هي بالفعل منطقة غبراء وليست منطقة خضراء ، وهذا الوصف منا تقرير واقع حال تعيشه هذه المنطقة بكل كيانها ووجدانها ، إذن فهي منطقة يقبع فيها نوع من البشر غريب لاهم لهم سوى ان يكونوا حكاماً في الإذاعة والتلفزيون في نسخة غير معدلة عن صدام ،
ومن الناحية الموضوعية فالتسمية بالخضراء خارجة عن اللفظ بدليل واقع الحال ، فلا هي خضراء من حيث كثرة البساتين والنخيل والأشجار فيها ، ولا هي خضراء بسلوك وممارسة ساكنيها ، ولقد كانت ولازالت مرتع لكل خبيث من الأعمال ، ولاأظن عاقلاً من العراقيين يمكنه ان يُسميها بالخضراء لكثرة ما صدر عنها من أفعال وأوامر بدءاً من الحرب ضد إيران إلى غزو الكويت ، وما كان بينهما من جراحات كثيرة طالت كل شيء كل شيء ، حتى ساد في الألسن البسيطة ذلك الشعار التاريخي للكوفيين أيام الحجاج : أنج سعد فقد هلك سعيد - ، وحال العراقيين لايفترق عن حالهم التاريخي ذاك وكله قادم من وراء تلك المنطقة الغبراء ، فالذل والقهر والتعسف والخوف والجوع وفقدان الأمل والنكبات اليومية التي تقتلهم في الزاد والمعاش ، المنطقة الغبراء فرقت الشعب الذي كان واحداً ومزقت الأرض التي كانت واحدة ، وبفضلها تجري دماء العراقيين أنهارا كل يوم وكل ساعة ، ذلك لأن القوم تسابقوا إليها لا من حيث كونها أرض بغدادية تحتاج للتعمير والصيانة بل من حيث هي مقار للرئيس المخلوع وعليها العيون الحالمة للجلوس على كراسيها وقصورها وسياراتها ومفاتح العراق فيها ، العراق الذي منها غدى بفعل رجالها نهباً لكل من هب ودب . ومن أراد ان يكشف سر الفساد الذي يضرب في بناء الوطن وحياته ، سارعوا إلى قتله وإنتهاك حرمته كما حصل لغير واحد من أشراف العراق ، وإن لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا قاموا باحراق كل ما يدل عليهم وعلى سرقاتهم وما يُشير إلى فعلهم القبيح السيئ ، كما حصل في حرق مكاتب محددة في وزارة الداخلية وما لحقها من حرق متعمد لبناية البنك المركزي وبعض أفرع وزارة التجارة والنفط ، العراق حين تحكمت بمصائره قوى المنطقة الغبراء جعلت كل شيء فيه أغبر ، وجعلت من إنسانه ذاك المليح سخرية لشعوب العالم ، حين صيرته طوائف وملل وأديان وقبائل لا للتعارف بل للتباغض والتناحر والتفريق وكل يحسب انه هو صاحب الدار ومالكها وعميدها ، ومن تبقى فهو خارجي نازح وتنابز القوم بالألقاب فهذا صفوي وذاك سلجوقي ، وهذا أعجمي وذاك عربي وهذا من العرب العاربة وذاك من العرب المستعربة إلى ما هنالك من أوهام الأحقيات المزيفة المزعومة ، حتى شعارات النظام البائد تدخلت لتشكيل هويتنا الوطنية وخصوصيتنا ، وعمدت المنطقة الغبراء للترويج عبر منصاتها الإعلامية والخبرية لذلك تارة بالتصريح وأخرى بالتلويح ، إنها نكبة العراق مع رجال المنطقة الغبراء رجال لا هم لهم غير البقاء فيها ، حتى يُقال عنهم سادة وقادة هم يريدون هذا لا غير ، ولهذا تناسوا فقرات الدستور وكيف ينظم البناء ، بل قال أحدهم كل ماأريده هو البقاء في منصبي وليشاركني فيه زيد وبكر لا ضير ، المهم عندي ان يقال إني صمدت بوجه من أرادوا إسقاطي !! لذلك فقد خربوا ولم يعمروا ولم يبنوا بل شاركوا في كل ما يؤخر بالقول والفعل ، الرياسة من أجل الرياسة هي تمام الغاية وتمام الهدف وليحترق العراق بشماله وجنوبه بشرقه وغربه ، وأما المستفيد من هذه الطوطمية كلها فهي جارتنا المسلمة جداً التي تدفع بكل قواها ليظل العراق هشاً ضعيفاً ممزقا ، وهي في ذلك تستخدم كل الطرق فتارة بدعوى حماية الشيعة وطوراً بمحاربة الشيطان الأكبر ، والخاسر في هذه اللعبة هو هذا الشعب المسكين الذي ضللته الدعاية والآمال والحلم بغدٍ جديد ، ضلله رجال الدين المزيفين عبر شعارات لا تخرج من كونها جبر للخواطر لاغير ، وضللتهم الدعاية حول الديمقراطية وحول الحرية والمساواة وضمان الحقوق وحماية الإنسان من الظلم والقهر ومن الحروب ، والخاسر كذلك هو وحدة العراق المهددة بالتقسيم بالفعل وماهي إلاّ مراحل ثم يضيع كل شيء و الأيام بيننا .