حين كتبنا في مقالنا السابق عن الخيارات المتاحة امام الشعب والدولة في العراق ليعيش الحياة ، كان أمامنا خياران هما :
1 - الإنقلاب العسكري .
2 - وتقسيم العراق .
وكلامنا هناك جاء بعدما مات حلم الديمقراطية في العراق وتبدد شمله ، و هذا هو الواقع من غير تزييف أو ترقيع أو كثرة شعارات ، ولأننا في الواقع دعاة حل عاجل لمشكلات العراق التي دمرت كل مؤوسساته وبناءاته الحيويه ، وأعادته بالفعل سنين إلى الوراء المظلم ، وهنا كان لابد لنا ولمن يهمه الأمر : التركيز على قضية الخلاص من هذا الواقع بكل مافيه من فساد ومعاناة وألم ، كان لابد لنا من تأييد فكرة الإنقلاب التي يُدعى لها بالخفاء والعلن في مؤوسسات ودوائر صانعة الحدث في العالم ، لأننا نشعر إن فكرة الإنقلاب من حيث هي وفي ظل هذا الواقع الذي يمر به العراق هامة من وجوه ، فهي أولاً : لتصحيح الوضع السياسي والإجتماعي والإقتصادي في العراق ، وثانياً : لكونها علاج يعيد الثقة للمواطن بنفسه وبوطنه وبمجتمعه وبمستقبله ، وفي ذلك يكون الإنقلاب هو الحل وهو الدواء لأنه وحسب ما تقدم أهون الشرين ، فالتقسيم هو تمزيق للوحدة الوطنية وتجذير للتناحر وتفتيت للجذر العراقي ، مما يساهم في تشكيل نظام من الهويات والمذاهب البديلة ، والتقسيم على هذا النحو هو الممتنع الغير مرغوب عندي وحتى عند أشد المتحمسين له ، وهذا ما أعلمه في الواقع ، وبما ورد إليّ من ردود افعال جائتني على مقالي السابق من مريدين ورافضين .
أقول : إن في العراق رجالاً مخلصين كُثر ، وهم لذلك سيتحملون العبء الأكبر في تحرير العراق من كل تبعات المرحلة الماضية ، وهم القادرين على رفع معانات الشعب وتقليص حجم الدمار الذي لحق به ، وهذه المزية تجعلنا نؤيد من غير ان نرغب فكرة الإنقلاب ، ذلك لأن هدفها نبيل سيما وهي فكرة من أجل التصحيح والإصلاح ، ولأن واقع الحال لا يسر عدواً ولا صديق ، كما وان التجربة الديمقراطية في العراق لم تولد ولم تخرج للنور ومابدر منها إلى أسماع الناس فهو عبارة عن زعيق وعوق وخلل وعته سواء في السياسي أو في الإجتماعي أو في الإعلام ، كما إن المشتغلين في السياسة بعيدين عن الديمقراطية وبعيدين عن مضمونها وثقافتها ، وكيف يجب ان تؤسس لحكم الشعب ؟ ، ولهذا لا يمكن الرهان عليهم في ان يهبوا للعراق حلولاً ونعماً وبركات ، طالما إن الجميع قد كشف عن نواياه ورغبته التي تجلت في واضحت النهار على إنها إستحواذ على كرسي الخلافة والتمترس بقوى الدولة في حمايته وحماية من حوله ، وكأن الهدف عندهم هو هذا ولا غير ،
وأما الشعارات عن الديمقراطية فهي لكسب المنافع ودفع المضار ، كما إن التطبيل حول بناء المؤوسسات وتنمية قوى المجتمع المدني تضليل وخداع وهذا منهج معلوم لدى العارفين ، من هنا يكون الحديث عن الإنقلاب في هذا الوقت بالذات مبرر من وجوه ، كما إنه الممكن الوحيد في ظل ضياع الفرص وفوات الآوان و فقدان الثقة بالسياسين وبالداعمين لهم من قبل الجميع ، ولانظن إن الحراك الحالي يأتي بما يسرُ الخاطر ، وإن حدث وأتفق الناهبين أصحاب الفرهود فإن الناتج عن الإتفاق سيكون هشاً ضعيفاً محتاجاً ، ولن يكون بمقدوره الحركة أو تنفيذ الخطط والبرامج إلاّ بحسب مايمليه عليه المتصديقين والمنعمين عليه بالتزكية ، وسيظل هذا الآتي بعد كل هذا صغيراً معتلاً وغير محترم وغير مهاب وغير مُعافى ، خاصة والفتنة تضرب بعمق في كل خلايا وتباعيض الوطن ، والإرهاب يستعجل الموت على الآمنيين والأهالي العزل ليزيد في المعاناة معاناة ، لهذا يكون الإنقلاب من دواعي الاغتباط بعد تراكم الضيم والقلق ، والحق ان قوى الجيش وضباطه الأخيار نعرفهم حريصون على سلامة العراق ، وحريصون على عودته قوياً مُعافى ليكون جزءاً من منظومته الأقليمية وحجمه الطبيعي في المنطقة ، وهم لذلك وبعد كل هذا الذي حدث أشد الناس حرصاً ليكون العراق شريكاً في بناء السلام والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم ، أقول هذا وأنا أعلم إن عقيدة الجندي العراقي عراقية خالصة ونزيهة وغير مشوبة ، ولأنه الجزء المهم من أبناء الشعب وهو الأمين والحريص على تنفيذ رغباته وتطلعاته في بناء بلد منيع ، وبلد يعيش فيه الجميع من غير تفاوت يعيشون العدل والكرامة ، هذه هي المقدمة التي تجعلنا نقول إن الإنقلاب ممكن ولازم بل هو الضروري الآن ، وفي قولنا هذا إنما نؤكد على الحقيقة البارزة التي تجعل من الإنقلاب العسكري في العراق هو المطلب وهو الهدف في المرحلة الحاضرة ،كما إنه المؤهل بفعل مايمتلك من خبرة في بناء قواعد للدولة جديدة هي غير التي يعيشها اليوم من الضعف والهوان ، كما إن الشعب العراقي والأمة العراقية تعتبر الإنقلاب العسكري بحدود ما نعلم وفي شكله المتصور هو الأقرب على تبديد صور الظلام التي تغذيها دول ومنظمات لاتريد للعراق سوى الشر والهلاك ، لهذا يكون الإنقلاب عامل حاسم او لنقل هو نقطة الإنطلاق للعودة من جديد في تنظيم مؤوسسات الدولة وبناءات المجتمع ، كما إنه سيعمل على إعادة كتابة الدستور العراقي من جديد وعلى نحو خال من النتواءات والخروقات ، التي صنعها التطرف والطائفية ، نعم يُراد كتابة دستور جامع يؤمن للعراقي طريقه نحو الحرية و الديمقراطية الحقة ، وليس الديمقراطية المزيفة تلك التي نشاهدها اليوم ، ديمقراطية الطوائف والأحزاب والملل والنحل ، كما يجب العلم بان ضعف الحكومة هو الأخر مسوغ قاهر وجدي في جعل ماهو ممنوع مرغوب ، فالسياسة الحالية خنقت روح المواطنة و أسست نظام الدولة على أساس الطوائف ، وألغت عن عمد أو بدونه نظام التعايش السلمي والتبادل السلمي للسلطة ، وأجرت في سابقة غير متصورة ماهو ممتنع ليكون ممكناً في المماحكات والإصرار والعناد ، وكأننا في ديوان أو مضيف عشائري وليس أما دولة ومؤوسات ، هذا الواقع سيعجل حتماً بحدوث إنقلاب في جميع مفاصل الدولة وهياكلها ليعاد من جديد بناءه حسب ماهو صحيح ومنتظم وقانوني ، كما إن الحرية غدت فوضى وإرادة الشعب غدى تسيباً ، وتسخير موارد الدولة صار في جيوب المنتفعين من الحكام وأحزابهم ومنع الشعب حقوقه ، لهذا لا يجوز ان يكون هذا الوضع هو المكرر في النسخة الجديدة ، إذن فقلب هذه السياسة من أساسها حق شعبي وحق أممي لكي يعيش الشعب حياته حراً مستقلاً وذو كيان معروف ومحدد وليس كما هو الآن غائب هلامي مجهول الهوية ومجهول الإنتماء .
وفي كلامنا هذا عن الإنقلاب إنما نريد ان يكون الشعب هو العنصر الحاسم في عملية التغيير والإصلاح ، وإن هذا الحق له في الأصل بإعتباره جزء من مقومه وكيانه ووجوده ، وهذا إن حصل سيكون هو الداعم وهو الراعي لهذه الحركة بإعتبارها تمثل تطلعاته وأمانيه ، أقول : ولكي يكون ذلك كذلك يجب ان يكون الشعب حراً في التعبير عن إرادته ورغبته في صنع مستقبله وبناء دولته على أسس وقواعد صحيحة ومتينة ، وفي ذلك سيجد الجيش وقواه الطليعية إن مصلحتة في سعادة شعبه وتحريره من البؤوس والحرمان وهو في ذلك إنما يقوم بعملية إصلاح وليس تكرار للدكتاتورية والفشل والأستبداد ، وهذا الكلام مرهون بالتعاون وصدق النية والنظر بجد للخيارات المتاحة الآن ، وعند ذلك سيكون الشعب هو الحامي لهذه الحركة وهو الراعي لها ، أقول هذا : وأنا أعلم إن هذا الكلام سيغيض البعض من المنتفعين ولكنه لازم وواجب التصريح به ، ودعوة الأخرين ليشاركوا في هذا الجهد للضغط من أجل تغيير مسار العمل السياسي ، ليكون صالحاً بالفعل وملبياً لتطلعات وطموحات أبناء الشعب كافة ، وثمة مايغري في هذا ويدعوا له بإلحاح هو الواقع السيء المتردي وضعف رجال السياسة الحالين بكل صنوفهم وأحزابهم ومنظماتهم ، ولأن العراق صار مرتعاً لقوى الشر القادمة من وراء الحدود تزرع الخوف والبغضاء والتناحر وتعمل ليعيش العراق هكذا ضعيفاً منكسر الجناح والخاطر ، ثم هم من بعد ذلك يذرفون عليه دموع التماسيح كما نشاهد من جيران العراق كافة ، ولا أريد ان أستبق الحلول لما يمكن ان يكون عليه الحال فيما لو حدث ما دعونا إليه ولكننا نقول إن لكل حادث حديث ...