لي كوان يو - عن واشنطن بوست
كاتب المقال رئيس وزراء سنغافورة فيما بين 1959 و 1990
في يوم عيد الحب (الرابع عشر من فبراير) عام 1945 التقى الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت والعاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود على متن سفينة حربية أمريكية في البحيرات المرة الموازية لقناة السويس في مصر.
كان روزفلت في طريق عودته قادما من يالطا حيث وضع هو وجوزف ستالين وونستون تشرشل ملامح العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية.
ولم يكن الاتفاق الذي توصل إليه روزفلت والعاهل السعودي على متن السفينة الأمريكية ـ وهو اتفاق على الصداقة والدعم وتأمين الوصول إلى النفط ـ يقل أهمية عن مخطط الزعماء الثلاثة الكبار. لقد كان ذلك الاتفاق أساس الاستقرار في منطقة الخليج القلقة والحيوية على مدار السنوات الثلاث والستين التالية.
استطاع ذلك الاتفاق أن يصمد أمام ثلاث حروب بين العرب وإسرائيل إضافة إلى صراع قانوني محتدم ومتواصل بين الطرفين نفسيهما. وقامت السعودية بدور مسؤول ومعتدل داخل الأوبك، وساهمت ولم تزل في تحقيق الاستقرار في الأسعار العالمية للنفط والرخاء العالمي بعامة.
لا يوجد بديل مأمون للوقود الحفري في المستقبل القريب. ولذلك فإن أمن منطقة الخليج وموارده النفطية واستقرارهما يمثلان أمرا حيويا بالنسبة للولايات المتحدة.
إن أمريكا تواجه تمردا في العراق منذ خمس سنوات. ولقد كان خلع صدام حسين قرارا صائبا، برغم عواقب ذلك التي جعلت الثمن المدفوع باهظا.
العراق قضية أساسية في حملة الانتخابات الرئاسية في أمريكا. وقرار مواصلة التواجد الأمريكي في العراق لن يتخذه إلا الأمريكيون. ولكن ثمة افتراضا عاما بأن السؤال الوحيد الجدير بالبحث عن إجابته هو توقيت سحب القوات الأمريكية والسبيل إلى ذلك.
لو ترك العراق غير مستقر فسوف يكون الثمن باهظا. فسوف يجترئ اجهاديون أينما يكونون في هذا العالم. لقد التقيت بالعديد من زعماء الخليج وأعرف أن لديهم خوفا عميقا من أن يؤدي انسحاب أمريكي متسرع إلى تهديد أمنهم تهديدا كبيرا.
سوف يكون انسحاب أمريكا المتعجل سببا في أن يفهم زعماء بلدان كثيرة في العالم أن الأمريكيين غير قادرين بعد على التسامح بشأن ضحاياهم الذين بلغوا نحو أربعة آلاف في العراق وأن الحكومة الأمريكية لن تجد دعما من شعبها في اي حرب ممتدة. وقد أدى هذا خاصة بعد زيادة القوات بثلاثين ألف جندي تحت قيادة الجنرال ديفيد بترايوس إلى وضع أمني أفضل.
وبرغم كل ما يقوله المرشحون في ثنايا هذه الحملة الانتخابية، إلا أنني لا يمكن أن أصدق أن يحتمل رئيس أمريكي الخروج من العراق ببساطة، مخاطرا بمكانة أمريكا ونفوذها، وقاضيا على مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية.
وثمة تخوف آخر من الانسحاب الأمريكي المتعجل، وهو أن تزداد إيران قوة في الخليج.
إيران شيعية. والشيعة أكبر الجماعات في العراق أيضا. والانقسام بين الشيعة والسنة يعود إلى تاريخ يتجاوز الألف عام منذ السنوات الأولى من عمر الإسلام. والخلافات بين العرب والفرس أقدم من ذلك.
ولو سيطرت إيران بدون ثقل موازن لها في المنطقة، فسوف يختل توازن القوى بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط مغيرا السياسات الداخلية والخارجية في المنطقة. وسوف يقوم جيران إيران بتعديل مواقفهم.
وسوف تزداد صعوبة التوصل إلى حل دبلوماسي لمسألة إيران النوية، وهو أمر لو لم يتم التوصل فيه إلى تسوية فسوف تحدث أزمة في مرحلة من المراحل.
منذ سنوات قليلة كان الطالبان في أفغانستان وعراق صدام حسين يقفان في وجه إيران. والطالبان يتجمعون اليوم من جديد، وسوف يكون لانتصارهم في أفغانستان أو باكستان صدى كبيرا في العالم الإسلامي كله. وسوف يؤثر على الجدال الدائر بين المسلمين حول مستقبل الإسلام. وسوف يبدو أن النسخة الأكثر تخلفا من الإسلام قد انتصرت على الحداثة مرتين: الأولى على الاتحاد السوفييتي، والثانية على الولايات المتحدة. وسوف تكون لذلك عواقب وخيمة، لا سيما فيما يختص بالحملة على الإرهاب.
لقد ساندت سنغافورة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، حيث نشرت بلادي دعما برمائيا في الخليج، كما نقلت حاويات وقود وطائرات لمساعدة القوات الأمريكية. وقد قدمنا هذه المساهمات الرمزية إدراكا منا لحجم الخطر العالمي.
إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تبقى في العراق وحدها.أمريكا بحاجة إلى تحالف. وسوف يقتضي هذا نهجا متعدد الجوانب، وهذا النهج بدوره يقتضي الوضوح والرؤية الدقيقة للوضع الاستراتيجي. إن الجدال الأمريكي الداخلي حول العراق يؤثر على الرأي العام العالمي ومن ثم على الوضع السياسي لأي تحالف متعدد الجنسيات.