ان ارباب المقاتل نقلوا هذا المطلب عن الدربندي دون النظر والتدبر وتمحيص الدليل ، وقد علمنا بان المراجع والمصادر التي أوردناها لم تذكر هذا المطلب ولم تشر إليه من قريب او بعيد ، وقد جاء في : - منتهى الأمال ج2 ص293 - .
قوله : روى البعض إن أسرى اهل البيت طلبوا من الأعداء ان يمروا بهم على مصرع الحسين - ، ولعل كلمة - البعض - الواردة في سياق قول صاحب منتهى الأمال يعني به الدربندي صاحب أسرار الشهادة ، وعلى أي حال فمهما كان ذلك - البعض - فانه لايمكن الإعتماد على هذا القول ، وأيضاً فكتاب - أسرار الشهادة - طعن به غير واحد من الأعلام قال المطهري رحمه الله : - ان كتاب اسرار الشهادة ملئ بالكذب - الثورة الحسينية ج1 ص93 . والحكاية بمجملها إنما صيغت بلحن يخالف السنن التاريخية ، ويضفي على المتلقي مسحة تلقائية غير واعية تُغيب فيه الوعي والإدراك ، إذن فالقول إنما هو خبر كاذب لا صحة له مطلقاً ، ولايمكن الإعتماد عليه في الحديث عن قضايا وقعة كربلاء
الخبر الثاني :
هو قولهم : [ إن الإمام السجاد حين أخذوه أسيراً ربطوا رجليه إلى بطن الجمل ] ، وهذا القول نسمعه كثيراً على ألسن الخطباء واهل المنابر ، ونحن وجرياً على مذهبنا في تقصي الحقائق راجعناً المصادر التاريخية التي تناولت احداث وقعة كربلاْء فلم نجد هذا القول في كل تلك المصادر - الستة والعشرين التي ذكرناها سابقاً - وعدم ذكره يعني ان هناك خلطاً في العناوين ، مما يجعله سهل الجريان في قضايا وقعة كربلاء ، ولابد من الإعتراف بأن هذه العناوين صار لها مجال فسيح عند المتكلمين وبالذات عند الخطباء واهل المنابر آتية عبر الزيف الإعلامي الذي يروج له ، وكذا من عدم الدقة في النقل وعدم التحري من صحة الخبر او كذبه ، والبعد عن البحث الموضوعي في أصل هذا الخبر وفصله على الصعيد التاريخي والثقافي والفلسفي والفني ... نعم ورد هذا القول في كتاب - أسرار الشهادة - السئ الصيت إذ جاء فيه : [ انه لما تحركت قافلة الأسرى من كربلاء إلى الكوفة أمر عمر بن سعد أن تربط رجلا الإمام السجاد إلى بطن الجمل ] - أسرار الشهادة ص 306 - ، والكتاب هذا عند العلماء من اهل هذا الفن ساقط من الإعتبار ولايمكن الأخذ بمروياته ، فالكتاب وقع فيه تحريف لأحداث - وقعة كربلاء - مما جعله من الكتب المطعون فيها ، فبمراجعة هادئه بسيطة لمصدر هذا القول لانجد من يذكره سوى هذا الكتاب الملئ بالكذب .
نعم ذكره صاحب - كتاب ناسخ التواريخ ج3 ص - 30 ولكن من دون ذكر للمصدر الذي اخذ عنه هذا القول ، مع التأكيد بان كتاب - ناسخ التوارخ - لايعتد به لإنه خلط للأوراق التأريخية بشكل فاضح ، وهذا ناتج عن جهل في الموضوع مما أربك المادة التأريخية المبحوث عنها والمكتوب فيها ومن هنا فهو ليس مرجعاً او مصدراً يمكن الإعتماد عليه ، وما يأتي به نازل عن حدود ومراتب الإعتبار المعمول بها في الحقل التأريخي والروائي .
ملاحظة :
يلزم التنبيه إلى إنه حتى كتاب - روضة الشهداء - المليء بالمناكير لم يذكر هذا الخبر ، ومن ذلك نفهم ان هذا الخبر لم يكن شائعاً حتى زمن وفاة صاحب - روضة الشهداء - سنة 910 هجرية ، و روضة الشهداء ساحة للمخاريق والكذب والخرافة والدجل ، وهذا ليس رأينا وحسب بل هو رأي كل علماء هذا الفن ، ومع هذا الوصف لهذا الكتاب فانه لم يذكر لنا هذا الخبر ربما نقول ربما ترفّع عن ذكره ، ولكن من المفيد ان نقول إن شهرة وشياع هذا الخبر انما جاءت نتيجة طبيعية لأنتشار كتاب - ناسخ التواريخ - وكتاب اسرار الشهادة - .
فالأول : كان قد دعمته وناصرته دعاية ناصر الدين شاه ، ولذا تجد فيه المدح الزائد والإطراء الممل لناصر الدين شاه ، وهذا بإعتقادي هو الذي جعل الكتابين أكثر شهرة ونفاذاً بيد الناس من غيرهما ، ومنه يتضح بان هذا الزيف الإعلامي المركب هو من صناعة ادوات السلطان ، التي كانت السبب الدائم في رواج مثل هذه المنكرات في الوسط الإجتماعي والشعبي الحكواتي .
الخبر الثالث :
[ روى - أبو مخنف - كما يذكر ابن شهر آشوب في المناقب ج4 ص 58 ط ايران ، إنه لما سقط الحسين - ع - إلى الأرض ، حمل جواده على معسكر الأعداء فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم عاد على الحسين يمرغ انفه بدم الحسين متجهاً إلى المخيم محمحماً باكياً ] !!!!!! وهذا النص ورد في المقتل المنسوب لأبي مخنف مع بعض الإختلاف كما في ص 83 من طبع بغداد ، ولكنه ورد في النسخة التي عند ابن شهر آشوب ، إن جواد الحسين قتل من الأعداء اربعين رجلاً !!!! أرجوا من الأعزاء النظر فقط في هذه الحكايات الكارتونية التي تحط من قدر الحسين وشأنه العظيم ، هذه الحكايات بمجملها لاتنفع هدف الحسين بل تضر به كثيراً ، لأنها لاتقوى على الصمود في مواجهة الدليل العلمي العقلي ، ولكن ما عسانا نفعل بشخص - كأبي إسحق الأسفرائيني - الذي قال : ان جواد الإمام قتل من جيش ابن سعد عدة كبيرة تارة بأسنانه واخرى برجلة ، نور العين ص 28 الأسفرائيني ط ايران !!!! .
الخبر الرابع :
ذكر في بعض الكتب انه لما عبر موكب سبايا آل محمد - ص - شوارع الكوفة ، أعطى اهل الكوفة للسبايا بعضاً من الخبز والتمر صدقة !!! ولكن ام كلثوم بنت علي - ع - رفضت ذلك وقالت : [ الصدقة علينا حرام ] .
ومن أجل التأكد من صحة هذا الخبر أجرينا تحقيقاً موضوعياً في بطون الكتب المعتمدة ، والمهتمة بشكل خاص باحداث وقعة كربلاء ، لم نجد لهذا الخبر فيهن ذكرا .
وإليك جدولاً مفهرساً بأسماء الكتب التي بحثنا فيها عن هذا الخبر وهذه الحكاية :
1 - الإرشاد للشيخ المفيد ص 225- 226 .
2 - تاريخ الطبري ج4 ص 349 –451 .
3- الأخبار الطوال للدينوري ص 231-232
4 - تاريخ ابن عساكر ص 230- 231 تحقيق المحمودي .
5 - مقتل الخوارزمي ج2 ص 39- 54.
6 - الأمالي للشيخ الصدوق المجلس 30-31 في مقتل الحسين - ع - .
7 - اللهوف لأبن طاووس ص 124-166 .
8 - تذكرة السبط لأبن الجوزي ص 256- 260 .
9 - تاريخ اليعقوبي ج2 ص231-232 .
10 - المناقب لأبن شهر آشوب ج4 ص 111 –114.
11 - تاريخ ابن أعثم ج5 ص221-227.
12 - كشف الغمة لعلي بن عيسى الأربلي ج2 ص275-279.
13 - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الصفهاني ص 118-119.
14 - اعلام الورى للطبرسي ص246-247.
15 - الكامل في التأريخ لأبن الأثير ج4 ص 80-83 .
16 - البداية والنهاية لأبن كثير ج8 ص 189-195.
17 - الفصول المهمة لأبن الصباغ المالكي ص 175- 176 .
18 - روضة الصفاء ج3 ص 171- 173.
19 - أنساب الإشراف ج3 ص206- 210 .
20 - الكامل للبهائي ص 469 -- 472 طبع بومباي محرم 1323هجرية .
والخبر هذا لم يرد ذكره في كل هذه الكتب التي ذكرناها ، نعم وجدناه مذكوراً في الصفحة 90 من المقتل المنسوب لأبي مخنف طبع بغداد والذي سبق الحديث عنه .
الخبر الخامس :
ورد في بعض المقاتل قولهم : انه لما كان يوم عاشوراء أصاب الإمام الحسين - ع - عطشاً شديداً فتحرك بجواده نحو الفرات ، فأراد ان يغترف من الماء غرفة بيده ، واقحم جواده إلى الماء فلم يشرب منه ، فقال الحسين – ع - لجواده لا أشرب حتى تشرب !!! ففهم الجواد معنى قول الإمام - ع - فرفع رأسه ، ثم ناداه احدهم اتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك !!! ولما رجع الإمام - ع - إلى المخيم لم يجد أحداً وعلم ان المنادي كان يكذب عليه !! إذن فإين علم الغيب لدى الإمام ؟؟؟؟؟؟؟؟ .
ولقد تتبعنا هذه القصة في كتب التأريخ المعتمدة فلم نجد لها من أثر وإليك قائمة بأسماء الكتب التأريخية التي رجعنا إليها في البحث عن هذه القصة :
1 - الإرشاد للشيخ المفيد ص222 - 223ط قم .
2 - تاريخ ابن أعثم ج5 ص209 –218ط الهند .
3 - تاريخ الطبري ج4 ص 343 – 346 ط ليدن .
4 - تاريخ اليعقوبي ج2 ص 231 – 232 ط بيروت .
5 - تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 239 – 253 ط النجف .
6 - الأمالي للصدوق المجلس 30 من مقتل الحسين .
7 - مقتل الخوارزمي ج2 ص 32- 37 ط النجف .
8 - الأخبار الطوال للدينوري ص 230 – 231 ط قم .
9 - روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 188 –189 ط قم .
10 - كشف الغمة للأربلي ج2 ص 262 – 263 ط ايران .
11 - اللهوف لأبن طاووس ص 117 –126 ط قم .
12 - مروج الذهب للمسعودي ج3 ص 60 –62 ط بيروت .
13 - مقاتل الطالبيين ص 113 –119 ط القاهرة .
14 - إعلام الورى ص 244 –245 ط طهران .
15 - الكامل في التأريخ ج4 ص 76 – 79 ط بيروت .
16 - البداية والنهاية لأبن كثير ج8 ص 186 – 188 ط بيروت .
17 - الفصول المهمة لأبن الصباغ ص 173 – 174 ط النجف .
18 - تاريخ ابن عساكر ص 227 – 228 تحقيق المحمودي الحزء الخاص بمقتل الحسين (ع) .
19 - أنساب الأشراف للبلاذري ج3 ص 200 –205 ط بيروت .
20 - روضة الصفاء ج3 ص 164 – 169 ط ايران .
فهذه المصادر التأريخية والتي أهتمت بأحداث وقعة كربلاء لم تذكر لنا هذه القصة الكاريكاتيرية التي جرت بين الإمام (ع) وجواده على شط الفرات ، مع العلم أنهما كانا عطاشا .
هذه القصة قالت بان الحسين وجواده لم يشرب منهما أحد ، والقصة هذه وجدنها مذكورة بكتاب - الأسفرئيني في ص 35 - وهذا الكتاب كما قلنا لايمكن الإعتماد عليه لأنه مليء بالكذب والخرافات ، ومن أراد المزيد عن أحوال هذا الكتاب فليراجع - إشكالية الخطاب للشيخ الركابي - .
وكذا وجدنا هذه القصة في كتاب المقتل المنسوب - لأبي مخنف - وقد مر البيان في حالة ، وهي مذكورة عنده في ص 77 طبعة بغداد ، وذكرها أيضاً أبن شهر آشوب في الجزء الرابع ص 28 والقصة أخذها ابن شهر آشوب عن ابي مخنف ، ولكن يوجد بينهما إختلاف بسيط في محتويات المقتل كما قال الشيخ النوري في كتابه اللؤللؤ والمرجان ص 57 - ، وكذلك نقلها صاحب البحار عن المناقب لأبن شهر آشوب في الحزء الخامس والأربعين ص 51 من بحاره ، ونقلها فيما بعد ناسخ التواريخ ج2 ص 379 ، أما عن البحار أو عن المناقب أو عن مقتل المنسوب لأبي مخنف ، وذكرها صاحب كتاب منتهى الأمال في ج1 ص 284 نقلاً عن كتاب ناسخ التواريخ مع بعض التصرف ، والظاهر ان مصدر هذه القصة الأول هو المقتل المنسوب لأبي مخنف ونقلت فيما بعد عنه إلى البحار والمناقب وناسخ التواريخ ومنه إلى منتهى الأمال ، [ ومعلوم بالضرورة العلمية إن وجود أي مطلب في كتب متعددة لا يعني صحة ذلك المطلب طالما عرفنا كيف ومتى جيء به ؟ وكيف تم تداوله ؟ وهذا يعني ضرورة التحكم في قواعد الفكر والعلم ، وليس مجرد التهويش والمنابذة ] .
نعم إن هذا الخبر ومثله الكثير قد رصدها كتاب إشكالية الخطاب وقام في التحقق والتحري منها ومن منابعها وكيف ؟ ولماذا ؟ دُست بين ثنايا وقعة كربلاء !! إنها إشاعات ودعايات تضليلية لاغير لايستفيد منها الحسين ولا تنفع السائرين على خطى الحسين - ع - .
كما إنه ورد في سياق القصة هذه قولهم : إن - ابن سعد - وضع على الفرات { أربعة آلاف مقاتل لمنع الإمام الحسين (ع) وأصحابه من الورود إليه والأستفادة منه } ، في حين تقول المصادر الموثقة ، ان عدد المقاتلة الذين وضعهم ابن سعد على شريعة الفرات كانوا خمسمائة فارس ، وهذه المصادر هي : كتاب الأرشاد للشيخ المفيد ، وتاريخ الطبري ، وإعلام الورى للطبرسي ، والكامل لأبن الأثير ، والأخبار الطوال للدينوري ، إذ قالوا: { انه لما بعث عبيدالله بن زياد لعمر بن سعد أن يمنع الحسين وأصحابه من الماء ، بعث بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ان يسقوا منه قطرة } - الطبري ج4 ص 311 – 312 ، و اعلام الورى ص 232 ، والكامل لأبن الأثير ج4 ص 53 ، و الأخبار الطوال ص 228 ، و الإرشاد للشيخ المفيد ص 209 - .
في هذا النص الذي ذكره الطبري والمفيد وغيرهما ، نلاحظ ان عدد المأمورين بحماية شريعة الفرات كانوا خمسمائة فارس ، في حين يذكر في المقتل المنسوب لأبي مخنف أن عددهم كان أربعة آلاف فارس مع العلم انه لم يذكر المصدر الذي أخذ عنه هذا الرقم ومن أين جاء به ؟ .
هذا من جانب ومن جانب أخر ، إنهم قالوا : - ان الإمام - ع - طلب من الجواد ان يشرب ، فلما أمتنع الجواد عن ذلك ، قال الإ مام - ع - : لا أشرب حتى تشرب !!! ، هذه الحكاية قالوها ليمثلوا فيها صورة الإيثار التي تمت بين الإمام وبين جواده !!! ، [ مع العلم إن الإيثار يصح فقط في حال إذا كان الماء على قدر رفع حاجة أحدهما ، فلا يشرب الأول حتى يشرب الثاني ] ، وهذا الكلام نقوله لو كان الأمر تم بين عاقلين ومن جنس واحد ، ولكن هذا الكلام لايكون بين إنسان وحيوان !!!! ، ولو تم هذا وفق ما قالوا فلا نطلق عليه بالإيثار المحمود .
و موضوع الإيثار ينتفي من رأس إذا كان الماء أكثر من رفع الحاجة ، بل إنه شط الفرات الذي يكفيهم ويكفي الملايين مثلهم وفي ساعة واحدة ، ولكن
من صور الإيثار الممدوحة هي ، إنه لو أمتلك إثنان آنية لشرب الماء ، وهما قادران على جلب الماء من منبعه ، فيتقدم احدهما ليأتي بالماء فهذا لابأس به ، وكما يحدث في البيوت عندما ينتظر أهل المنزل سيدهم ليبدأ بالأكل ثم يأتوا من بعده احتراماً له واجلالاً ...
لكن لو اعتبرنا إن - صاحب المقتل المنسوب لأبي مخنف - يريد من قوله المتقدم رسم صورة مثلى للإيثار عند الإمام - ع - كشكل من أشكال الإيمان فهذا لايصح ، لسبب ان الماء الموجود قادر على سد حاجة الإمام - ع - وجواده وكل الناس فيما لوشربوا منه دفعة واحده ، و من هنا تنتفي مصاديق الإيثار ، واما لو كان يريد معنى أخر [ للإيثار هو إحترام الإمام - ع - للحصان فالعقلاء لايجدون موضوعاً لهذا الإحترام ، لأنهم أتفقوا إنه لو كان هذا الإيثار متعلق بالإحترام لما ركب الإمام - ع - على جواده أصلاً ، لإن هذه مقدمة لتلك ، فالشئ الذي لايتقدمه الإمام (ع) في شرب الماء من باب أولى عليه أن لايجعله مركباً له ] ..
مضافاً إليه فالإمام (ع) كان في ميدان المنازلة وميدان حرب الذي يوجب عليه أن يأخذ كل لوازم الحيطة والحذر وإن يستغل الوقت بدل التعارف وتبادل كلمات لا فائدة منها ، وأما هذا الشكل من التعارف فإنه يؤدي حتماً إلى صنع مثيولوجيا كارتونية تصلح لأفلام الأطفال ، ولاتصلح فضيلة تضاف إلى فضائل أهل البيت - ع - بل إن هذه سيئة وليست حسنة إن تأملناها مجردة ومن دون ضغوظ وإضافات .
ونريد ان نختم بحثنا في إشكالية الخطاب في وقعة كربلاء ، مع إننا تركنا الكثير نرجوا ان يقرئه من يهمه أمر الإصلاح والتصحيح وبناء إنسان خالي من العقد والكذب والخديعة ، وهي مهمة نتمنى ان يضطلع بها كل العراقيين لأنهم يعيشون محنة التخلف التاريخي والوطني والنفسي ، ونريد كذلك ان يبتعد خطباء المنبر الحسيني عن الزيف والخداع والتضليل ولا يجعلوا من مجالسهم حكايات فاسدة ، يعبرون عنها وكأنها فاكهة المجالس ، وان يتحروا الدقة ما أمكن ، ولتكن حكمة الإمام علي ضآلتهم : قل الحق وإلاّ فأصمت - .
(( ان أريدُ إلاّ الإصلاح ما أستطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلا وإليه أُنيب ))
[ كان هذا بحث موضوعي في كتاب : إشكالية الخطاب في القراءة التأريخية لوقعة كربلاء ــ للشيخ الركابي ــــ ج 9 ] .