خطوة طال ما انتظرها الكثير، وطالبت بها العديد من الهيئات والشخصيات الوطنية، وبالمقابل طال ما ترددت جبهة التوافق في اتخاذها، وتراجعت عن تهديداتها السابقة بالانسحاب حتي يئس الجميع وتيقنوا استحالة أن تقدم الجبهة علي مثل هذه الخطوة.
لقد جاءت خطوة جبهة التوافق بالانسحاب من الحكومة في وقت حرج جدا، فالإدارة الأمريكية محرجة جدا أمام خصومها الديمقراطيين داخل أمريكا قبل المتربصين بها في الخارج، مما جعل انسحاب التوافق صفعة قوية في وجه حكومة بوش، فقد أثبتت كذب الادعاء بأن تقدما سياسيا يحقق في العراق وأن العراق يشهد استقرارا سياسيا.
أما علي الصعيد العراقي فقد يكون قرار الانسحاب هذا هو المسمار الأخير في نعش الحكومة الطائفية، صحيح أن حكومة المالكي ومن يلتف حوله من الأحزاب الطائفية لا تأبه لأي طرف سياسي آخر، وصحيح أن طموحها السياسي قصير المدي يسعي لتحقيق الربح من خلال اغتنام فرصة وجود الاحتلال، فهي تشبه تلك الشركات التي لا تسعي لتأسيس السمعة أو الاسم التجاري بقدر ما تسعي وراء الربح الوفير والسريع ثم الهرب به قبل انفضاح جرائمها، لكن رغم ذلك فقد يكون قرار انسحاب جبهة التوافق له الأثر البالغ في قلب الطاولة وخلط الأوراق وإفشال جميع الخطط الطائفية.
يكاد يجمع العقلاء أن قرار انسحاب جبهة التوافق ـ رغم أنه جاء متأخرا جدا ـ فإنه قرار صحيح، ولكن السؤال الذي أجبرتنا سياسة التوافق السابقة علي طرحه : هل ستصمد الجبهة في قرارها هذا؟ أم أن حكومة المالكي ستضطر للرضوخ للضغط الأمريكي فتقدم بعض التنازلات للتوافق فيرجعون إلي أحضان الحكومة الطائفية؟ جواب ذلك في علم الغيب الإلهي ولا أحب الخوض في التنبؤ حوله.
وقد تتساءل بعض الأطراف عن أسباب فرحنا بهذا الانسحاب وإن الجواب عليه واضح، فإن منطق جميع التيارات الوطنية تقول أن مشاركة جبهة التوافق في الحكومة الطائفية أكسبها شرعية وصفة ( الوطنية )، فالاحتلال الأمريكي أقام مشروعه السياسي في العراق علي المحاصصة الطائفية، أي أن الطوائف المشاركة في مشروعها السياسي أصبحت بمثابة الأعمدة التي يقوم عليها البنيان، وإزالة أي ركن أو عمود سيؤدي إلي أن يهوي البنيان من أصوله، فلما كانت جبهة التوافق تمثل ( السنة ) في هذه الحكومة ؛ فإن انسحابها يعني انسحاب أهل السنة، ورغم معارضتنا لهذا التوصيف إلا أنهم هكذا يتعاملون وبهذا المنطق يتصرفون، وعليه فالأمل بأن يؤدي انسحاب جبهة التوافق إلي فشل الحكومة الطائفية والمشروع السياسي الأمريكي بأكمله، ونأمل بعده التعجيل بزوال الاحتلال عن العراق وبطبيعة الحال زوال جميع آثاره معه ومنها فرق الموت والطائفية البغيضة.
وكما أن هناك هاجسا للخوف من أن تتراجع جبهة التوافق عن قرارها فإن الأمل موجود، ولابد لنا أن لا نقف مكتوفي الأيدي نتفرج عما تسفر عنه الأحداث، بل لابد لنا من اغتنام الفرصة والإسهام في إفشال أي مسعي لترقيع وتدعيم المشروع الأمريكي الطائفي، ومن هنا أتقدم بتواضع ببعض المقترحات التي قد تسهم في ذلك ومنها :
1ـ تشجيع جبهة التوافق علي قرارها وأنه قرار شجاع وحكيم، والحذار أن نظهر لها التشفي أو نشعرها أننا نستغل قرارها لنثبت خطأها في المشاركة ابتداء.
2ـ حث جبهة التوافق علي إتمام ما نقص في قرارها، فربما أن جبهة التوافق إذا رأت أن أحضان التيارات الوطنية لا تزال مفتوحة لاحتضانها فقد تتم قرارها وتعلن الانسحاب الكامل من العملية السياسية برمتها، وربما تكون جبهة التوافق أجلت قرار الانسحاب من البرلمان والعملية السياسية لتجس النبض من قبل (شركائها ) في العملية السياسية ومن الآخرين.
3ـ لابد من حملة إعلامية قوية تواجه الحملة الإعلامية الطائفية التي تقلل من هذا الانسحاب، فالطائفيون يفسرون الانسحاب بأنه مناورة سياسية تهدف لتحقيق مكاسب ومناصب أكثر ـ وربما ـ، لكن علينا نحن أن نوضح بأن الأمر دليل الفشل السياسي للحكومة وللمشروع السياسي الأمريكي، وعلينا أن نبالغ في تضخيم هذا الانسحاب.
4ـ أقترح علي الهيئات والتيارات والأحزاب والشخصيات الوطنية من مناصرة قرار الانسحاب واعتباره خطوة علي طريق فشل المشروع السياسي الأمريكي ووليده حكومته في العراق، فربما تساعد هذه المناصرة في تداعي الاحتلال وأذنابه في العراق.
هذا وقد يستدرك علينا البعض بأن مثل هذه الخطوات المقترحة ربما تستغل من قبل جبهة التوافق لتزيد من حجم مطالبها في التفاوض مع الحكومة، وليس بعيدا ـ كما أسلفنا ـ أن تتراجع الجبهة عن قرارها بعد حصولها علي بعض المكاسب والمناصب السياسية، فهل سيكون ما نقترحه غير المقامرة السياسية.
ونقول بأننا أولا لسنا منافسين لجبهة التوافق، وليس لنا أي مصلحة في خسارتها سياسيا، هذا من جهة ومن جهة أخري أعتقد أننا سننجح في إقناع جبهة التوافق بصواب قرارها ثم تشجيعها للاستمرار فيه، أما إن خيبت ظننا وتراجعت فإننا لا نكون قد فشلنا، بل نكون إن شاء الله قد نجحنا في إثبات طائفية هذه الحكومة ومن وراءها، ونكون قد أسهمنا بشكل كبير في فضحه، وسنثبت للجميع بأننا لسنا من أهل (الإقصاء) ولسنا من أهل (التكفير) لمن يخالفنا، فما دام باب التوبة مفتوحا فقلوبنا كذلك، ونحن حضن دافئ لكل من أناب إلي الصف قبل رحيل الاحتلال