ظاهرة التجديد أو ظاهرة التخفيف من آثار الأسلام السياسي هوس أصاب مجمل الفعاليت الأسلامية المعاصرة . وهي من آجل ذلك تحاول أستخدام مصطلحات ظاهرها يفيد التجديد والأصلاح ولكنها في الحقيقة تكرار وإجترار لما سبق عرضه في مرحلة الصراع بين أهل العقل وأنصار السنة وهو صراع من آجل تحديد وظيفة اللفظ ودلالته في النص القرآني . ونعني به ذلك الفكر الذي سمي لاحقاً بالفكر المعتزلي قبال مجموعة أهل الحديث . وما يطلق عليهم بالسلفية القديمة .
ومن هنا يتبنى دعاة التجديد آلان ذلك المنهج في توظيف يراد منه تحسين صورة المنتظم الأسلامي أمام الرآي العام . فهم يقولون بوجوب الأجتهاد في قضايا الكلام ومسائل العقيدة . وهو قولٌ يجب أن لايؤخذ هكذا من دون تدقيق في آلياته المعرفية . أعني يلزم تحديد وظيفة الأجتهاد في الآين والموضوع . ونعني بذلك هل الأجتهاد المزعوم يمكن أن يلغي ما قامت عقائد الفرق والمذاهب ؟ تلك المتبنيات التي تقاتل عليها القوم ولايزالون . أم أن الأجتهاد يشبه ذلك المعمول به في مدارس الفقه والأصول ؟ والذي هو ليس سوى تكرار وإعادة أنتاج في إلفاظ مختلفة , ونحن بدورنا نشجع عملية البحث والتنقيب في دلالات النصوص لتكون شاملة غير مجزئة وغير قائمة على مباحث القدماء . بل يجب أن تكون حركة علمية غير مقيدة في ما يسمى قدسية النص أو قدسية الأجماع أو قدسية الصحابة أو لأئمة . وهذا يعني تفكيك القواعد القديمة التي أسست بنائات علم الكلام ومنطقه وما ترشح منه وما نتج عنه . ولكي نكون جديين في عملية التجديد يلزم لمن يقول بها الفصل المعرفي بين قضايا التأريخ وقضايا الواقع , أعني سلب القدسية المزعزمة لأحكام التأريخ وموضوعاته والتي تشكل عبء على إعاة الأسلام السياسي وهم يجادلون في قضايا الحكم والسلطان . ناهيك مما يجره ذلك من قتل ودمار . نلاحظ بعض شظاياه في العراق الجديد الذي تولى فيه الحكم عصبة من جماعة الأسلام السياسي . وكلامنا هذا إشارة لما نقول عن واجبات المجتهد الأسلامي وهو يرفع شعار التجديد في قضايا وأحكام العقيدة . إذ ما من شك بأن الموقف من تلك القضايا يلزمه الصراحة والموضوعية وعدم أعتماد الأحكام المسبقة وهذا يلزمه جدلاً التقليل من دور الحديث النبوي بأعتباره ظني الصدور ظني الدلالة وهو محكوم بطبيعة الجو السياسي والثقافي الذي صاحب رواة الحديث وقد قلنا غير مرة بأن السنة النبوية يجب أن تخرج من دائرة تقرير مصير الحكم وإن تخرج من دورها كشريك مع القرآن في تحديد الأحكام . وهذا يلزمه الوعي في حركة الحديث النبوي والوعي في دلالته ومضمونه وبما أننا من أنصار القول بتعميم النص القرآني وجعله المصدر الوحيد في أستنباط الحكم وألغاء الثلاثة المصاحبة له كما كان مقرراً لدى كهنة المذاهب العتيقة, مع الأستدراك التالي بأعتبار العقل هو الدليل على الحكم وهو القادر على أخراج الحكم من النص , يتبع ذلك إخراج الأجماع بشقيه المحصل والمنقول من عملية الأستنباط المعرفي , وذات الشئ نقوله عن السنة النبوية من تأكيد بسيط على أعتبار السنة حاجة للأستئناس ليس إلا حال وفيما إذا تمت عملية الأجتهاد بنجاح . إذن فهناك مصدر واحد ودليل واحد وقد كان لهذا يلزم فك الأرتباط بين سلة المصادر التي وضعها الشافعي في أناء واحد وقد كان في ذلك مخطئ جداً . وسار على خطئه الطوسي وعلى أثارهم يجري العمل لدى فرق المسلمين , فلا يجوز إعتبار مصطلحات التجديد ما نشيتات يستخدمها السياسي لغرض تطويع الكلامي عملاً بمبدأ المرحلة في العمل السياسي وبالتالي يختلط في الذهن ما هو واجب وما هو مباح . نعم ظهرت للسوق مجموعة كتابات هدفها التقليل من حدة التعاطي مع الأسلامي السياسي في ظل تجربتيه في إيران وأفغانستان , وهما تجربتان يسيران على هديهما عمل الخلايا والحركات والأحزاب الدينية في العراق ولبنان وفلسطين , وكما إن الحل في الأسلام كما يقول دعاة من يسوق لهذا النوع من الكلام , يخلط دعاة التجديد بين الواقعية والمثالية في حرص سياسي لايخلوا من مراوغة وعدم صدق , ولكي نخفف على هؤلاء الكثير من الجهد ندعوهم لمشاركة الليبراليين همهم في تدعيم عناصر القوة في العقل لدى الأنسان . وكما قلنا في مقالنا السابق بحتمية الحوار فأننا هنا نلتزم بحتمية التجديد . ولكن على قواعد الفصل التي تحدثنا عنها وهو الفصل المعرفي الذي يلتزم بالواقعية والموضوعية وحماية الذات وتشجيعها على البقاء والنظر إلى المستقبل !!!