هذا المعني هو المقصود من هذا العنوان ، ونعني به إستحالة عودة قضايا التاريخ على نفس الهيئة والشكل ، فجدل التاريخ جدل صيرورة وليس جدل إخترام ، أعني بذلك إنه جدل تقدمي وليس تراجعي إنقباضي فهو لذلك يخرج من دائرة الإعادة ليدخل دائرة الخلق والإنتاج فكل قضايا التاريخ القديم إذا قرئت على نحو فلسفي ضمن مبادئ وقوانين العلة والمعلول نجد فيها ان لكل حادثة سبب ما مغاير للسبب الذي أنتج الحدث الأخر ،
وأن كان الحدثان في سياق حركي واحد ، فمثلاً قضية الظلم لها انساق معرفية وعللية مختلفة في كل لحظة وزمان ومكان عن الأنساق الأخرى التي تشكل مادة لقضية ما ، ونحن في مقاربتنا هذه لمادة الظلم من حيث هي مفهوم عام له مصاديق متنوعة حسب تنوع الواقع البيئي والنفسي وطريقة التعاطي المجتمعي وأين يمكن رؤيتها في السياسي والثقافي والإقتصادي والأمني والقانوني ، وهنا نحن في مجال رصد ظاهرة في مجال تداول عام ، ولكن حين نخصص هذه الظاهرة في مجال التداول يلزمنا النظر إليها لا من خلال وضعها النسبي ولكن من حيث عموميتها إيضاً ، ولبيان ذلك نجد إن ما يجري في العراق اليوم من أحداث مثلاً نجدها مغايره في كينونتها ووجودها عن طبيعة الأحداث التي جرت مثلاً في عهد النظام السابق والمغايرة في كل تفاصل وجودها الموضوعي ، وليس لها من تشابه إلاّ من حيث نتائجها المتداوله في لسان الناس وليس في حقيقتها ، هذه الرؤية التجريدية لمفهوم أو لمنطق حركة التاريخ تجعلنا أكثر تمسكاً بمفهومنا القائل إن التاريخ لا يعيد نفسه ، وللمزيد من التوضيح فأننا نجري نأخذ في هذا السياق قوله تعالى القائل : ( تلك أمة قد خلت ) أي إن الله يحاول بيان طبيعة وشكل ظاهرة التدافع والسلوك لحقبة ما من تاريخ الناس سواء القريب منه أو البعيد ، و هي بهذا اللحاظ دائماً توصف على إنها حقب منفصلة على مستوى الوعي وعلى مستوى الحضور ، وهذا ما يريده الله في بيانه وإستحضاره للواقع الأممي التاريخي وهو دعوه لعدم الأنغلاق داخل قضايا التاريخ بل في الخروج منها والشعور في الواقع وحده ، وأما مقاربات الماضي فهي في صيغة التذكير للتدبر والوعي الحركي وليس في باب ان يعيش المجتمع والناس ما كان في الماضي من نتاج سلوكي أو أيديولوجي ، وهذا الكلام يشمل فهم النص القرآني ومحتواه وما يتضمنه ، أي إن المطلوب دائماً هو النظر إلى الواقع وما يتحرك بداخله من قوى وصراع ومن يخلق ذلك لهذا قرر الله في باب الثواب والعقاب : ان من يعمل حسنة يجزى بها ومن يعمل سيئة يجزى بها - كذلك ،ولم يعلق الأمر على الإيمان بما جرى من فهم للنص في التاريخ ولا يريد منا ذلك ، ومن هنا تنتفي أهمية التحليل التاريخي للنص مهما كان ذلك التحليل يحمل صفات الموضوعية ولا من حيث صدور ذلك التحليل كما لا يجب تحميل الناس تبعات ما مضى من أحداث وقضايا ، وهذا الإتجاه الفكري ليس هدفه عندنا يعني التقليل من أهمية ووضع شخصيات التاريخ الديني أو العلمي بل هو تحريك الواقع ليكون فاعلاً وقادراً على إنتاج ما يشعر المرء بوجوده بالفعل وليس بالأفتراض ، صحيح إن التراكم الفكري مطلوب ولكن مدى مطلوبيته مرتبطة بوعينا الحاضر أو قل من خلال أدوات وعينا المعرفي في الزمن الذي نعيشه وليس الزمن الأفتراضي ، ( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره ) هذا هو الواقع السنني لجدلية الوعي التاريخي أو الوعي المعرفي لمعنى الحركة في التاريخ ، من هنا تجدنا ميالين بدرجة ما وكبيرة لمبدأ الفصل التاريخي وهو مبدأ قواعده الفكرية منتظمة في نوع الإرادة والوعي ، التاريخ لا يعيد نفسه من هذه الوجهة وكذا لايعيد نفسه من خلال منطق العقاب والثواب ومنطق الحلال والحرام ومنطق ما يجب وما لايجب فعله وعمله ، وهذا الكلام يمكن فهمه حتى داخل مايسمى بالمعلل من الأشياء مثل رؤية الهلال وصيام شهر رمضان ومفهوم الحج والنكاح والزواج ولباس المرأة والقوانيين الشخصية ومفهوم الحريات ونوع المجتمع ودور قضايا الدين التاريخية في رسم صورة المسلم ضمن الواقع الإجتماعي ، وهنا نحن نصل إلى النقطة المفصلية من كلامنا هنا إلاّ وهي معنى تقرير المصير والموقف من التراث الديني الذي يكون الحاضر لدى المسلمين كافة في المأكل والمشرب والملبس وفي العلاقة مع الغير ، وهذا يدلنا إلى عقم العقل المسلم في الوقت الحاضر وعجزه عن أنتاج ما يجعله ممكناً في المعايشه مع الواقع والتسالم مع الحياة .