ثمة موضوع أخترناه ليكون شاهداً ودليلاً على ماقلناه في مقالنا السابق عن معنى الفوضى في العقل الأسلامي والتي تعصف بكل الكيان وتهدد طبيعة وجوده أمام حركة الصراع الدائرة الأن , فالجهاد مثالاً عن إزدواجية المفهوم في العقل المسلم , أعني سيرورة الحصر بمعنى القتال دون سواه , توظيف للتأريخي على حساب الواقع ولغة النص
وهي إزدواجية يتداخل فيها المزاج وطبيعة من ينتج فكر القتال وكيف يحركه ضمن سياق مايؤمن به , وهنا نجد التحريف للمعنى وكذا تحريف للمبنى والسياق , فالذي نعلمه من اللفظ القرآني للمفردة غير منسجم مع مايتبناه زعماء الطوائف التأريخية والمذهبية ,
فقتل الناس على أن يدينوا بنفس ديننا أو إرغامهم على تبني نفس مذهبنا الفكري هو ما قال به الشافعي وتلميذه الطوسي معتمدين على خبر كذوب جاء فيه ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلاّ لله ...) والذي عممته المدرسة السلوكية لدى الطوائف ليشمل كل من يعتقد بما تعتقد به تلك المذاهب مما جر إلى تصفيات وقتل وتدمير وإنتهاك للحرمات إعتماداً على هذا الخبر الكاذب وغيره من مسوقات القتل الطائفي ,
مع إننا نعلم تماماً بأن الله لم يشرع القتال على أساس الدعوة إلى الله ولم يجعل ذلك من لزومياتها بل جعله مرتبط بحماية الأنسان من الظلم والإستبداد وحماية حقوقه وحماية حريته فيما يعتقد وفيما يؤمن , فالحرية في سياق النص القرآني من لوازم الحياة , والأختلاف في الرآي والمنهج والسلوك الخاص كذلك لازم من لوازم الحياة , ولم يجعل الرب أي إعتقاد خير من سواه من حيث هو هو , بل جعل الخير به مرتبطة بخدمة الناس والعمل الصالح الذي يعزز العدل والأمن والنظام والقانون ويحمي حقوق الأنسان ,
ولم يربط الناموس في شكل ولون وغنى وتقدم بل ربطه بالسلام الذي هو الضابط للثقة والمؤسس للتفاهم والبناء , ولكن كل هذا تغيير بفعل إجتهاد كهنة المذاهب وتغيير بناه على ذلك مفهوم المواطنة ومفهوم الإنتماء ومعنى الهوية ,
ونشطت بعض المراكز لتدعيم ذلك من خلال طروحات مثالية غير منطقية وغير موضوعية , فرآينا رجال يدعمون المحتل ويباركون خطوات قتله العمدي من إجل القضاء على مناوئيهم كما يحصل في التحالفات الخفية بين معسكري الأسلام السياسي الحاكم في العراق , وهذا ماجعل كل طرف يعتبر يُقتل أو يَقتل من جماعته شهيداً وقريباً من الله والصالحين من الأنبياء , وهذا كله بفعل المعنى التأريخي المغلوط لمعنى الجهاد بل ومعنى الأسلام ,
لقد أصبح المجتمع الأسلامي خاضع لإرادة الحزب الأسلامي أو الجماعة الأسلامية بعيداً عن الخضوع للأسلام , دعم ذلك التوجه حشد من الفتاوي المحدثة والتي تصب في تحرير معناه حسب إرادة أهل التأريخ الديني , فقتل الناس في بغداد , عندهم جهاد في سبيل الله . وقطع رؤوس الأمنيين جهاد , وإغتصاب النساء جهاد , وسرقة المال العام جهاد , وسرقة عائدات النفط جهاد , وتخزين الأموال جهاد بطرق غير شرعية وغير قانونية , والتشكيك في الولاء الوطني والديني جهاد , ومسخ هوية الناس جهاد , وصنع الفوضى وإعتمادها اليومي جهاد , وتصنيف الناس جهاد ,
لقد قسم الأسلام السياسي الناس حسب لغة إفتراضية وبنى على إساس ذلك رؤيته للواقع وخاطب المجتمع الدولي على أساس ذلك بل وأجرى أتفاقيات مع دول العالم بناءً على ذلك ,
وزاد المنتظم الديني من مساحة إعلامية ليؤكد على هذا , مما ساهم عن عمد في صنع الحواجز الكونكريتيه في شوارع بغداد ومحلاتها ,
وهي حواجز يجب أن تنفع ولا تضر كما قد يتوهم من رأها لأول وهلة , ولكنها حواجز جاءت كنتيجة عن تراكم فعل الجهاد الأسلامي بشقيه , أن تقسيم بغداد على هذا النحو الكريه أمرٌ لابد منه , ولايمكن لنا تخطئة المحتل ولاحكومته في ذلك بعد مراسيم القتل الجماعي الذي شاهدناه جميعاً , تلك المراسيم التي يسعى إلى تعميمها دعاة الأسلام السياسي ذو النفوذ الواسع والكبير في العراق الجديد ,
الذين يفرحون على كل مأتم ويرقصون على دماء العراقيين الأبرياء , علينا إذاً التهوين من الضوضاء التي يثيرها بعض من أوغل في دماء العراقيين قتلاً , وعلينا إيضاً تفهم طبيعة الحادث الجديد الذي من أجله بنيت الأسوار وتبنى الحواجز . كما يجب وضع الأشياء في مواضعها إذا أردنا التقليل من حجم الخسائر التي يسعى لزيادتها الأرهابيين , ولكنها حياة على شكل مغاير وهذا ما أراده دعاة الجهاد وقتلة الناس ,
ربما لم نكن في البدء موافقين ولكننا اليوم نتفهم طبيعة الواقع وما آل إليه ونحن في كل ذلك مع من ينفع العراق ويحمي شعبه , بعدما أختلط في الأذهان العمل الصالح بالعمل القبيح كما قدمنا !!!